الدرس السادس والثمانون: كتاب المناسك

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الجمعة 2 جمادى الآخرة 1434هـ | عدد الزيارات: 1623 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

المناسك جمع منسك والأصل أن المنسك مكان العبادة أو زمانها ويطلق على التعبد فهو على هذا يكون مصدراً ميمياً بمعنى التعبد قال تعالى :" ولكل أمة جعلنا منسكا" أي متعبداً يتعبدون فيه وأكثر إطلاق المنسك أو النسك على الذبيحة قال الله تعالى :" قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " والفقهاء رحمهم الله جعلوا المنسك ما يتعلق بالحج والعمرة لأن فيها الهدي والفدية وهما من النسك الذي بمعنى الذبح

والحج واجب وفرض بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ومنزلته من الدين أنه أحد أركان الإسلام

وهو في اللغة القصد وفي الشرع التعبد لله عز وجل بأداء المناسك على ما جاء في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم

والعمرة في اللغة الزيادة وفي الشرع : التعبد لله بالطواف بالبيت وبالصفا والمروة والحلق والتقصير

والعمرة واجبة ولكن ليس وجوب العمرة كوجوب الحج

والحج ركن من أركان الإسلام وفرض بإجماع المسلمين وأما العمرة فليست ركناً من أركان الإسلام ولا فرضاً بإجماع المسلمين

والذي يظهر أنها واجبة لأن أصح حديث يحكم في النزاع في هذه المسألة هو حديث عائشة رضي الله عنها حين قالت للنبي صلى الله عليه وسلم هل على النساء جهاد قال نعم عليهن جهاد لا قتال فيه الحج والعمرة . أخرجه أحمد وقال الألباني في الإرواء 4/151 صحيح على شرط الشيخين

فقوله عليهن: ظاهر في الوجوب لأن على من صيغ الوجوب كما ذكر ذلك أهل أصول الفقه وقد بسط الشنقيطي في أضواء البيان 5/652 خلاف العلماء في حكم العمرة وبين أدلة الفريقين

ورحج أدلة الوجوب

واستدل بعض العلماء على وجوب العمرة بقوله تعالى :" وأتموا الحج والعمرة لله " لكن لا يسلم لهم بهذا الاستدلال لأن هناك فرق بين الإتمام وبين الابتداء فالآية تدل على وجوب الإتمام لمن شرع فيهما . انظر الفتاوى 26/5 ولهذا نزلت في الحديبية قبل أن يفرض الحج والحج لم يفرض إلا في السنة التاسعة والحديبية في ذي القعدة من السنة السادسة ولهذا لو شرع الإنسان في الحج أو العمرة في كل سنة قلنا يجب عليك أن تتم أما ابتداءً فلا يلزم الحج إلا مرة واحدة

فالحج والعمرة واجبان على المسلم الحر وضده العبد الكامل الرق المكلف وهو البالغ العاقل فالصغير لا يلزمه الحج لكن لو حج فحجه صحيح لقول النبي صلى الله عليه وسلم حين رفعت إليه امرأة صبياً فقالت ألهذا حج قال نعم ولك أجر . أخرجه مسلم

والصغير من دون البلوغ والبلوغ يحصل بواحد من أمور ثلاثة للذكور وواحد من أمور أربعة للإناث أما المجنون فلا يلزمه الحج ولو كان له أكثر من عشرين سنة لأنه غير مكلف والحج عمل بدني بخلاف الزكاة فالزكاة تجب عليه لأنها تجب في المال القادر وهو القادر في ماله وبدنه هذا الذي يلزمه الحج أداء بنفسه

فإن كان عاجزاً بماله قادراً ببدنه لزمه الحج أداء لأنه قادر مثل أن يكون من أهل مكة لكنه يقدر أن يخرج مع الناس على قدميه ويحج وإن كان بعيداً عن مكة ويقول أستطيع أن أمشي وأخدم الناس وأكل معهم فيلزمه الحج وإن كان قادراً بماله عاجزاً ببدنه لزمه الحج بالإنابة إلا إذا كان العجز مما يرجى زواله فينتظر حتى يزول

مثل إنسان فقير وكبر وتقدمت به السن وأصبح لا يمكن أن يصل إلى مكة فأغناه الله في هذه الحال فنقول لا يلزمه الحج في هذه الحال ببدنه لأنه عاجز عجزاً لا يرجى زواله لكن يلزمه الحج بالإنابة أي يلزمه أن ينيب من يحج عنه

فالأقسام أربعة

أولاً: أن يكون غنياً قوياً في بدنه فهذا يلزمه الحج بنفسه

ثانياً: أن يكون قادراً ببدنه دون ماله فيلزمه الحج إن كان من أهل مكة وإن كان من مكة ويقول أستطيع أن أخدم الناس وآكل معهم فهو قادراً يلزمه

ثالثاً: أن يكون قادراً بماله عاجزاً ببدنه وجب عليه الحج بالإنابة

رابعاً: أن يكون عاجزاً بماله وبدنه سقط عنه الحج

فالحج والعمرة واجبان مرة في العمر لأن الله أطلق فقال تعالى : ولله على الناس حج البيت من أستطاع إليه سبيلا" ولقول النبي صلى الله عليه وسلم حين سئل عن الحج أفي كل عام قال الحج مرة فمن زاد فهو تطوع" أخرجه أحمد إلا لسبب كالنذر فمن نذر أن يحج وجب عليه أن يحج لقوله صلى الله عليه وسلم : من نذر أن يطيع الله فليطعه . رواه البخاري

ويجب على المسلم المبادرة بالحج لأن الإنسان لا يدري ما يعرض له فقد يكون الآن قادراً على أن يقوم بأمر الله عز وجل وفي المستقبل عاجزاً ولأن الله أمر بالاستباق إلى الخيرات فقال : فاستبقوا الخيرات. والتأخير خلاف ما أمر الله ويصح فعل العمرة والحج من الصبي ولكن يكون نفلاً لأن من شرط الإجزاء البلوغ فإذا حج وهو صغير فالحج في حقه نفل وليس بفرض والصبي إن كان مميز فإن وليه يأمره بنية الإحرام يا بني احرم لأنه يميز وإن كان غير مميز فإنه ينعقد إحرامه بأن ينوي عنه وليه وأما الطواف فإن كان مميزاً يأمره بنية الطواف وإن لم يكن مميزا فينوي عنه وليه ثم إن كان قادراً على المشي مشى وإن لم يكن قادراً على المشي حمله وليه أو غيره بإذن وليه ويقال في السعي كما قيل في الطواف وكذلك مثله الحلق أو التقصير وأمره ظاهر

مسألة: هل الأولى أن يحرم الصغار بالحج والعمرة أم الأولى عدم ذلك ؟

الجواب: في هذا تفصيل وهو إن كان في وقت لا يشق فإن الإحرام بهم خير لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال للمرأة التي رفعت له الصبي وسألته هل له حج قال نعم ولك أجر" وهو في مسلم أما إن كان في ذلك مشقة كأوقات الزحام في الحج أو العمرة في رمضان فالأولى عدم الإحرام لأنه ربما يشغله عن أداء نسكه الذي هو مطالب به على وجهه الأكمل وإذا أحرم الصبي فلا يلزمه الإتمام وهو مذهب أبي حنيفة رحمه الله تعالى لأنه غير مكلف ولا ملزم بالواجبات فله أن يتحلل ولا شيء عليه لأن هذا أرفق بالناس لأنه ربما يظن الولي أن الإحرام بالصبي سهل ثم يكون على خلاف ما يتوقع، ويفتي بذلك أيضاً ابن باز رحمه الله

مسألة: إذا حمل الصبي فهل يصح أن يطوف عن نفسه وعن الصبي بطواف واحد أم لا يصح ؟

الجواب : نص الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله على أن الأحوط لمن نوى له أن يجعل له طواف مستقل وإلا فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يطلب ذلك من المرأة التي رفعت إليه الصبي وسألته هل له حج، كما نص ابن باز على أنه يجرده من المخيط ويفعل ما يفعل لنفسه

ومن كان عنده مال إن قضى به الدين لم يتمكن من الحج فهذا ليس بقادر إلا بعد قضاء الديون ولو أذن له صاحب الدين أن يحج فلا يعتبر قادراً لأن المسألة ليست أذناً أو عدم أذن ، المسألة شغل الذمة أو عدم شغلها وإن أعجزه كبر أو مرض لا يرجى برؤه لزمه أن يقيم من يحج ويعتمر عنه ويشترط لهذا المقام الذي أقيم عن غيره ألا يكون عليه فرض الحج فإن كان عليه فرض الحج فإنه لا يجزئ أن يكون نائباً عن غيره والدليل على ذلك حديث ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم سمع رجلاً يلبي عن شبرمه فقال صلى الله عليه وسلم أحججت عن نفسك قال لا قال حج عن نفسك ثم حج عن شبرمه . أخرجه أبو داود

وهذا الحديث اختلف العلماء في رفعه إلى النبي صلى الله عليه وسم ووقفه على ابن عباس واختلفوا في تصحيحه وتضعيفه فالمذهب أنه لا يجزئ أن تنيب من لم يحج فرضه مستدلين بالحديث الآنف الذكر لكن نقول لا شك أن الأولى والأليق ألا يكون نائباً عن غيره فيما هو فرض عليه حتى يؤدي فرضه أولاً سواء صح هذا الحديث مرفوعاً أو لم يصح فإن النظر يقتضي أن يقدم الإنسان نفسه على غيره لعموم : ابدأ بنفسك . أخرجه مسلم ونفسك أحق من غيرك

فلا بد أن يوجد معها محرم موافق على السفر معها فإن ماتت وعندها مال كثير لكن لم تجد محرماً يسافر بها فلا يجب إخراج الحج من تركتها ولا إثم عليها

ويشترط لوجوبه على المرأة وجود محرمها وهو زوجها أو من تحرم عليه على التأييد بنسب أي بقرابة أو سبب مباح والسبب المباح ينحصر في شيئين

أولاً: الرضاع

ثانياًً: المصاهرة

أما النسب فالمحرم هو الأب والأبن والأخ والعم وابن الأخ وابن الأخت والخال هؤلاء سبعة محارم بالنسب

وهؤلاء يحرمون على التأييد والمحرم من الرضاع كالمحرم من النسب سواء سبعة من الرضاع وسبعة من النسب 14 والمحارم من الصهر أربعة أبو زوجها وابن زوجها وزوج أمها وزوج بنتها فهم أصول زوجها أي أباؤه وأجداده وفروعه وهم أبناؤه وأبناء أبنائه وبناته وإن نزلوا وزوج أمها وزوج بنتها فثلاثة يكونون محارم بمجرد العقد وهم أبو زوج المرأة وابن زوج المرأة وزوج بنت المرأة أما زوج أمها فلا يكون محرماً إلا إذا دخل بأمها

والرجل محرم لمن يوافقها في الدين فأب المرأة الكافرة إذا كان كافراً يكون محرماً لها ولا نمنعه من السفر هو وابنته مثلاً ولكن الأب الكافر يكون محرماً للمسلمة بشرط أن يؤمن عليها وإلا فليس بمحرم ولا تمكن من السفر

ثانياً: من شروط المحرم أن يكون بالغاً فالصغير لا يكفي أن يكون محرماً ووجه ذلك أن المقصود من المحرم حماية المرأة وصيانتها ومن دون البلوغ لا يحصل منه ذلك

ثالثاً: أن يكون عاقلاً فالمجنون لا يصح أن يكون محرماً ولو كان بالغاً لأنه لا يحصل من المجنون حماية المرأة وصيانتها

فإذا فقد المحرم البالغ العاقل المسلم فإنه لا يجب عليها الحج أو وجد ولكن أبى أن يسافر معها فإنه لا يجب عليها الحج وإن بذلت له نفقة الحج فلا يلزمه أن يحج معها إلا إذا سافرت بدون محرم فيلزمه اللحاق بها كما أمر النبي صلى الله عليه وسلم الذي أكتتب في غزوة أن يلحق بزوجته في الحج

والأصل في الأمر الوجوب

ومن تمت الشروط في حقه ثم مات فإنهما يخرجان من تركته قبل الإرث والوصية وهذا هو المذهب لأن ذلك دين لقول النبي صلى الله عليه وسلم : دين الله أحق بالوفاء . أخرجه البخاري

فيؤخذ من تركته ما يكفي للحج والعمرة وما بقي فإنه للوصية والورثة ويخرج من تركته سواء أوصى أو لم يوص كما لو أنه عليه دين أخرجناه من تركته سواء أوصى به أو لم يوص به

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-6 -2

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر