الدرس السابع والثمانون : باب المواقيت

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 3 جمادى الآخرة 1434هـ | عدد الزيارات: 1555 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

المواقيت جمع ميقات وهو مأخوذ من الوقت وهو زماني ومكاني أي قد يراد بالميقات الوقت الزمني وقد يراد به المكاني وهو هنا يراد به الزمان والمكان في شرح العمدة 1/302 ما حدد ووقت للعبادة من زمان ومكان

وميقات أهل المدينة ذو الحليفة تصغير الحلفاء وهو شجر بري معروف وسمي هذا المكان بهذا الاسم لكثرته فيه تبعد عن المدينة خمسة أميال وثلث ميل ينقص مائة ذراع . انظر كتاب وفاء الوفاء 4/194 عن ابن حزم ، وفي قاموس الحج والعمرة ص 118 بينهما حوالي 11 كيلو وتبعد عن مكة عشرة أيام وعلى هذا فهي أبعد المواقيت عن مكة وأهل الشام ومصر والمغرب الجحفة والذي جاء بأهل مصر والمغرب إلى الجحفة لأنه لم تكن هناك قناة السويس فكانت القارة الأفريقية والآسيوية يمكن العبور من واحدة إلى الأخرى عن طريق البر فيأتي أهل الشام من طريق البر وكذلك أهل المغرب من طريق البر ويمرون بالجحفة والجحفة قرية قديمة اجتحفها السيل وجرفها وزالت وكذلك أيضاَ حل بها الوباء الذي دعا الني صلى الله عليه وسلم أن ينقله من المدينة إلى الجحفة فقال اللهم انقل حماها أي حمى المدينة إلى الجحفة . أخرجه البخاري لأن تلك البلاد كانت بلاد كفار

ولما خربت الجحفة وصارت مكاناً غير مناسب للحجاج جعل الناس بدلها رابغاً ولا يزال الآن موجوداً وهو أبعد منها قليلاً عن مكة وعلى هذا فمن أحرم من رابغ فقد أحرم من الجحفة وزيادة وبينها وبين مكة نحو ثلاثة أيام وبينها وبين المدينة سبعة أيام. في قاموس الحج والعمرة ص 118 تبعد عن مكة حوالي 200 كيلو

وأهل اليمن يلملم ويلملم قيل إنه مكان يسمى يلملم وقيل إنه جبل يلملم والميقات عند هذا الجبل وأياً كان فهو معروف وهو في طريق الساحل ويسمى اليوم بالسعدية جنوب مكة

ولأهل نجد قرن المنازل ويسمى الآن بالسيل الكبير وعلى موازنته من طريق كراء وادي محرم ويبعد عن مكة حوالي 94 كيلو

ولأهل المشرق ذات عرق وسمي هذا المكان بذات عرق لأن فيه عرقاً وهو الجبل الصغير

هذه الثلاث يلملم وقرن المنازل وذات عرق متقاربة وهي عن مكة نحو ليلتين وذات عرق أبعد من قرن المنازل وهذه الأسماء ليست باقية حتى الآن فذو الحليفة تسمى أبيار علي والجحفة صار بدلها رابغا ويلملم تسمى السعدية وقرن المنازل تسمى السيل وذات عرق تسمى الضريبة ولكن الأمكنة والحمد لله ما زالت معلمة مشهورة للمسلمين لم تتغير

والحكمة في التفريق بين المواقيت والله أعلم أنها أبعد المواقيت لأهل المدينة من أجل أن تقرب خصائص الحرمين فالمدينة حرم ومكة حرم لكن الإحرام بالنسك من خصائص حرم مكة فكان من الحكمة ألا يخرج من حدود حرم المدينة إلا قليلاً حتى يدخل ي خصائص حرم مكة أما البقية فلعلها والله أعلم أن الجحفة هي أعمر قرية كانت ذلك الوقت حول طريق أهل الشام الثلاثية الباقية متقاربه

وهذه المواقيت لأهل هذه الأماكن المذكورة المدينة والشام واليمن ونجد والمشرق ولمن مر عليها من غيرهم فإذا مر أحد من أهل نجد بميقات أهل المدينة فإنه يحرم منه ولا يكلف أن يذهب إلى ميقات أهل نجد لما في ذلك من المشقة فكان من تسهيل الله عز وجل أن من مر بهذه المواقيت فإنه يحرم من أول ميقات يمر به

وإذا كنت من أهل نجد وممرت بميقات أهل المدينة فبين يديك ميقات آخر وهو الجحفة لأن الجحفة بعد ذي الحليفة فلا بد من إحرامك من ذي الحليفة ولا تؤخر إحرامك إلى الجحفة والدليل على ذلك الحديث الذي أخرجه البخاري "ولمن مر عليها من غيرها" وكذلك إذا مر الشامي بميقات أهل المدينة فإنه يحرم ولا يؤخر الإحرام إلى الجحفة التي هي الأصل في ميقات أهل الشام وهذا هو الأحوط وهو رأي الجمهور

وهذه المواقيت الخمسة عينها الرسول صلى الله عليه وسلم لهذه البلاد قبل أن تفتح فالشام في عهده لم تفتح واليمن في عهده لم يفتح منه إلا جزء يسير والعراق لم يفتح قال العلماء وهذه آيات الرسول صلى الله عليه وسلم لأن توقيتها لأهل هذه البلاد إشارة إلى أن هذه البلاد سوف تفتح ويحج أهلها ويصيرون مسلمين بعد أن كانوا كفارا

ومن حج من أهل مكة فإنه يحرم من مكة لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين وقت المواقيت : من كان دون ذلك فمن حيث أنشأ حتى أهل مكة من مكة " رواه البخاري ، لأن الصحابة الذين حلوا من أحرامهم مع الرسول صلى الله عليه وسلم أحرموا من مكة من الأبطح . رواه البخاري

ونأخذ من هذا الحديث أن من كان دون هذه المواقيت فإنه يحرم من مكانه

فأهل جده لا حاجة أن يذهبوا إلى الجحفة ولا إلى ذو الحليفة وإنما يحرموا من مكانهم وكذلك أهل الشرائع في طريق نجد لا نقول ارجعوا إلى قرن المنازل فأحرموا منه وإنما نقول احرموا من مكانكم ، وانظر إلى هذا التعبير النبوي قال صلى الله عليه وسلم : من حيث أنشأ ولم يقل من بلده لأن بلده قد يكون دون المواقيت فيحرم من حيث أنشأ

فمن حج من مكة فمنها وعمرته من الحل أي عمرة من مكان من أهل مكة من الحل أي من أي موضع خارج الحرم والحرم له حدود معروفة والحمد لله إلى الآن وتختلف قرباً وبعداً من الكعبة وأقربها من الكعبة التنعيم وأبعدها من جهة جدة ومن جهة عرفة أيضاً وهذه الحدود توقيفية ليس للرأي فيها مجال قال في المنتهى مع حاشية عثمان 1/619 وحد حرم مكة من طريق المدينة ثلاثة أميال ومن اليمن سبعة ومن العراق كذلك ومن الطائف وبطن نمره كذلك ومن جدة عشرة ومن بطن عرنة أحدى عشر ومن الجعرانه تسعة وعمرته من الحل يشمل الحل القريب والبعيد فلو قال أنا لا أريد أن أحرم من التنعيم وأريد أن أحرم من طريق جدة وهو بعيد حوالي عشرة أميال لأنه إلى الحديبية فله أن يفعل والأفضل أن يختار الأسهل فإذا كنت في مزدلفة فأحرم من عرفة لأنها أقرب الحل إليك

فجمهور أهل العلم أن من كان في مكة وأراد العمرة فإنه يحرم من الحل ودليل ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما طلبت منه عائشة أن تعتمر أمر أخاها عبد الرحمن وقال أخرج بأختك من الحرم فلتهل بعمرة من الحل . أخرجه البخاري

فدل ذلك على أن الحرم ليس ميقاتاً للعمرة ولو كان ميقاتاً للعمرة لم يأمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الرحمن بن أبي بكر أن يخرج بأخته ويتجشم المصاعب في تلك الليلة لتحرم من الحل لأن من المعلوم أن الرسول صلى الله عليه وسلم يتبع ما هو أسهل ما لم يمنع منه الشرع فلو كان من الجائز أن يحرم بالعمرة من الحل لقال لها أحرمي من مكانك إذا ميقات أهل مكة للعمرة من الحل وهذا هو فتوى اللجنة الدائمة برئاسة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله والمراد بالحل خارج الحرم المكي كالتنعيم وإذا مر الإنسان بهذه المواقيت وهو يريد الحج أو العمرة فلا بد من أن يحرم من هذه المواقيت لأن لفظ الحديث : من يريد الحج أو العمرة . صحيح

وأشهر الحج ثلاثة شوال وذو القعدة وعشر ذو الحجة لذا لا يجوز أن يحرم قبل الميقات الزماني ولا المكاني وأنه لو أحرم بالحج قبل دخول شهر شوال صار الإحرام عمرة لاحجاً لأن الله قال الحج أشهر معلومات وهذا هو الرأي الراجح لظاهر القرآن الحج أشهر معلومات أما الميقات المكاني فيكره أو يحرم لكنه ينعقد لأنه وقع من الصحابة ولامهم الخلفاء لكن لا يفسد الإحرام

والإحرام مأخوذ من التحريم ومعنى أحرم أي دخل في الحرام كأنجد أي دخل في نجد ولهذا يقال للتكبيرة الأولى من الصلاة تكبيرة الإحرام لأنه بها يدخل في التحريم أي تحريم ما يحرم على المصلى أما المراد هنا فإنه نية النسك يعني نية الدخول فيه وسمي الدخول في النسك إحراماً لأنه إذا نوى الدخول في النسك حرم على نفسه ما كان مباحاً قبل الإحرام فيحرم عليه مثلاً الرفث والطيب وحلق الرأس والصيد وغير ذلك

وسن لمريد الإحرام غسل أو تيمم لعدم الماء والغسل كغسل الجنابة

والسنة في اللغة الطريقة وفي الشرع أقوال النبي صلى الله عليه وسلم وأفعاله وتقريراته وفي اصطلاح الأصوليين السنة هي ما أمر به لا على وجه الإلزام فالغسل لمريد الإحرام سنة والغسل كغسل الجنابة في الصفة فيسن للإحرام غسل كغسل الجنابة أما أخذ شعر العانة والإبط والشارب وكذلك الأظافر عند الإحرام فلم يرد في هذا سنة فإذا لم تكن طويلة في وقت الإحرام ولا يخش أن تطول في أثناء الإحرام فيحتاج إلى أخذها فإنه لا وجه لاستحباب ذلك لأن العلة خوف أن يحتاج إليها في حال الإحرام ولا يتمكن فإذا زالت هذه العلة زال المعلول وهو الحكم لأن الحكم يدور مع علته وجوداً وعدماً

ويسن أن يتطيب عند الإحرام ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب لإحرامه قبل أن يحرم ولحله قبل أن يطوف بالبيت . أخرجه البخاري

والطيب مستحب كل وقت فهو كالسواك إذا أمكن منه الإنسان والمراد بالتطيب للمحرم في ذلك لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يطيب في الإحرام رأٍسه ولحيته قالت عائشة رضي الله عنها : كأني انظر إلى وبيص المسك في مفارق رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو محرم . أخرجه البخاري

مفارقه يعني مفرق رأسه لأن الرسول صلى الله عليه وسلم يبقي الشعر ويفرقه فرقتين من الخلف ومن الأمام وكان في الأول يسدل شعره أول ما قدم المدينة ثم كره السدل لأنه فعل اليهود وهم أهل الكتاب وصار يفرق

الشاهد قولها : كنت أنظر إلى وبيص المسك" والوبيص هو اللمعان والوبيص كالبريق لفظاً ومعناً

أما ثوب الإحرام فلا يطيب وإذا طيبه فلا يجوز لبسه قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أما ملابس الإحرام فلا يطيبها وإذا طيبها لا يلبسها حتى يغسلها أو يغبرها . انظر مجموع فتاوى الشيخ عبد العزيز بن باز ج5 القسم الثاني ص 140، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لا تلبسوا ثوباً مسه الزعفران ولا الورس . أخرجه البخاري

إذا يطيب بدنه لا ملابس الإحرام ويتجرد من المخيط والتجرد من المخيط حال الإحرام واجب لأن لبس المخيط حرام على المحرم ويحرم في إزار ورداء أبيضين لقول النبي صلى الله عليه وسلم : ليحرم أحدكم في إزار ورداء ونعلين . أخرجه أحمد وصححه أحمد شاكر

واختير أن يكونا أبيضين لأنها خير الثياب ولا يشترط أن يكونا جديدين لكن كلما كانت أنظف فهو أحسن لأن الصحابة رضي الله عنهم لما سألوا الرسول صلى الله عليه وسلم عن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً فقال إن الله جميل يحب الجمال . أخرجه مسلم

قال شيخ الإسلام في منسكه ص 21 ويستحب أن يحرم في ثوبين نظيفين وإن كانا أبيضين فهما أفضل لكن نقول لا ينبغي للإنسان أن يغالي في ثيابه بل يكون من جنس الناس

وليس هناك صلاة مستحبة بعينها للإحرام فهذا لم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم وهذا رد عن من قال يحرم عقب ركعتين وذهب شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله إلى أن ركعتي الإحرام لا أصل لمشروعيتها وأنه ليس للإحرام صلاة تخصه لكن إن كان في الضحى فيمكن أن يصلي صلاة الضحى ويحرم بعدها وإن كان في وقت الظهر نقول الأفضل أن تمسك حتى تصلي الظهر ثم تحرم بعد الصلاة وكذلك صلاة العصر

مسألة : إذا توضأ ثم صلى ركعتين سنة الوضوء فهل سنة الوضوء مشروعة ؟

الجواب نعم مشروعة وعلى هذا فنقول أنت إذا اغتسلت وتوضأت فصلي ركعتي سنة الوضوء المهم ألا تصلي ركعتين وتقول هذه ركعتي الإحرام فهذا لم يرد عنه صلى الله عليه وسلم

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-6 -3

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر