الدرس الثامن والثمانون : باب الإحرام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 3 جمادى الآخرة 1434هـ | عدد الزيارات: 1737 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

نية الدخول في النسك شرط فلا بد من أن ينوي الدخول في النسك فلو لبى بدون نية الدخول فإنه لا يحرم بمجرد التلبية ولو لبس ثياب الإحرام بدون نية الدخول فإنه لا يكون محرماً بلبس ثياب الإحرام ولا بمجرد التلبية فإن التلبية تكون للحاج وغيره

ودليل هذا قول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى " والتلبية قد تكون في غير الحج فإن الرسول صلى الله عليه وسلم كان إذا رأى ما يعجبه من الدنيا قال " لبيك إن العيش عيش الآخرة " فإذا رأيتم ما يعجبكم من الدنيا من قصور أو سيارات أو بنين أو زوجات أو غيرها فقولوا " لبيك إن العيش عيش الآخرة " أنظر كيف صد الإنسان نفسه بقوله "لبيك " إجابة لله عز وجل حتى لا تذهب نفسه مع الدنيا ثم قال " إن العيش عيش الآخرة " وأن هذا العيش الذي أمامي ليس بشيء

والسنة لمن كان يخاف المانع من إتمام النسك أن يقول وإن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم حين استفتته ضباعة بنت الزبير أنها تريد الحج وهي شاكية قال حجي واشترطي وقولي " اللهم محلي حيث حبستني " أما من لا يخاف المانع فلا يقولها فالرسول صلى الله عليه وسلم أحرم بعمره كلها حتى في الحديبية أحرم ولم يقل إن حبسني حابس وحبس وكذلك في عمرة القضاء وعمرة الجعرانة وحجة الوداع ولم ينقل عنه أنه قال وإن حبسني حابس ولا أمر به أصحابه أمراً مطلقاً بل أمر به من جاءت تستفتى لأنها جاءت تخشى أن يشتد بها المرض فلا تكمل النسك فمن خاف من مانع يمنعه من إتمام النسك قلنا له اشترط استرشاداً بأمر الرسول صلى الله عليه وسلم ومن لم يخف قلنا له السنة ألا تشترط وهذا القول اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

فإن قال قائل الحوادث الآن كثيرة فكثيراً ما يحدث اصطدام وكثيراً ما يحصل زحام يموت به الإنسان أفلا يكون هذا مما يوجب مشروعية هذا الشرط قلنا لا لأنك لو أحصيت الحجيج وأحصيت الحوادث التي تحدث لوجدت النسبة قليلة جداً وليست بشيء لكثرة السيارات والناس وفي عهد الرسول صلى الله عليه وسلم حصلت حوادث ففي عرفة وقصت ناقة صاحبها فسقط منها ميتاً . رواه البخاري

وهذا حادث ناقة ولكنه يشبه حادث سيارة فالحوادث موجودة في عهد الرسول صلى الله عليه وسلم ومع هذا لم يأمر أصحابه أن يشترط أمراً عاماً

وفائدة الاشتراط أنه إذا وجد المانع حل من إحرامه بلا هدي لأن من أحصر عن إتمام النسك فإنه يلزمه هدي لقوله تعالى " وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي" سورة البقرة آية 196

فإذا كان قد اشترط ووجد ما يمنعه من إتمام النسك قلنا له حل بلا هدي

ولو لم يشترط لم يحل إلا إذا أحصر بعدو وعلى رأي كثير من العلماء فإن أحصر بمرض أو حادث أو ذهاب نفقة أو ما أشبه ذلك فإنه يبقى محرماً ولا يحل لكن إن فاته الوقوف فله أن يتحلل بعمرة ثم يحج من العام القادم

وهنا عبارتان العبارة الأولى أن يقول إن حبسني حابس فمحلي حيث حبستني "محلي" أي محل إحلالي من النسك أو وقت إحلالي منه

العبارة الثانية أن يقول إن حبسني حابس فلي أن أحل

والفرق بينهما

إذا قال فمحلي حيث حبستني حل بمجرد وجود المانع لأنه علق الحل على شرط فوجد الشرط

فإذا وجد الشرط وجد المشروط وأما إذا قال إن حبسني حابس فلي أن أحل فإنه إذا وجد المانع فإنه بالخيار إن شاء حل وإن شاء استمر فإن قيل وهل من الخوف أن تخاف الحامل من النفاس أو الطاهر من الحيض

الجواب : نعم لأن المرأة إذا نفست لا تستطيع أن تؤدي النسك ثم إن مدة النفاس تطول غالباً والحائض كذلك إذا كان أهلها أو رفقتها لا يبقون معها حتى تطهر فإنها إذا كانت تتوقع حصول الحيض تشترط

ولو أن رجلاً دخل في الإحرام وقال لبيك اللهم عمرة ولي أن أحل متى شئت فلا يصح لأنه ينافي مقتضى الإحرام ومقتضى الإحرام وجوب المضي وأنك غير مخير فلست أنت الذي ترتب أحكام الشرع المرتب لأحكام الشرع هو الله عز وجل ورسوله

والأنساك متعددة لأن الإنسان جمع وأقل الجمع ثلاثة فهناك أنساك ثلاثة التمتع والإفراد والقران وذلك أن الإنسان إما أن يحرم بالعمرة وحدها أو بالحج وحده أو بهما لا رابع لها وهذا وجه انحصار الأنساك الثلاثة فإن أحرم بالعمرة وحدها فمتمتع ولكن بالشروط التي ستذكر وبالحج وحده فهو مفرد وبهما جميعاً فهو قارن ويدل على تنوع الأنساك إلى هذه الأنواع حديث عائشة قالت حججنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنا من أهل بحج ومنا من أهل بعمرة ومنا من أهل بحجة وعمرة وأهل رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحج . أخرجه البخاري ثم فصلت وقولها بالحج يحمل على أنه بالحج من حيث الأفعال لا من حيث الأحكام لأنه كان قارناً وقيل أحرم بالحج أولاً ثم أردفه بالعمرة وسنذكره إن شاء الله تعالى في صفة القرآن وهل يصح إدخال العمرة على الحج وهذا ما سنوضحه في حينه

وأفضل الأنساك التمتع الدليل على هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه حين فرغوا من الطواف والسعي أن يحلوا ويجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي كما في حديث جابر وقد أخرجه مسلم وكان من ساق الهدي في تلك الحجة قلة وقد حتم الرسول صلى الله عليه وسلم على أصحابه حيث قال " من لم يسق الهدي فليجعلها عمرة " أخرجه مسلم

وقال لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي ولا أحللت معكم . أخرجه مسلم

وراجعه الصحابة في ذلك وقالوا يا رسول الله كيف نجعلها عمرة وقد سمينا بالحج أي لبينا بالحج قال افعلوا ما آمركم به . أخرجه مسلم ، حتى أوردوا عليه مسألة يستحيا منها ولكن حملهم ما في نفوسهم على إيرادها قالوا يا رسول الله نخرج من منى وذكر أحدنا يقطر منيا . أخرجه البخاري

أي من جماع أهله لأنهم سيحلون الحل كله ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم أبى إلا أن يحتم عليهم أن يجعلوها عمرة فجعلوها عمرة إلا من ساق الهدي فإنه لا يمكن أن يتمتع لأن من ساق الهدي لا يحل إلا يوم العيد وحينئذ يتعذر التمتع

ولأنه أكثر عملاً ولأنه أسهل على المكلف فأفضل الأنساك التمتع وهذا رأي جمهور أهل العلم

ومن أتى بالعمرة قبل أشهر الحج وبقي في مكة حتى حج فهذا لا شك أن إفراده أفضل له لأنه لا يمكن له التمتع لأن التمتع لابد أن يأتي بالعمرة من الميقات وهو في مكة ليس له عمرة من المقيات هذا رأي شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله

وصفة التمتع أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج ويفرغ منها ثم يحرم بالحج في عامه فلا يكون الحج تمتعاً إلا إذا جمع هذه الأوصاف

الوصف الأول : أن يحرم بالعمرة في أشهر الحج وأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة فمن أحرم بالعمرة في رمضان وأتمها في شوال لم يكن متمتعاً لأنه لم يحرم بها في أشهر الحج ومن أحرم بها في شوال كان متمتعاً لأنه أحرم بها في أشهر الحج ومن أحرم بها في رمضان وأتمها في رمضان وبقي إلى الحج فليس بمتمتع

الوصف الثاني : أن يفرغ من العمرة في الطواف والسعي والتقصير وهنا التقصير أفضل من الحلق لسببين

السبب الأول: أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر به في قوله: من لم يسق الهدي فليقصر

السبب الثاني : من أجل أن يبقى للحج ما يحلق أو يقصر ولو أنه حلق والمدة قصيرة لم يتوفر الشعر للحج

وصفة القران : أن يحرم بالحج والعمرة معاً فيقول لبيك عمرة وحجاً أو لبيك حجاً وعمرة وقالوا الأفضل أن يقدم العمرة في التلبية فيقول لبيك عمرة وحجاً لأنها سابقة على الحج ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم جاءه جبريل عليه السلام وقال صل في هذا الوادي المبارك وقل عمرة في حجة أو قال عمرة وحجه . أخرجه البخاري

والقران أفضل من الإفراد

والعمرة بعد الحج غير مشروعة قال شيخ الإٍسلام ابن تيمية في منسكه ص 15 ولم يكن على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين أحد يخرج من مكة ليعتمر إلا لعذر لا في رمضان ولا في غير رمضان والذين حجوا مع النبي صلى الله عليه وسلم ليس فيهم من اعتمر بعد الحج إلا عائشة رضي الله عنها كما ذكر ولا كان هذا من فعل الخلفاء الراشدين والذين استحبوا الإفراد من الصحابة إنما أن يحج في سفره ويعتمر في سفرة أخرى ولم يستحبوا أن يحج ويعتمر عقب ذلك عمرة مكية بل هذا لم يكونوا يفعلونه قط

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-6 -3

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر