قصة هلاك فرعون

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 20 شوال 1434هـ | عدد الزيارات: 3078 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون وأشهد أن محمداً عبده ورسوله المبعوث رحمة للعالمين بلَّغ الرسالة وأدَّى الأمانة وجاهد في الله حق جهاده وتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك فصل اللهم وسلم عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.


يَا أَيها الذين ءامَنُوا اتقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاته ولاتموتُنَّ إلَّا وأنتم مُسلمُون.آل عمران:(102).يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.النساء:1.يَا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وقولوا قَولاً سَديداً يُصلح لَكُم أَ عما لكم وَ يَغفر لَكُم ذُ نُو بَكُم وَ مَن يُطع الله وَ رَسُولَهُ فَقَد فَازَ فَوزاً عَظيماً.الأحزاب:70-71.

أما بعد ؛

تعلمون يارعاكم الله أنه لمَّا تمادى قبط مصر على كفرهم وعتوهم وعنادهم، متابعة لملكهم فرعون، ومخالفة لنبي الله ورسوله وكليمه موسى بن عمران عليه السلام، وأقام الله على أهل مصر الحجج العظيمة القاهرة، وأراهم من خوارق العادات ما بهر الأبصار وحير العقول، وهم مع ذلك لا يرعوون ولا ينتهون، ولا ينزعون ولا يرجعون، ولم يؤمن منهم إلا القليلُ ، ومنهم امرأةُ فرعون، ولا علم لأهل الكتاب بخبرها ومؤمن آل فرعون، الذي ذكر القرآن موعظته ومشورته وحجته عليهم والرجل الناصح، الذي جاء يسعى من أقصى المدينة فقال:"يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ" القصص:(20). وجميع شعب بني إسرائيل ومن ضمنهم السحرة الذين ءامنوا، ويدل على هذا قوله تعالى: "فَمَا ءامَنَ لِمُوسَى إِلَّا ذُرِّيَّةٌ مِنْ قَوْمِهِ عَلَى خَوْفٍ مِنْ فِرْعَوْنَ وَمَلَئِهِمْ أَنْ يَفْتِنَهُمْ وَإِنَّ فِرْعَوْنَ لَعَالٍ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ الْمُسْرِفِينَ"يونس:(83). ولما رأى موسى تمادي آل فرعون في كفرهم بالله وطاعتهم لفرعون دعا عليهم: " وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ ءاتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"يونس:(88-89).

هذه دعوة عظيمة دعا بها كليم الله موسى على عدو الله فرعون، غضبًا لله عليه ؛ لتكبره عن اتباع الحق، وصده عن سبيل الله، ومعاندته وعتوه وتمرده واستمراره على الباطل، ومكابرته الحق الواضح الجلي الحسي والمعنوي ، والبرهان القطعي ، ولهذا قال تعالى مخاطبًا موسى حين دعا على فرعون وملئه ، وأمَّن أخوه هارونُ على دعائه، فنزل ذلك منزلة الداعي أيضًا: "قَالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلَا تَتَّبِعَانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ"يونس:(89). قال المفسرون استأذن بنو إسرائيل فرعون في الخروج إلى عيد لهم، فأذن لهم وهو كاره، ولكنهم تجهزوا للخروج، وتأهبوا له، وإنما كان في نفس الأمر، مكيدة بفرعون وجنوده، ليتخلصوا منهم، ويخرجوا عنهم، واستعاروا حليًا منهم، فأعاروهم شيئًا كثيرًا فخرجوا بليل فساروا مستمرين ذاهبين من فورهم، طالبين بلاد الشام، فلما علم بذهابهم فرعون حنق عليهم كل الحنق، واشتد غضبه عليهم. وشرع في استحثاث جيشه وجمع جنوده، ليلحقهم ويمحقهم، قال الله تعالى :"وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ فَأَخْرَجْنَاهُمْ مِنْ جَنَّاتٍ وعيون"الشعراء:52-56 ، ولحقهم فرعون بجنوده، وتراءى الجمعان، ولم يبق ثَمَّ ريبٌ ولا لبْسٌ، وعاين كل من الفريقين صاحبه وتحققه ورآه، ولم يبق إلا المقاتلة والمجادلة، فعندها قال أصحاب موسى وهم خائفون إنا لمدركون، وذلك لأنهم اضطروا في طريقهم إلى البحر، فليس لهم طريق ولا محيد إلا سلوكه وخوضه وهذا ما لا يستطيعه أحد، ولا يقدر عليه، وفرعون قد غالقهم وواجههم، وعاينوه في جنوده فقال لهم الرسول الصادق المصدوق: "كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ"الشعراء:62. وكان في الساقة، فتقدم إلى المقدمة، ونظر إلى البحر، وهو يتلاطم بأمواجه، ويتزايد زبدُ أجاجه، وهو يقول هاهنا أمرت، ومعه أخوه هارون، ويوشع بن نون، وهو يومئذ من سادات بني إسرائيل، وعلمائهم، وعبَّادهم الكبار وقد أوحى الله إليه، وجعله نبيًا بعد موسى وهارون عليهما السلام ومعهم أيضًا مؤمن آل فرعون، وهم وقوف وبنو إسرائيل بكمالهم عليهم عكوف، ويقال إن مؤمن آل فرعون جعل يقتحم بفرسه مرارًا في البحر، هل يمكن سلوكه فلا يمكن، ويقول لموسى يا نبي الله أهاهنا أمرت ؟ فيقول نعم فلما تفاقم الأمر، وضاق الحال، واشتد الأمر، واقترب فرعون وجنوده في جدهم وحدهم وحديدهم، وغضبهم وحنقهم، وزاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، فعند ذلك أوحى الحليم العظيم القدير، رب العرش الكريم، إلى موسى الكليم: "أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ"الشعراء:63. فلما ضربه كان ماء البحر قائمًا مثل الجبال، مكفوفًا بالقدرة العظيمة، الصادرة من الذي يقول للشيء كن فيكون وأمر الله ريح الدبور، فلقحت حال البحر، فأذهبته حتى صار يابسًا لا يعلق في سنابك الخيول والدواب فلما آل أمر البحر إلى هذه الحال أمرالله موسى عليه السلام أن يجوزه ببني إسرائيل فانحدروا فيه مسرعين فلما جاوزوه وخرج آخرهم منه، وانفصلوا عنه، كان ذلك عند قدوم أول جيش فرعون إليه، ووفودهم عليه، فأراد موسى عليه السلام أن يضرب البحر بعصاه، ليرجع كما كان فأمره الله أن يترك البحر على هذه الحال قال تعالى :" وَاتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْوًا ۖ إِنَّهُمْ جُندٌ مُّغْرَقُونَ "الدخان (24)، فرأى فرعون ما رأى، وعاين ما عاين، فهاله هذا المنظر العظيم، وتحقق ما كان يتحققه قبل ذلك من أن هذا من فعل ربِّ العرش العظيم، فأحجم ولم يتقدم، وندم في نفسه على خروجه في طلبهم والحالة هذه، حيث لا ينفعه الندم، لكنه أظهر لجنوده تجلدًا، وعاملهم معاملة العدا، وحملته النفس الكافرة، والسجية الفاجرة، على أن قال لمن استخفهم فأطاعوه انظروا كيف انحسر البحر لي، لأدرك عبيدي الآبقين من يدي، الخارجين عن طاعتي وبلدي، وجعل يوري في نفسه أن يذهب خلفهم، ويرجو أن ينجو، وهيهات ويقدم تارة ويحجم تارات ، ويقال : إن جبريل عليه السلام تبدى في صورة فارس راكب على رمكة حايل، فمر بين يدي فحل فرعون ، لعنه الله ، فحمحم إليها، وأقبل عليها، وأسرع جبريل بين يديه، فاقتحم البحرَ، واستبق الجواد، وقد أجاد فبادر مسرعًا، هذا وفرعون لا يملك من نفسه ضرًا ولا نفعًا فلما رأته الجنود قد سلك البحر، اقتحموا وراءه مسرعين، فحصلوا في البحر أجمعين حتى همَّ أولهم بالخروج فرتد عليهم البحر كما كان، فلم ينجُ منهم إنسان.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.

أما بعد

عباد الله: هذه حادثة حصلت في العاشر من الشهر المحرم فهو يوم عظيم انتصر فيه الحق على الباطل لذا يشرع صيام العاشر من شهر محرم من كل عام فهو يكفر ذنوب سنة كما ذكر ذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم في قوله:" وَصِيَامُ يَومِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ علَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتي قَبْلَهُ ." رواه مسلم ، فمن صام العاشر وحده أجزأ لفعل النبي صلى الله عليه وسلم، ومن صام التاسع مع العاشر فهو أفضل لحث النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك مخالفة لليهود، ومن صام التاسع والعاشر والحادي عشر فهو أكمل قال ذلك ابن القيم رحمه الله.

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم إلهكم وخالقكم بذلك في محكم كتابه بقوله : "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما "الأحزاب:56. وقال عليه الصلاة والسلام مَنْ صلَّى عليَّ صلاةً صلَّى اللهُ عليه بها عشْرَاً.رواه مسلم. اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمدٍ وارضَ اللهمَّ عن الأربعة الخلفاء ، الأئمة الحنفاء : أبي بكر وعمر وعثمان وعليٍّ ، وعن الصحابة أجمعين ، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين ، اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمين وأذلَّ الشركَ والمشركين ودمِّرْ أعداءَ الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين، واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم ، اللهم ولِّ على المسلمين خيارَهم ،اللهم اغفر ذنب المذنبين واقبل توبة التائبين اللهم لا تدع لنا في هذا المقام من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا دَيْناً إلا قضيته ولا مريضاً إلا شفيته ولا أيماً إلا زوجته ولا ضالاً إلا هديته ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا صلاح إلا أعنتنا على قضائها ويسرتها لنا واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين برحمتك يا أرحم الراحمين ، اللهم انصر جنودنا في الحد الجنوبي على الرافضة المشركين، واجعل عمل وليّ أمرنا في رضاك.

اللهم تقبل منَّا إنك أنت السميع العليم واغفر لنا إنك أنت الغفور الرحيم وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

وقوموا إلى صلاتكم يرحمكم الله

1434-10-19هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي