الصيام

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 20 شهر رمضان 1434هـ | عدد الزيارات: 1659 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي بلغنا شهر رمضان وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الناس حين خلقهم غنياً عن طاعتهم لأنه لا تنفعه طاعة من أطاعه كما لا تضره معصية من عصاه وأشهد أن محمداً عبده ورسوله علمنا كيف نُخْلص العبادة لله وأرشدنا إلى كلمة التقوى صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيقول سبحانه :" يا أيها الذين ءامنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون" البقرة:183

أيها المسلمون: هذه الآية الكريمة تقرر أمراً سماوياً يفرض الصيام على المؤمنين كما سبق أن فرض على أسلافهم من الأمم الأخرى ثم تقرن آية الفريضة بأثرها الذي يتوقع من القيام بها وهو التقوى وهو أثر يحدث في قلب المؤمن متى أدى فريضة الصيام على وجهها والتزم شروطها وآدابها فكأن الصيام على ما تقرره الآية وسيلة تربوية تتحقق بها تقوى القلب وخشوع الجوارح وهذا هو المقصود الأول من الفريضة

ومن حكمة الخالق جل وعلا أن يتحدث إلى عباده مبيناً لهم الحكمة من أوامره والفائدة التي تعود عليهم من الإذعان لها برغم أنه هو الإله الخالق المقتدر ونحن عباده الضعفاء الفقراء إليه وهو القائل "إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على الله بعزيز" ابراهيم:19 ومع ذلك نجد الله سبحانه يعبر دائماً في كتابه عن الحكمة التي رتبها على فرائضه

فالصلاة عون للمؤمن على احتمال صروف الدهر "واستعينوا بالصبر والصلاة "البقرة:45 والزكاة طهر للمؤمن ودرء لمفاسد الحياة الاجتماعية "خذ من أموالهم صدقة تطهرهم وتزكيهم بها "التوبة:103 والحج موسم لنفع العباد دينا ودنيا " ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله "الحج:28 وكذلك الصوم أعظم ما يتوقع منه أن يتقي المرءُ ربَّه "ولباس التقوى ذلك خير"الأعراف:26 وحسبنا من الصيام أنه يثبت في قلوبنا تقوى الله وهي جماع كل خير وأساس كل فضل في حياة الناس فلم يترك القرآن عملاً يكلف به المؤمن أو خلقاً يؤمر به إلا جعله أثراً لهذا المعنى النفسي العميق "التقوى" وامتداداً لمنازع الكمال التي تصدر عنه ومن هنا كان من حقيقة التقوى ما جاء من أمر المؤمنين بالصدق أو بالأمانة أو بالشجاعة أو بالصبر أو بالعفة أو بالعدل أو بالعفو أو بالرحمة أو بضبط النفس فإن الإٍسلام يقرن ممارسة هذه الأخلاق بالتقوى كشرط في أخلاق المؤمنين وكأثر ناتج عن سلوكهم الطيب النزيه ولذلك لا غرابة أن يكون الأثر الناشئ عن الصيام هو التقوى أليس الصيام الصبر على الحرمان من ضرورات الحياة وشهواتها ؟، والصابرون ينالون ثواب الله بلا حدود "إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حسابلزمر:10

أيها المسلمون: يمتاز الصيام على جميع الفرائض الدينية بأمر جوهري هو أنها جميعاً أعمال أو حركات إيجابية أما هو فامتناع باطني لأنه ترك وكف للنفس عن بعض ما تعودته فإذا كانت الصلاة قياماً وركوعاً وسجوداً فإن الوسيلة إلى ذلك أن تتحرك الجوارح لأداء هذه الحركات الإيجابية في جماعة مشهودة يحرص عليها المؤمن لأنها أفضل من صلاة الفرد بسبع وعشرين درجة وكذلك الزكاة عطاء إيجابي لحق الله وتوصيله إلى يد مستحقيه سائلاً كان أو محروماً وكذلك الحج سفر وسعي وتضحية بالوقت والمال وتعب يتحمله البدن ومتعة يتذوقها المؤمن بكل جوارحه أما الصوم فهو في الحقيقة إيقاف لبعض الوظائف العضوية في جسم الإنسان وتعطيل لها إلى فترة محدودة

سواء أكان صياماً اختيارياً على سبيل التطوع أم إجبارياً على وجه الفريضة فإذا كانت المعدة قد تعودت أن تعمل ثلاث مرات بانتظام كل يوم فإنها في حال الصيام تعمل مرتين في موعد مختلف تشعر معه بالفراغ ويحس معه المرء بإحساس الجوع والعطش طول النهار وحسبنا من فراغ المعدة راحتها من التخمة وعسر الهضم وما يترتب على فراغها من صفاء الذهن وسلامة التفكير وحسبنا من كف الجوارح تأديب المرء عن كثير من الرذائل التي ألفها وتعود الولوغ فيها فلن يعد الصائم صائماً حتى يكف عن النظر إلى العورات وحتى يحفظ لسانه عن التحدث بالباطل فلا يكذب ولا يغتاب ولا يسير بين الناس بالنميمة ولا يشتم عرضاً ولا يتعلق بلغو الحديث وقد قال تعالى "قد أفلح المؤمنون الذي هم في صلاتهم خاشعون والذين هم عن اللغو معرضون"المؤمنون:1-3 فجعل الإعراض عن اللغو هو الصفة الثانية من صفات المؤمنين بعد الصلاة وقد جاء في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم "من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه "رواه البخاري.

هذا وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله الذي جعلنا من صوام شهر رمضان وقوامه وأشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

أما بعد:عباد الله؛ إن الصيام سر بين العبد وربه وجدير بمن تعود هذه الحال أن يجعل أكثر أعماله سراً بينه وبين الله ولذا رأينا الدين يأمر بالتزام هذا الأدب في الصدقة "ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه "صححه الألباني، كما يأمر بالتزامه في ذكر الله "واذكر ربك في نفسك تضرعاً وخيفة "الأعراف:205

والصيام حرمان وتجويع للبدن وللنفس ومقتضى ذلك أن يتخلق في إرادة المؤمن شعور بالمقاومة المستمرة لكل إحساس بالضعف ولكل رغبة في الممنوع المحرم خلال النهار مهما كثرت المغريات ومهما تبذلت الشهوات في الشوارع والطرقان فإذا اجتاز الصائم الامتحان ونجح في اكتساب التقوى كان ذلك عوناً له على استمرار المقاومة وتقوية لإرادته في مواجهة الشهوات والتحديات فكل موقف تواجه فيه عورة مكشوفة أو رغبة ملحة أو بلاء اجتماعياً هو في الواقع امتحان متجدد لإرادتك تنفعك فيه التقوى التي تحققت لك بالصيام وليس من العقل أن نلقى سقطاتنا وسيئاتنا على مسئولية الشيطان فنحن مسئولون عما نفعل مآخذون بذنوبنا تماماً واستمعوا إلى قول الله سبحانه "ووضع الكتاب فترى المجرمين مشفقين مما فيه ويقولون يا ويلتنا ما لهذا الكتاب لا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ووجدوا ما عملوا حاضرا ولا يظلم ربك أحدا وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا"الكهف:49-50 وقد أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم أن نستخدم الصوم والجوع سلاحاً ضد الشيطان وحذر من الشبع وعواقبه وسار على ذلك الصحابة المهديون من بعده، ولو استطاع المؤمن أن يقيد نفسه بأدب الدين لقهر شيطانه وقهر الشيطان نصرة لله يقول تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ "محمد:7 وما أحوجنا في أيامنا هذه في مواجهة الأعداء المتربصين داخل العالم الإسلامي وخارجه إلى أن ينصرنا الله ويثبت أقدامنا المتزلزلة كما ثبت أقدام المسلمين في رمضان أمام مشركي بدر و فتح مكة.

عباد الله: إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم وإذا صدقت إرادة التغيير في أنفسنا فعلينا أن نحولها إلى واقع يتمثل في سلوك نظيف وفي لسان عفيف وفي تعامل نزيه لا شبهة فيه "وتزودوا فإن خير الزاد التقوى "البقرة:197 قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما رواه أبو هريرة "فإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب فإن سابه أحد أو قاتله فليقل: إني صائم إني صائم والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك للصائم فرحتان يفرحهما إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه"صححه الألباني. وعنه أيضاً أنه قال "إذا جاء رمضان فتحت أبواب الجنة وغلقت أبواب النار وصفدت الشياطين " رواه البخاري

هذا وصلوا على نبيكم كما أمركم الله بذلك في محكم كتابه بقوله "إن الله وملائكته يصلون على النبي يا أيها الذين ءامنوا صلوا عليه وسلموا تسليما"الأحزاب:56 وقال عليه الصلاة والسلام "من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشرا "رواه مسلم .

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن الأربعة الخلفاء الأئمة الحنفاء أبي بكر وعمر وعثمان وعلي وعن الصحابة أجمعين وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين وانصر عبادك الموحدين وأعل بفضلك كلمة الحق والدين وانصر المظلومين في كل مكان وانصر من نصرهم واخذل من خذلهم وعاد من عاداهم ووال من والاهم واجمع شمل المسلمين على كلمة التوحيد وأوقف نزيف دمائهم اللهم كن لإخواننا المستضعفين في كل مكان اللهم من أرادهم بسوء فاجعل كيده في نحره واجعل تدبيره تدميراً له اللهم ول على المسلمين خيارهم واكفف عنهم شرارهم اللهم كن لإخواننا في سوريا وانصرهم على النصيرية والرافضة واغفر اللهم لنا ولوالدينا ووالدي والدينا ولجميع المسلمين الأحياء منهم والميتين.

عباد الله: اذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم وأقم الصلاة إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون العنكبوت:45

1434-9-20هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 5 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي