الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد؛
الشرط في اللغة: العلامة ومنه قوله تعالى: "فَهَلْ يَنظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَن تَأْتِيَهُم بَغْتَةً ۖ فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا ۚ فَأَنَّىٰ لَهُمْ إِذَا جَاءَتْهُمْ ذِكْرَاهُمْ " (محمد 18) أي علاماتها.
والشرط عند الأصوليين: ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده الوجود مثل الوضوء للصلاة يلزم من عدمه عدم الصلاة؛ لأنه شرط لصحة الصلاة ولا يلزم من وجوده الصلاة فلو توضأ إنسان فلا يلزم أن يصلي لكن لو لم يتوضأ وصلى لم تصح الصلاة.
وأول شرط من شروط الصلاة الإسلام الثاني العقل الثالث التمييز وهذه الشروط الثلاثة معروفة فكل عبادة لا تصح إلا بإسلام وعقل وتمييز إلا الزكاة فإنها تلزم المجنون والصغير على القول الراجح وكذا الحج فإنه يصح من الصغير.
الشرط الرابع: دخول الوقت ولم نقل الوقت لأننا لو قلنا أن الشرط هو الوقت لزم ألا تصح بعده ومعلوم أنها تصح بعد الوقت لعذر لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "مَن نَسيَ صَلاةً أو نامَ عنها، فإنَّ كَفَّارتَها أنْ يُصَلِّيَها إذا ذكَرَها." [صحيح المسند لشعيب أرناؤوط]، وثبت عنه أنه صلى الفجر بعد طلوع الشمس.
والدليل على صحة الصلاة بعد الوقت لعذر من القرآن والسنة أن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر قوله " مَن نَسيَ صَلاةً أو نامَ عنها،..." تلا قوله تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} [طه 14]وتلاوته للآية استشهاد بها
والدليل على اشتراط الوقت قوله تعالى:{إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَّوْقُوتًا } (النساء 103) أي مؤقتاً بوقتها.
والأدلة من السنة كثيرة منها قول النبي صلى الله عليه وسلم " وقتُ صلاةِ الظهرِ إذا زالتِ الشَّمسُ عن بَطنِ السَّماءِ..." [رواه مسلم ].
والصلاة لا تصح قبل الوقت بإجماع المسلمين فإن صلى قبل الوقت فإن كان متعمداً فصلاته باطلة ولا يسلم من الإثم وإن كان غير متعمد لظنه أن الوقت قد دخل فليس بآثم وصلاته نفل ولكن عليه الإعادة لأن من شروط الصلاة الوقت
هل تصح الصلاة بعد خروج الوقت بدون عذر ؟
الجواب: جمهور أهل العلم أنها تصح بعده مع الإثم
بيان أوقات الصلاة تفصيلاً
فوقت الظهر من الزوال إلى مساواة الشيء فيئه بعد فيء الزوال
يقول بعض أهل اللغة الفيء هو الظل بعد الزوال وما قبله فيسمى ظلاً ولا يسمى فيئاً
أما علامة الزوال بالساعة فاقسم ما بين طلوع الشمس إلى غروبها نصفين وهذا هو الزوال
وتعجيل صلاة الظهر أفضل لما يلي
أولاً: لقوله تعالى:{فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ ۚ } [البقرة 148] أي سارعوا ولا شك أن الصلاة من الخيرات فالاستباق إليها معناه المبادرة إليها.
ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم حث على البداءة بالصلاة من حين الوقت فسأله ابن مسعود أي العمل أحب إلى الله قال النبي صلى الله عليه وسلم" الصلاة في وقتها " [أخرجه البخاري]
ثالثاً: أن هذا أسرع في إبراء الذمة لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له فقد يكون في أول الوقت نشيطا قادراً تسهل عليه العبادة ثم يمرض وتصعب عليه الصلاة وربما يموت فهذا أسرع في إبراء الذمة وما كان أسرع في إبراء الذمة فهو أولى فيكون تعجيلها أفضل.
ويستثنى من ذلك في شدة الحر، ففي شدة الحر الأفضلُ تأخيرها لثبوت ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ففي صحيح البخاري "كُنَّا مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ في سَفَرٍ، فأرادَ المُؤَذِّنُ أنْ يُؤَذِّنَ لِلظُّهْرِ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أبْرِدْ. ثُمَّ أرادَ أنْ يُؤَذِّنَ، فقالَ له: أبْرِدْ. حتَّى رَأَيْنا فَيْءَ التُّلُولِ، فقالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ شِدَّةَ الحَرِّ مِن فَيْحِ جَهَنَّمَ، فإذا اشْتَدَّ الحَرُّ فأبْرِدُوا بالصَّلاةِ. ".
فإذا قدرنا مثلاً أن الشمس في أيام الصيف تزول 12 وأن العصر 4 تقريباً فيكون الإبراد إلى 4 تقريباً.
ويلي وقت الظهر وقت العصر إذ لا فاصل بين الوقتين إذ لو كان هناك فاصل فلا موالاة وأنه لا اشتراك بين الوقتين إذ لو كان اشتراك لدخل وقت العصر قبل خروج وقت الظهر فإذا خرج وقت الظهر دخل وقت العصر ووقت العصر من فيء الزوال مثله أي إذا صار الظل طول الشاخص فهذا نهاية وقت الظهر ودخول وقت العصر إلى اصفرار الشمس لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال "ووقتُ صَلاةِ العصرِ، ما لم تَصفَرَّ الشَّمسُ " [رواه مسلم] أي ما لم تكن صفراء.
وقد نصَّ ابنُ باز رحمه الله على أن وقت العصر إلى المغرب للضرورة.
ويسنُّ تعجيلُها، أي العصر في أول الوقت، وذلك لما يلي:
أولاً: لعموم الأدلة: {فاستبقوا الخيرات} [البقرة 148]
ثانيا: ما ثبت أن الصلاة في أول وقتها أفضل
ثالثا: ما ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث أبي برزة الأسلمي "كانَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي العَصْرَ والشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ حَيَّةٌ، فَيَذْهَبُ الذّاهِبُ إلى العَوالِي، فَيَأْتِيهِمْ والشَّمْسُ مُرْتَفِعَةٌ. وبَعْضُ العَوالِي مِنَ المَدِينَةِ علَى أرْبَعَةِ أمْيالٍ أوْ نَحْوِهِ. ". [صحيح البخاري]
والصلاة الوسطى هي صلاة العصر
ويليه وقت المغرب من مغيب الشمس إلى مغيب الحمرة أي الحمرة في السماء
فإذا غابت الحمرة لا البياض فإنه يخرج وقت المغرب ويدخل وقت العشاء
والوقت ما بين المغرب والعشاء ساعة ونصف تقريباً
ويسن تعجيل صلاة المغرب لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصليها إذا وجبت . أخرجه البخاري، أي إذا وجبت الشمس وغربت لكن المبادرة ليس معناها أنه حين ما يؤذن يقيم لأنه صلى الله عليه وسلم قال "صَلُّوا قَبْلَ صَلَاةِ المَغْرِبِ، قالَ في الثَّالِثةِ: لِمَن شاءَ؛ . " [صحيح البخاري] وكان الصحابة رضي الله عنهم إذا أذن المغرب يقومون فيصلون وكان النبي صلى الله عليه وسلم يراهم ولا ينهاهم وهذا يدل على أن معنى التعجيل أن يبادر الإنسان من حين الأذان ولكن يتأخر بمقدار الوضوء والراتبة وما أشبه ذلك إلا ليلة مزدلفة للحاج
ويلي وقت المغرب وقت العشاء
ووقت العشاء من مغيب الشفق الأحمر إلى نصف الليل نص عليه أحمد
والمعروف عند أهل العلم أن ما بين نصف الليل إلى الفجر وقت ضرورة وليس وقت جواز
والليل الذي ينصف من أجل معرفة صلاة العشاء من مغيب الشمس إلى طلوع الفجر فنصف ما بينهما هو آخر الوقت
وقال ابن قدامة في كتاب المغني وما بعد النصف وقت ضرورة
الحكم فيه حكم وقت الضرورة والمعروف عند أهل العلم أن بين نصف الليل إلى الفجر وقت ضرورة نص على ذلك ابن باز رحمه الله
وتأخيرها إلى ثلث الليل أفضل إن سهل فإن شق تعجل في أول الوقت
دليل ذلك حديث أبي برزة رضي الله عنه قال:" كان النبي صلى الله عليه وسلم يستحب أن يؤخر من العشاء." أخرجه البخاري وفي حديث جابر رضي الله عنه إذا رآهم اجتمعوا عجل وإذا رآهم أبطئوا آخر . أخرجه البخاري
وثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه تأخر ذات ليلة حتى ذهب عامة الليل فقام إليه عمر فقال:" يا رسول الله رقد النساء والصبيان فخرج ورأسه يقطر وقال إنه لوقتها لو لا أن أشق على أمتي " أخرجه مسلم
فهذه أدلة واضحة على أن تأخيرها إلى ثلث الليل أفضل ولكن إن سهل وإن صلى بالناس نقول الأفضل مراعاة الناس إذا اجتمعوا صلى وإن تأخروا أخر
وإن كانوا جماعة محصورين لا يهمهم أن يعجل أو يؤخر فالأفضل التأخير
والنساء في بيوتهن الأفضل لهن التأخير
أما وقت الفجر فهو من طلوع الفجر الثاني إلى طلوع الشمس ومقداره بالساعة يختلف قد يكون ساعة ونصف وقد يكون ساعة وربع يقول شيخ الإٍسلام من ظن أن حصة الفجر كحصة المغرب فقد أخطأ وغلط وتعجيلها أفضل
الشرط الخامس: الطهارة من الحدث
ودليل ذلك من القرآن قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ } إلى قوله تعالى {وَلَٰكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ }[المائدة 6]
والدليل من السنة: قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يقبلُ اللَّهُ صلاةَ أحدِكُم إذا أحدَثَ حتَّى يتَوضَّأ " [صحيح أبي داود للألباني].
الشرط السادس: الطهارة من النجس
والطهارة من النجس في الثوب والبقعة والبدن فهي ثلاثة أشياء
الدليل على اشتراط الطهارة من النجاسة في الثوب ما جاء في حديث الحيض عن أم قيس بنت محصن قالت: "سألتُ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ عن دمِ الحيضِ يَكونُ في الثَّوبِ قالَ: حُكِّيهِ بضِلَعٍ ، واغسليهِ بماءٍ وسِدرٍ " [صحيح أبي داود للألباني ]
وفي البدن كل أحاديث الاستنجاء والاستجمار تدل على وجوب الطهارة من النجاسة لأن الاستنجاء تطهير للمحل الذي أصابته النجاسة.
وفي المكان
أولاً: قال تعالى:{وَعَهِدْنَا إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ أَن طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعَاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ} [البقرة 125]
ثانياً: لما بال الأعرابي في المسجد، ففي الحديث: "قام أعرابيٌّ فبالَ في المسجِدِ فتَنَاوَلَهُ الناسُ فقال َلهم رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم دعُوهُ فأهْريقُوا على بَوْلِهِ سَجْلَ ماءٍ أو ذَنُوبًا من ماءٍ فإنَّمَا بُعِثْتُم مُيَسِّرينَ ولَم تُبعَثُوا مُعَسِّرِينَ " [تخريج المسند لشعيب أرناؤوط].
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
1434/8/24 هـ