موقف المسلم من الفتن

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 20 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 1725 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين بلغ الرسالة وأدى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصلّ اللهم وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيرا


يَاأَيها الذين ءامَنُوا اتقُوا اللهَ حَق تُقَا ته ولاتموتن إلا وأنتم مُسلمُون.آل عمران:102.


يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.النساء:1.


يَا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قَولاً سَديداً يُصلح لَكُم أَعمالكم وَيَغفر لَكُم ذُنُوبَكُم وَمَن يُطع الله وَرَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً.الأحزاب:70-71.

أما بعد

تجيء الأزمة كالكير الذي يُذهِب خَبَثَ الحديد ، كالنار التي تحرق الأرض فتعود أخصب من أخصب منها ، كالحُمَّى تأخذ الجسد وتطرحه وتمتصه لتطهره من الذنوب وتجيء الأزمة وفي طيها خير للأمة
لعل عتبك محمود عواقبه ... وربما صحت الأجسام بالعللِ
وهكذا لا تنفك الأمة في كل زمن عن أزمة تكون لها كالصدمة الكهربائية التي تنفضها وتحرك دماءها الساكنة

فيا ابن الإسلام قد أقبلت عليك أزمة ولا بد لك من موقف ، فهاك بعض المواقف

اسأل الله تعالى أن ينفعك بها ويعيذنا من مضلات الفتن والأهواء
أولاً: الثبات والتثبيت

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا.الأنفال:45.
الأزمات عواصف تهز الأمة ولا بد للأمة من تثبيت.

الهلع الذي يغمر القلوب الضعيفة يجعلها كالخشبة على ظهر الموجة ، كورقة في ممر الريح.

القلوب الضعيفة عرضة للمد والجزر، واليقين هو حظ المؤمنين، يا أيها الذين ءامنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقو الله

ثانيا: ترسيخ الإيمان :في الأزمة تُقبل القلوب على خالقها تلتفت إلى أعلى ، "وَظَنُّوا أَن لاّ مَلْجَأَ مِنَ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ"التوبة:118. وكلما رأت القلوب أن الدنيا أدبرت عنها أقبلت هي على الأخرة

ثالثاً:استشعار الأزمة: وقد تمر الأزمة بالأمة فلا يبال الرجل بما كان وما يكون ، العالم يضطرم وهو في ثلاجة ؛ كأن الأزمة مجرد شهر جديد من شهور السنة ؛ تسير حياته فيه كما سارت في الشهر الذي قبله ؛ لم يغير جدوله ، وأعظم من ذلك أن ترى ذا العلم وذا الدعوة يرى الأزمة تركض إليه وإلى قومه ، في يدها الفتنة والضلال ، تقسم بالله لأغوينكم أجمعين ، ولأقتلنكم ، ولأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ، ولأصلبنكم ؛ وهو لم يحرك ساكناً ، ولم يسكِّن متحركاً ،
ليس لغفلة أو لجهالة أو لعجز فيُعذر ؛ بل تعامياً وتماوتاً ، وموت القلوب أشد من موت الأبدان

أبني إن من الرجال حجارةً ... في صورة الرجل السميع المبصرِ
فطن بكل مصيبة في ماله ... وإذا أصيب بدينه لم يشعر


رابعاً:استنهاض الهمم: بالآي ، بالحديث ، بالخطبة ، بالقصة ، بالشِّعر بالموقف الشجاع في القرن السابع ؛ جاء التتار يزحفون من مشرق الأرض ، يأكلون الأخضر واليابس والبلدان والقرى والناس ، يسيلون في كل واد ، يبتلعون كل شيء سقطت الهند و السند و ما وراء النهرين و فارس ، وابتلعوا بغداد عاصمة الخلافة ، وقصموا من الشام و فلسطين ، وذعر الناس ، وهُزموا هزيمتهم النفسية ، وهربوا وهربت قبلهم هممهم وظن بعضهم أنها القيامة ، وأنهم يأجوج و مأجوج ، وقال بعضهم لا طاقة لنا اليوم بهولاكو وجنوده لكن النتيجة هزمهم المظفر قطز بشجاعته وإيمانه بالله ولله الحمد والمنة

خامساً: تجميع الصفوف

تأبى الرماح إذا اجتمعنا تكسراً ... وإذا افترقن تكسرت آحاداً
والله يقول: "وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا"آل عمران:103. وأول ما نحتاج إلى الالتفاف حوله ورص الصف معه العلماء العاملون

دربنا واحد فكيف افترقنا...لا يكن حظ أنفسنا مبتغانا

نحن في الدين إخوة فلماذا...يعتلي صوتنا ويخبوا إخانا

سادساً: الاحتساب: وكما أن الخفافيش العلمانية تخرج في الليل وتتنفذ وتضغط وتستفز وربما تبتر وقد يسكت عنها فلا بد للمرابطين الساهرين على حصون الأمة أن يصطادوا الخفافيش وأن يطاردوا اللصوص فمن الاحتساب الاحتساب على المرأة وحياطتها وصيانتها وحراسة فضيلتها

سابعاً: تثبيت العلماء: والعلماء بشر تعصف بهم الفتن كما تعصف بالناس ويرتفع الإيمان وينخفض وتشتد العزيمة وترتخي ويميل ويثبت وما زال السلف يوصي بعضهم بعضاً أن اصبروا

في موقف ينسى الحليم سداده...ويطيش فيه النابه البيطار

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى

وبعد

أود أن أشير إلى الضوابط والقواعد الشرعية الواجب اتباعها في الفتن.

الأول من تلك الضوابط والقواعد أنه إذا ظهرت الفتن أو تغيرت الأحوال فعليك بالرفق والتأني والحلم ولا تعجل هذه قاعدة مهمة عليك بالرفق وعليك بالتأني وعليك بالحلم ثلاثة أمور أما الأمر الأول وهو الرفق فعن عائشة رضي الله عنها قالت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "ما كان الرفق في شيء إلا زانه ولا نزع من شيء إلا شانه"رواه مسلم. عليك بالرفق ولا تعجل ولا تكن مع المتعجلين إذا تعجلوا ولا مع المتسرعين إذا تسرعوا فخذ بالزين وخذ بالأمر المزين وخذ بالأمر الحسن وإياك ثم إياك من الأمر المشين وهو أن ينزع من قولك أو فعلك الترفق في الأمر كله

الأمر الثاني أن تعلم حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم في هذه المسألة بعينها لا في المسألة التي يشابهها فعند ظهور الفتن واختلاف الأحوال لا يجوز أن نعتمد على كلام كافر مثلاً ذكر تصوره وتحليله وهذا لا يجوز شرعاً أن نبني عليه حكماً شرعياً

الثالث من تلك الضوابط والقواعد أن يلزم المسلم الإنصاف والعدل في أمره كله يقول الله عز وجل "وإذا قلتم فاعدلوا ولو كان ذا قربى"الأنعام:152. لا بد من عرض الحسن والقبيح عرضها على الذهن حتى تصل إلى نتيجة شرعية.

.ومن سلم من الهوى فقد نجا

الرابع ما دل عليه قول الله عز وجل "واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا"آل عمران:103 ويقول صلى الله عليه وسلم "عليكم بالجماعة وإياكم الفرقة"أخرجه أحمد والترمذي وصححه الألباني. ويقول أيضاً" الجماعة رحمة والفرقة عذاب"رواه أحمد والطبراني وحسنه ابن مفلح. الفرقة بجميع أنواعها في الأفكار أوفي الأقوال أو الأعمال.

عذاب يعذب الله عز وجل من خالف أمره وذهب إلى غير هداه.

الخامس أن الرايات التي ترفع في الفتنة سواء رايات الدول أو رايات الدعاة لا بد للمسلم أن يزنها بالميزان الشرعي الصحيح ميزان أهل السنة والجماعة

وأختم بقول البربهاري رحمه الله ناصر السنة إمام من أئمة أهل السنة والجماعة إذا رأيت الرجل يدعو للسلطان فاعلم أنه صاحب سنة وإذا رأيته يدعو على السلطان فاعلم أنه صاحب بدعة والفضيل بن عياض كان يدعو كثيراً للسلطان في وقته ونحن نعلم ما كان من سلاطين بني العباس في وقتهم من أمور

كان يدعو لهم كثيراً قيل له تدعو لهم أكثر من دعائك لنفسك قال نعم لأنني إن صلحت فصلاحي لنفسي ولمن حولي وأما صلاح السلطان فهو لعامة المسلمين

اللهم اخرج إخواننا في البحرين من فتنة الرافضة اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق والأعمال لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عنا سيئ الأخلاق والأعمال لا يصرف عنا سيئها إلا أنت يارب العالمين اللهم اقطع دابر المفسدين ودابر الفاسقين ودابر المنحرفين اللهم اخذلهم واذلهم اللهم اكبتهم اللهم انزل بهم الخسائر المالية حتى يتوبوا إليك ويرجعوا إلى رشدهم وإلى إصلاح أمتهم يا رب العالمين اللهم سلط عليهم من يمنعهم من شرهم اللهم احفظ لنا ولاة أمورنا واحفظ بلادنا من عبث العابثين وفسق الفاسقين وفساد الفاسدين وجرائم المجرمين واعتداء المعتدين اللهم تقبل منا اللهم تقبل منا

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-10-19

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 1 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي