الدرس الثلاثون: شروط الصلاة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 25 شعبان 1434هـ | عدد الزيارات: 1908 القسم: دروس في الفقه الإسلامي -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

الشرط في اللغة العلامة ومنه قوله تعالى "فهل ينظرون إلى الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها" أي علاماتها

والشرط عند الأصوليين: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود مثل الوضوء للصلاة يلزم من عدمه عدم الصلاة لأنه شرط لصحة الصلاة ولا يلزم من وجوده الصلاة فلو توضأ إنسان فلا يلزم أن يصلي لكن لو لم يتوضأ وصلى لم تصح الصلاة وقد يقول قائل هل قال الرسول صلى الله عليه وسلم إن شروط الصلاة كذا وأركانها كذا وواجباتها كذا فنقول لا

غير أن العلماء لما جاءوا بالشروط والأركان والواجبات لم يأتوا بشيء زائد على الشرع ليكون ذلك أقرب إلى حصر العلوم وجمعها وبالتالي إلى فهمها فهم يصنفون ذلك لا زيادة على شريعة الله وإنما تقريباً للشريعة والوسائل لها أحكام المقاصد

وأول شرط من شروط الصلاة الإسلام الثاني العقل الثالث التمييز وهذه الشروط الثلاثة معروفة فكل عبادة لا تصح إلا بإسلام وعقل وتمييز إلا الزكاة فإنها تلزم المجنون والصغير على القول الراجح وكذا الحج فإنه يصح من الصغير

الشرط الرابع: دخول الوقت ولم نقل الوقت لأننا لو قلنا أن الشرط هو الوقت لزم ألا تصح بعده ومعلوم أنها تصح بعد الوقت لعذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم "من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها" وثبت عنه أنه صلى الفجر بعد طلوع الشمس

والدليل على صحة الصلاة بعد الوقت لعذر من القرآن والسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر قوله " من نام عن صلاة.........." تلا قوله تعالى "وأقم الصلاة لذكري" وتلاوته للآية استشهاد بها

والدليل على اشتراط الوقت قوله تعالى "إن الصلاة كانت على المؤمنين كتاباً موقوتا " أي مؤقتاً بوقته

والأدلة من السنة كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم "وقت الظهر إذا زالت الشمس........." والصلاة لا تصح قبل الوقت بإجماع المسلمين فإن صلى قبل الوقت فإن كان متعمداً فصلاته باطلة ولا يسلم من الإثم وإن كان غير متعمد لظنه أن الوقت قد دخل فليس بآثم وصلاته نفل ولكن عليه الإعادة لأن من شروط الصلاة الوقت

هل تصح الصلاة بعد خروج الوقت بدون عذر ؟

الجواب: جمهور أهل العلم أنها تصح بعده مع الإثم

بيان أوقات الصلاة تفصيلاً

فوقت الظهر من الزوال إلى مساواة الشيء فيئه بعد فيء الزوال

يقول بعض أهل اللغة الفيء هو الظل بعد الزوال وما قبله فيسمى ظلاً ولا يسمى فيئاً

أما علامة الزوال بالساعة فاقسم ما بين طلوع الشمس إلى غروبها نصفين وهذا هو الزوال

وتعجيل صلاة الظهر أفضل لما يلي

أولاً: لقوله تعالى "فاستبقوا الخيرات" أي سارعوا ولا شك أن الصلاة من الخيرات فالاستباق إليها معناه المبادرة إليها

ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على البداءة بالصلاة من حين الوقت فسأله ابن مسعود أي العمل أحب إلى الله قال النبي صلى الله عليه وسلم" الصلاة في وقتها " أخرجه البخاري

وإن كان بعض العلماء يقول على وقتها يعني المقدر شرعاً ونحن نقول حتى على هذا القول فإن التعجيل بالصلاة أفضل

ثالثاً: أن هذا أسرع في إبراء الذمة لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له فقد يكون في أول الوقت نشيطا قادراً تسهل عليه العبادة ثم يمرض وتصعب عليه الصلاة وربما يموت فهذا أسرع في إبراء الذمة وما كان أسرع في إبراء الذمة فهو أولى فيكون تعجيلها أفضل دل عليه الدليل الأثري والنظري

ويستثنى من ذلك في شدة الحر ففي شدة الحر الأفضل تأخيرها لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في قوله"إذا اشتد الحر فابردوا بالصلاة فإن شدة الحر من فيح جهنم" أخرجه البخاري ولأن النبي صلى الله عليه وسلم كان في غزوة وأراد المؤذن أن يؤذن فقال أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال أبرد ثم أراد أن يؤذن فقال أبرد ثم أراد أن يؤذن فأذن لما ساوى التل ظله " أخرجه البخاري

فإذا قدرنا مثلاً أن الشمس في أيام الصيف تزول 12 وأن العصر 4 تقريباً فيكون الإبراد إلى 4 تقريباً والتأخير يحصل لمن يصلي الجماعة ولمن يصلي وحده ويدخل في ذلك النساء فإنه يسن لهن الإبراد في صلاة الظهر في شدة الحر

ويلي وقت الظهر وقت العصر إذ لا فاصل بين الوقتين إذ لو كان هناك فاصل فلا موالاة وأنه لا اشتراك بين الوقتين إذ لو كان اشتراك لدخل وقت العصر قبل خروج وقت الظهر فإذا خرج وقت الظهر دخل وقت العصر ووقت العصر من فيء الزوال مثله أي إذا صار الظل طول الشاخص فهذا نهاية وقت الظهر ودخول وقت العصر إلى اصفرار الشمس لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "وقت العصر ما لم تصفر الشمس " أي ما لم تكن صفراء

وهذا في الغالب يزيد على مصير ظل كل شيء مثليه وهذه الزيادة تكون مقبولة لأن الحديث في صحيح مسلم ومن قول الرسول صلى الله عليه وسلم

وقد نص ابن باز رحمه الله على أن وقت العصر إلى المغرب للضرورة

مسألة: ما معنى وقت الضرورة ؟

معنى الضرورة لو اشتغل إنسان عن العصر بشغل لا بد منه ولنفرض أنه أصيب بجرح فاشتغل به يلبده ويضمده ويستطيع أن يصلي قبل الاصفرار لكن فيه مشقة فإذا أخر وصلى قبيل الغروب

فقد صلى في الوقت ولا يأثم لأن هذا وقت ضرورة فإذا اضطر الإنسان فلا حرج ومن أمثلة الضرورة أيضاً كحائض تطهر أو كافر يسلم أو صبي يبلغ أو مجنون يفيق أو نائم يستيقظ أو مريض يبرأ

ويسن تعجيلها أي العصر في أول الوقت وذلك لما يلي

أولاً: لعموم الأدلة: فاستبقوا الخيرات

ثانيا: ما ثبت أن الصلاة في أول وقتها أفضل

ثالثا: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي برزة الأسلمي أنه كان صلى الله عليه وسلم يصلي العصر والشمس مرتفعة حتى إنهم يذهبون إلى رحالهم في أقصى المدينة والشمس حية. أخرجه البخاري

والصلاة الوسطى هي صلاة العصر

ويليه وقت المغرب من مغيب الشمس إلى مغيب الحمرة أي الحمرة في السماء

فإذا غابت الحمرة لا البياض فإنه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العشاء

والوقت ما بين المغرب والعشاء ساعة ونصف تقريباً

ويسن تعجيل صلاة المغرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها إذا وجبت . أخرجه البخاري، أي إذا وجبت الشمس وغربت لكن المبادرة ليس معناها أنه حين ما يؤذن يقيم لأنه صلى الله عليه وسلم قال "صلوا قبل الغروب قالها ثلاثاً ثم قال في الثالثة لمن شاء" وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا أذن المغرب يقومون فيصلون وكان النبي صلى الله عليه وسلم يراهم ولا ينهاهم وهذا يدل على أن معنى التعجيل أن يبادر الإنسان من حين الأذان ولكن يتأخر بمقدار الوضوء والراتبة وما أشبه ذلك إلا ليلة مزدلفة للحاج

ويلي وقت المغرب وقت العشاء

ووقت العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل نص عليه أحمد

والمعروف عند أهل العلم أن ما بين نصف الليل إلى الفجر وقت ضرورة وليس وقت جواز

والليل الذي ينصف من أجل معرفة صلاة العشاء من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر فنصف ما بينهما هو آخر الوقت

وقال ابن قدامة في كتاب المغني وما بعد النصف وقت ضرورة

الحكم فيه حكم وقت الضرورة والمعروف عند أهل العلم أن بين نصف الليل إلى الفجر وقت ضرورة نص على ذلك ابن باز رحمه الله

وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل إن سهل فإن شق تعجل في أول الوقت

دليل ذلك حديث أبي برزة رضي الله عنه قال كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر من العشاء. أخرجه البخاري وفي حديث جابر رضي الله عنه إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطئوا آخر . أخرجه البخاري

وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه تأخر ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل فقام إليه عمر فقال يا رسول الله رقد النساء والصبيان فخرج ورأسه يقطر وقال إنه لوقتها لو لا أن أشق على أمتي " أخرجه مسلم

فهذه أدلة واضحة على أن تأخيرها إلى ثلث الليل أفضل ولكن إن سهل وإن صلى بالناس نقول الأفضل مراعاة الناس إذا اجتمعوا صلى وإن تأخروا أخر

وإن كانوا جماعة محصورين لا يهمهم أن يعجل أو يؤخر فالأفضل التأخير

والنساء في بيوتهن الأفضل لهن التأخير

أما وقت الفجر فهو من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس ومقداره بالساعة يختلف قد يكون ساعة ونصف وقد يكون ساعة وربع يقول شيخ الإٍسلام من ظن أن حصة الفجر كحصة المغرب فقد أخطأ وغلط وتعجيلها أفضل

الشرط الخامس: الطهارة من الحدث

ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى"يا أيها الذين ءامنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم" إلى قوله تعالى "ولكن يريد ليطهركم وليتم نعمته عليكم لعلكم تشكرون" سورة المائدة

ووجه الدلالة: أن الله تعالى أمر بالوضوء من الحدث الأصغر والغسل من الجنابة والتيمم عند العدم

وبين أن الحكمة في ذلك التطهير إذاً الإنسان قبل ذلك غير طاهر ومن كان غير طاهر فإنه غير لائق أن يكون قائماً بين يدي الله

وأما الدليل من السنة: فمنه قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ" وهذا نص صريح

الشرط السادس: الطهارة من النجس

والطهارة من النجس في الثوب والبقعة والبدن فهي ثلاثة أشياء

الدليل على اشتراط الطهارة من النجاسة في الثوب

أولاً: ما جاء في أحاديث الحيض أن الرسول صلى الله عليه وسلم سئل عن دم الحيض يصيب الثوب فأمر أن تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلي فيه " وهذا دليل على أنه لا بد من إزالة النجاسة

ثانياً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم أتي بصبي لم يأكل الطعام فبال في حجره فدعا بماء فاتبعه إياه

ثالثاً: أن الرسول صلى الله عليه وسلم صلى ذات يوم بنعليه ثم خلع نعليه فخلع الصحابة نعالهم فسألهم حين انصرف من الصلاة لماذا خلعوا نعالهم فقالوا رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيها أذى أو قذراً .أخرجه الإمام أحمد في المسند وقال محقق كتاب صحيح ابن خزيمه إسناده حسن ثم ساق له طريقاً آخر وقال فالحديث صحيح

وفي البدن

أولاً: كل أحاديث الاستنجاء والاستجمار تدل على وجوب الطهارة من النجاسة لأن الاستنجاء تطهير للمحل الذي أصابته النجاسة

ثانياً: إخباره عن الرجلين اللذين يعذبان في قبريهما لأن أحدهما كان لا يستنزه من البول

وفي المكان

أولاً: قال تعالى: وعهدنا إلى إبراهيم وإسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود

ثانياً: لما بال الأعرابي في المسجد أمر النبي صلى الله عليه وسلم بذنوب ماء فأهريق عليه

إذاً لا بد من اجتناب النجاسة في هذه المواطن الثلاثاء

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-8 -24

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر