الدرس التاسع والثمانون: أنواع النسك

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 3 جمادى الآخرة 1434هـ | عدد الزيارات: 1652 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

إذا أحرم الإنسان بالحج ووصل إلى مكة فإنه يسن له أن يجعل الحج عمرة ليصير متمتعاً فلو جعل الحج عمرة ليتخلص بالعمرة منه فإن ذلك لا يصح إذ أن ذلك احتيال على إسقاط وجوب الحج عليه

فإن قال قائل ما الفرق بين فسخ الحج ليصير متمتعاً ومن فسخ الحج بالعمرة ليتخلص منه ؟

الجواب : الفرق ظاهر من فسخ الحج إلى العمرة ليتخلص بها منه فهو متحيل على سقوط وجوب المضي في الحج ومن فسخ الحج إلى عمرة ليصير متمتعاً فإنه منتقل من الأدنى إلى الأعلى لأن المتمتع أفضل من القارن والمفرد وهذا هو الذي أمر به النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن يفسخوا الحج ويجعلوه عمرة ليصيروا متمتعين لا ليتحللوا بالعمرة من الحج

مثال: رجل سافر إلى مكة في أشهر الحج وأحرم به وكأنه تطاول المدة الباقية على الحج ففسخ الحج إلى عمرة من أجل أن يطوف ويسعى ويقصر ويرجع إلى بلده فهذا لا يجوز لأنه لما شرع في الحج وجب عليه إتمامه فإذا حوله إلى عمرة ليتخلص منه صار متحيلاً على إسقاط واجب عليه وهذا لا يجوز

مثال آخر : رجل ذهب ليحج وأحرم بالحج في أشهره ثم قيل له إن التمتع أفضل فحول الحج ليصير متمتعاً فهذا جائز بل سنة لأنه انتقل من مفضول إلى أفضل ولم يتحيل على إسقاط واجب ونظير هذا أن رجلاً جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس قال صل ها هنا يعني في مكة لأن مكة أفضل من بيت المقدس ، فأعاد عليه قال ها هنا فأعاد عليه قال فشأنك إذاً . صححه الألباني في الإرواء فيما أخرجه أحمد ونظير هذا رجل شرع في صلاة الظهر منفرداً فحضرت جماعة فحلها إلى نفل ليدخل مع الجماعة فهذا جائز

مثال آخر : رجل دخل في صلاة الظهر ولما وصل إلى الركعة الثانية تذكر شيئاً لا يفوت فقال أقلبها إلى نفل من أجل أن أتخلص به منها فهذا لا يجوز لأن هذا تحيل على إسقاط واجب ولأنه إذا شرع في الفرض وجب عليه إتمامه فالذي ينتقل من شيء إلى آخر تخلصاً من الأول لوجوبه عليه فهذا لا يصح لأن الواجبات لا تسقط بالتحيل عليها كما أن المحرمات لا تحل بالتحيل عليها

وأما من انتقل من واجب لتكميل هذا الواجب فإن ذلك جائز ولا بأس به لأنه تحول إلى أفضل

مسألة : امرأة أحرمت بعمرة لتحل منها ثم تحج من عامها وقد وصلت إلى مكة في اليوم الخامس من ذي الحجة فحاضت وعادتها ستة أيام فتطهر في اليوم الحادي عشر أي بعد فوات الوقوف إذاً لا يمكنها أن تطوف وتسعى وتنهي عمرتها لأنها متمتعة فنقول لهذه المرأة يجب أن تحرم بالحج لتكون قارنة لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بذلك عائشة حين حاضت بسرف قبل أن تدخل مكة . أخرجه البخاري

والأصل في الأمر للوجوب ولأن الحج يجب على الفور فلو لم تحرم به لفاتها هذا العام إذا حولت التمتع إلى قران ومعلوم أن القارن طواف القدوم في حقه سنة والسعي لا يجب عليه وإذا سعى كفاه عن سعي الحج فكونها متمتعة فحولته إلى قران ففي هذه الحال تتوجه إلى عرفة مباشرة فهنا تحرم بالحج

ومثل ذلك من حصل له عارض كأن تعطلت السيارة بعد أن أحرم بالعمرة فلا يمكنه معه أن يصل إلى مكة إلا بعد فوات الوقوف فنقول لهذا أحرم بالحج

صورة المسألة

سافر من المدينة إلى مكة وأحرم بالعمرة متمتعاً بالعمرة إلى الحج وفي أثناء الطريق تعطلت السيارة وعرف أنها لا يمكن أن تصلح إلا في زمن لا يمكن به إدراك العمرة إلا بعد فوات الوقوف فنقول له أحرم بالحج لتكون قارناً لأنه لو بقي على إحرام العمرة ولم يصل إلا في اليوم التاسع فعليه خطر بفوات الحج

ومعنى قولنا أحرم بالحج أي يدخل الحج على العمرة وليس فسخاً للعمرة لأنه لو كان فسخاً للعمرة لكان الحج إفراد وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة " طوافك بالبيت وبالصفاء والمروة يسعك لحجك وعمرتك . وهو في مسلم

مثال آخر : امرأة أحرمت بالعمرة متمتعة إلى الحج ثم طافت وبعد الطواف حاضت فهذه لا يمكن أن تحرم بالحج الآن لأنها شرعت في طواف العمرة لكن تسعى وهي حائض لأن السعي لا يشترط له الطهارة فيجوز سعي الجنب وسعي المحدث حدثاً أصغر لكن على طهارة أفضل

وأداء كل العبادات على طهارة أفضل وإذا جاء وقت الحج وهي حائض تحرم والدليل أن أسماء بنت عميس رضي الله عنها نفست فأرسلت إلى النبي صلى الله عليه وسلم كيف أصنع ؟

قال : اغتسلي واستشفري بثوب وأحرمي . أخرجه مسلم

وإذا استوى على راحلته أي علا واستقر أي ركب ركوباً تاماً قال لبيك اللهم لبيك والدليل على هذا أن ابن عمر رضي الله عنهما ذكر أن النبي صلى الله عليه وسلم حين استوى على راحلته قال " لبيك " أخرجه البخاري

هذه التلبية عظيمة جداً أطلق عليها جابر بن عبد الله رضي الله عنه التوحيد قال " حتى إذا استوت به ناقته على البيداء أهل بالتوحيد . أخرجه مسلم

والتوحيد هو الذي دعت إليه جميع الرسل قال تعالى " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " سورة الأنبياء آية 25

لبيك كلمة إجابة والدليل على هذا ما ورد في الصحيح أنه تعالى يقول يوم القيامة يا آدم فيقو لبيك . أخرجه البخاري وتحمل معنى الإقامة من قولهم ألب بالمكان أي أقام به فهي متضمنة للإجابة والإقامة : الإجابة لله والإقامة على طاعته ولهذا فسرها بعضهم كقوله : لبيك أنا مجيب لك مقيم على طاعتك وهذا تفسير بالمعنى وهذا هو معناها

فإذا قال قائل أين النداء من الله حتى يلبيه المحرم ؟

قلنا هو قوله تعالى :" وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالاً " سورة الحج

قال في شرح العمدة 1/578 : وسبب التلبية ومعناها على ما روى سعيد بن جبير عن ابن عباس في قوله عز وجل " وأذن في الناس بالحج " قال لما أمر إبراهيم عليه السلام أن يؤذن في الناس إن ربكم اتخذ بيتاً وأمركم أن تحجوه فاستجاب له من سمعه من حجر أو شجر أو أكمة أو تراب أو شيء فقالوا " لبيك اللهم لبيك " وعن مجاهد وذكر نحوه ثم قال رواهما أبو يعلى الموصلي بإسناد صحيح

وقال ابن حجر في الفتح 3/409 : قال ابن عبد البر قال أذن في الناس بالحج . أخرجه عبد حميد وابن جرير وابن أبي حاتم بأسانيدهم في تفاسيرهم عن ابن عباس ومجاهد وعطاء وعكرمة وقتادة وغير واحد والأسانيد إليهم قوية

أذن : أعلم

يأتوك رجالاً: أي على أرجلهم

لبيك اللهم لبيك

اللهم : معناها يا الله لكن حذفت ياء النداء وعوض عنها الميم وجعلت الميم أخيراً ولم تكن في مكان الياء وعوض عنها الميم لأن الميم أدل على الجمع ولهذا كانت من علامات الجمع فكأن الداعي جمع قلبه على ربه عز وجل لأنه يقول يالله وجعلت في الأخير تيمناً بالبداءة بذكر الله عز وجل لبيك اللهم لبيك

قوله لبيك الثانية من باب التوكيد اللفظي ولم يتغير عن لفظ الأول لكن له معنى جديد فيكرر ويؤكد أنه مجيب لربه مقيم على طاعته

لبيك اللهم لبيك لبيك لا شريك لك لبيك لأنك تجيب الله عز وجل وكلما أجبته ازددت إيماناً به وشوقاً إليه فكأن التكرير في مقتضى الحكمة ولهذا ينبغي لك أن تشعر وأنت تقول لبيك نداء الله لك وإجابتك إياه لا مجرد كلمات تقال

قوله لا شريك لك أي لا شريك لك في كل شيء وليس في التلبية فقط لأنه أعم أي لا شريك لك في ملكك ولا شريك لك في ألوهيتك ولا شريك لك في أسمائك وصفاتك ولا شريك لك في كل ما يختص لك ومنها إجابتي هذه الإجابة فأنا مخلص لك فيها ما حججت رياء ولا سمعة ولا للمال ولا لغير ذلك إنما حججت لك ولبيت لك

إن الحمد والنعمة لك

الحمد مبني على المحبة والتعظيم وهو وصف المحمود بالكمال محبة وتعظيماً ولا يمكن لأحد أن يستحق هذا الحمد على وجه الكمال إلا الله عز وجل

إن الحمد والنعمة لك

النعمة أي الإنعام فالنعمة لله لك يعني التفضيل لك فأنت صاحب الفضل وأنت المستحق للفضل

قوله : والملك لا شريك لك تأكيد بأن الحمد والنعمة لله لا شريك له

ولنا أن نزيد عليها لما روى الإمام أحمد في المسند أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول : لبيك إله الحق . وكان ابن عمر يزيد : لبيك وسعديك والخير في يديك والرغباء إليك والعمل . أخرجه مسلم

يجهر بالتلبية الرجل وتسر بالتلبية المرأة

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-6-3

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر