الدرس الخامس والثمانون : أحكام الاعتكاف

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 30 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 1673 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

من نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد غير الثلاثة لم يلزمه فلو نذر رجل أن يعتكف في أي مسجد في أي بلد فإنه لا يلزمه أن يعتكف فيه والمساجد الثلاثة هي المسجد الحرام وهو أول بيت وضع للناس وأشرف البيوت وأعظمها حرمة وله من الخصائص ما ليس لغيره ولا يوجد مسجد في الأرض قصده من أركان الإسلام إلا المسجد الحرام

قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مختصر الفتاوى المصرية ص 373 :البيت العتيق زاده الله تشريفاً وتعظيماً ومهابة كان له الشرف من وجوه كثيرة

أولاً: نفس البقعة شرفها الله على غيرها كما شرف في بقية الأنواع بعض أشخاصها وكما خص بعض الناس بنوع من الفضل

ثانياً: أن الله بوأه لخليله إبراهيم خير البرية فليس بعد محمد صلى الله عليه وسلم أفضل من إبراهيم الذي بناه ودعا الناس إليه

ثالثاً: أنه جعل على الناس حج البيت حتى حجه الأنبياء كموسى ويونس وغيرهما

رابعاً: فيه آيات كثيرة مثل مقام إبراهيم ومثل الأمان الذي جعله للناس والطير والوحش وكإهلاك الجبابرة الذين قصدوا انتهاكه ومن دخله كان آمنا فلا يقتل الجاني فيه عند أحمد وأبي حنيفة

ويلي المسجد الحرام المسجد النبوي الذي بناه النبي صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة ويليه المسجد الأقصى وهو مسجد غالب أنبياء بني إسرائيل فهذه المساجد الثلاثة هي التي إذا نذر الصلاة فيها تعينت

وأفضلها المسجد الحرام وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه : صلاة في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه إلا مسجد الكعبة. أخرجه مسلم ، وفي حديث أخر " إلا المسجد الحرام " أخرجه مسلم

مسألة التضعيف في المساجد الثلاثة

مضاعفة المسجد الحرام مائة ألف صلاة فإذا أدى الإنسان فيه فريضة كان كمن أدى مائة ألف فريضة فيما سواه

والمسجد النبوي الصلاة فيه خير من ألف صلاة فيما سواه

والمسجد الأقصى بخمس مئة صلاة . حديث حسن

مسألة : هل الصلاة خاصة في المكان المعين من المساجد الثلاثة أو كل ما حوله فهو مثله

الجواب : أما المسجد الأقصى فليس له حرم بالاتفاق وأما المسجد النبوي فالتضعيف خاص في المسجد الذي هو البناية المعروفة لكن ما زيد فيه فهو منه

والدليل على ذلك أن الصحابة رضي الله عنهم صلوا في الزيادة التي زادها عثمان رضي الله عنه مع أنها خارج المسجد الذي كان على عهد النبي صلى الله عليه وسلم

وأما المسجد الحرام فيقول مفتى المملكة سابقاً الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله أن المضاعفة تشمل حدود الحرم ومراده رحمه الله الحرم وما حوله منى ومزدلفة وحي الغسالة وجزء من حي العزيزية وغالبة الشرائع

مسألة : إذا امتلاء المسجد الحرام واتصلت الصفوف وصارت في الأسواق وما حول الحرم فهل يثبت لهؤلاء أجر من كان داخل الحرم ؟

الجواب : نعم لأن هذه الجماعة جماعة واحدة وهؤلاء الذين لم يحصل لهم الصلاة إلا في الأسواق خارج المسجد لو حصلوا على مكان داخله لكانوا يبادرون إليه فما دامت الصفوف متصلة فإن الأجر حاصل لمن كان خارج المسجد

ومن نذر الاعتكاف أو الصلاة في مسجد غير المساجد الثلاثة إذا عينه لا يتعين إلا لمزية شرعية فإنه يتعين لأن النذر يجب الوفاء به ولا يجوز العدول إلى دونه وإن عين الأفضل لم يجز فيما دونه وعكسه بعكسه

إن عين المسجد الحرام لم يجز في المدينة ولا في بيت المقدس وإن عين المدينة جاز فيها المسجد الحرام أي من نذر الأدنى جاز في الأعلى

والدليل على هذا أن رجلاً جاء يوم فتح النبي صلى الله عليه وسلم مكة وقال إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلي في بيت المقدس شكراً لله فقال صلى الله عليه وسلم صل هنا فسأله فقال صل هنا فسأله ثالثة فقال شأنك إذاً فدل ذلك على أنه إذا نذر الأدنى جاز الأعلى إلا العكس واستدل شيخ الإٍسلام رحمه الله وبعض أهل العلم بهذا الحديث على أنه يجوز نقل الوقف من جهة إلى جهة أفضل منها وهذا الاستدلال استدلال واضح وذلك لأن النذر يجب الوفاء به فإذا رخص النبي صلى الله عليه وسلم بالانتقال إلى ما هو أعلى في النذر الواجب فالوقف الذي هو أصل مستحب من باب أولى وهذا في الأوقاف العامة أما الأوقاف الخاصة كالذي يوقف على ولده مثلاً فإنه لا يجوز أن ينقل إلا إذا انقطع النسل وذلك لأن الوقف الخاص خاص لمن وقف له

ومن نذر زمناً معيناً دخل معتكفه قبل ليلته الأولى وخرج بعد آخره

فإذا نذر أن يعتكف العشر الأواخر من رمضان فإنه يدخل عند غروب الشمس ليلة عشرين من رمضان ويخرج إذا غربت الشمس من آخر يوم من الزمن الذي عينه ولا يخرج المعتكف إلا لما لا بد منه حساً أو شرعاً حساً مثل الأكل والشرب والحصول على زيادة الملابس إذا أشتد البرد وقضاء الحاجة من بول و غائط وشرعاً مثل أن يخرج ليغتسل من جنابه أو أن يخرج ليتوضأ

ولا يعود مريضاَ إلا أن يشترطه ولا يشهد جنازة إلا أن يشترطه لأن عيادة المريض ليس مما لا بد منه لأنه سنة يمكن للإنسان أن يدعه ولا يأثم وكذلك شهود الجنازة لكن لو فرض أنه تعين عليه أن يشهد جنازة بحيث لم نجد من يغسلها ومن يحملها إلى المقبرة صار هذا من الذي لا بد منه

ويجوز الاشتراط عند ابتداء الاعتكاف فإذا نوى الدخول في الاعتكاف قال استثني يا رب عيادة المريض أو شهود الجنازة وإن كان هذا لا ينبغي لأن المحافظة على الاعتكاف أولى إلا إذا كان المريض له حق عليك أو من يتوقع موته وله حق عليك فهنا الاشتراط أولى بأن كان المريض من أقاربه الذين يعتبر عدم عيادتهم قطيعة رحم فهنا يستثنى وكذلك شهود الجنازة

والدليل على جواز الاشتراط القياس على حديث ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب حيث جاءت تقول للرسول صلى الله عليه وسلم : إنها تريد الحج وهي شاكية فقال لها حجي واشترطي أن محلي حيث حبستني فإن لك على ربك ما استثنيتي . صححه الألباني في الإرواء فيؤخذ من هذا أن الإنسان إذا دخل في عبادة واشترط شيئاً لا ينافي فلا بأس ولو جامع بطل اعتكافه لأنه فعل ما نهى عنه بخصوصه لقوله تعالى :" ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد " سورة البقرة آية 187

ولو اشترط عند دخوله في المعتكف أن يجامع أهله فلا يصح لأنه محلل لما حرم الله وكل شرط أحل ما حرم الله فهو باطل

ويستحب اشتغاله بالقرب كقراءة القرآن والذكر والصلاة في غير وقت النهي وما أشبه ذلك وأن يجتنب ما لا يعنيه من قول أو فعل أو غير ذلك وهذا سنة له ولغيره قال النبي صلى الله عليه وسلم : من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه . أخرجه الترمذي

ويجوز أن يزوره أحد من أقاربه ويتحدث إليه ساعة من الزمن لأن صفية بنت حيي زارت النبي صلى الله عليه وسلم في معتكفه وتحدثت إليه ساعة . أخرجه البخاري

وهذا لا بأس به وهو مما يعني أن الإنسان يتحدث إلى أهله لأنه إذا تحدث إليهم أدخل عليهم السرور وحصل بينهم الألفة وهذا مقصود للشرع

ولهذا ينبغي ألا يكون الإنسان جافاً لا يجلس إلى أهله ولا يكلمهم ولا يتحدث إليهم

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-5 -29

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر