الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى
استقبال القبلة:
المراد بالقبلة الكعبة وسميت قبله؛ لأن الناس يستقبلونها بوجوههم ويئمونها ويقصدونها وهو من شروط الصلاة بدلالة الكتاب والسنة والإجماع.
أما الكتاب فقوله تعالى: {وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ }(البقرة 150) وأما السنة فكثيرة منها قوله للمسيء في صلاته " إذا قمت إلى الصلاة فأسبغ الوضوء ثم استقبل القبلة فكبر " [أخرجه البخاري]
والإجماع: أجمع المسلمون على وجوب استقبال القبلة في الصلاة
والحكمة من ذلك هي أن يتجه الإنسان ببدنه إلى معظم بأمر الله وهو البيت كما يتجه بقلبه إلى ربه في السماء فهنا اتجاهان اتجاه قلبي واتجاه بدني الاتجاه القلبي إلى الله عز وجل والاتجاه البدني إلى بيته الذي أمر الاتجاه إليه وتعظيمه، ولا ريب أن في إيجاب استقبال القبلة مظهر من مظاهر اجتماع الأمة الإسلامية ما لا يخفى على الناس لو لا هذا لكان الناس يصلون في مسجد واحد أحدهم يصلي إلى الجنوب والثاني إلى الشمال والثالث إلى الشرق والرابع إلى الغرب.
وقد تتعذر الصفوف في الجماعة لكن إذا كانوا إلى اتجاه واحد صار ذلك من أكبر أسباب الائتلاف
وكان الرسول صلى الله عليه وسلم يصلي إلى بيت المقدس ولكن الكعبة بينه وبين بيت المقدس فأين يكون مكانه من المسجد ؟
بين الركن اليماني والحجر الأسود لتكون الكعبة بينه وبين بيت المقدس
ولما هاجر إلى المدينة بقي بأمر الله عز وجل يصلي إلى بيت المقدس ستة عشر شهراً وبعض السابع عشر ثم بعد ذلك أمر بالتوجه إلى الكعبة ، عن البراء بن عازب رضي الله عنه قال :" كانَ أوَّلَ ما قَدِمَ المَدِينَةَ نَزَلَ علَى أجْدَادِهِ، أوْ قالَ أخْوَالِهِ مِنَ الأنْصَارِ، وأنَّهُ صَلَّى قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ سِتَّةَ عَشَرَ شَهْرًا، أوْ سَبْعَةَ عَشَرَ شَهْرًا، وكانَ يُعْجِبُهُ أنْ تَكُونَ قِبْلَتُهُ قِبَلَ البَيْتِ، وأنَّهُ صَلَّى أوَّلَ صَلَاةٍ صَلَّاهَا صَلَاةَ العَصْرِ، وصَلَّى معهُ قَوْمٌ فَخَرَجَ رَجُلٌ مِمَّنْ صَلَّى معهُ، فَمَرَّ علَى أهْلِ مَسْجِدٍ وهُمْ رَاكِعُونَ، فَقالَ: أشْهَدُ باللَّهِ لقَدْ صَلَّيْتُ مع رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قِبَلَ مَكَّةَ، فَدَارُوا كما هُمْ قِبَلَ البَيْتِ، وكَانَتِ اليَهُودُ قدْ أعْجَبَهُمْ إذْ كانَ يُصَلِّي قِبَلَ بَيْتِ المَقْدِسِ، وأَهْلُ الكِتَابِ، فَلَمَّا ولَّى وجْهَهُ قِبَلَ البَيْتِ، أنْكَرُوا ذلكَ." [صحيح البخاري]
ولا تصح الصلاة بدون استقبال القبلة لأنه شرط والقاعدة أنه إذا تخلف الشرط تخلف المشروط
والدليل على ذلك حديث عائشة رضي الله عنها قالت قال صلى الله عليه وسلم:"من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه، فهو ردٌّ"؛ رواه البخاري ومسلمٌ، وفي روايةٍ لمسلمٍ: "من عمل عملًا ليس عليه أمرنا، فهو ردٌّ."
ومن استقبل غير القبلة فقد عمل عملاً ليس عليه أمر الله ورسوله فيكون عمله مردود
ويستثنى من ذلك العاجز مثل أن يكون مريضاً لا يستطيع الحركة وليس عنده أحد يوجهه إلى القبلة
والدليل قوله تعالى:{ لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا ۚ}[البقرة 286]
وقول النبي صلى الله عليه وسلم: {وإذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا منه ما اسْتَطَعْتُمْ.} [صحيح البخاري]
الحالة الثانية: حال اشتداد الحرب فيسقط استقبال القبلة مثل لو كانت الحرب فيها كر وفر ومثل لو هرب الإنسان من عدو أو من سيل أو من حريق أو من زلازل أو ما أشبه ذلك
الحالة الثالثة: المتنفل فقد ثبت في الصحيحين وغيرهما " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصلي النافلة على راحلته حيثما توجهت به غير أنه لا يصلي عليها المكتوبة ."
ولا تجوز الفريضة للراكب السائر إلا في الحال التي يتعذر فيها استقبال القبلة أي لا تجوز الفريضة في اتجاه غير القبلة
والأفضل أن يبتدئ الصلاة متجهاً إلى القبلة ثم يتجه حيث كان وجهه هذا في النافلة أما الفريضة فيجب إلا إذا تعذر عليه استقبال القبلة
ويجب أن يصيب عين الكعبة بكل بدنه فلو فرض أن جانب الوجه الأيمن مساو للكعبة والجانب الأيسر خارج عن الكعبة لم يصح فلا بد أن يكون اتجاهه كله إلى عين الكعبة هذا إذا كان أمام الكعبة
ولو أخبره ثقة سواء أخبره عن يقين أو عن اجتهاد فإنه يعمل بقوله كما نعمل بقول الثقة بالاجتهاد في مسائل الدين الحلال والحرام
ومما يستدل به على القبلة المحاريب
واتخاذ المحراب مستحب
ومما يستدل به على القبلة القطب وهو نجم خفي جداً قال تعالى :{وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ } [النحل 16] ، ويستدل أيضاً بالشمس والقمر ويجوز اتباع أحدهما الآخر مع اختلافهما في جهة القبلة والثالث يتبع أوثقهما.
ومن صلى باجتهاد فصلاته صحيحه سواء أخطأ أو أًصاب وسواء في الحضر أو في السفر
وإن صلى بغير اجتهاد ولا تقليد إن وجد من يقلده فإن أخطأ أعاد وإن أصاب لم يعد
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
1434/8/28 هـ