الدرس الحادي والثمانون: قضاء الصيام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 29 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 2120 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

من مات وعليه القضاء بعد أن أخره إلى بعد رمضان آخر فعليه إطعام مسكين لأن القضاء تعذر في حقه

مسألة: إذا مر رمضان على إنسان مريض ففيه تفصيل أولاً: إن كان يرجى زواله بقي الصوم واجباً عليه حتى يشفى لكن لو استمر به المرض حتى مات فهذا لا شيء عليه لأن الواجب عليه القضاء ولم يدركه مثاله: إنسان أصيب في رمضان بزكام في العشر الأواخر من رمضان مثلاً والزكام مما يرجى زواله لكن تضاعف به المرض حتى مات فهذا ليس عليه قضاء لأن الواجب عليه عدة من أيام أخر فلم يتمكن من ذلك فصار كالذي مات قبل أن يدركه رمضان فليس عليه شيء

الثاني: أن يرجى زواله ثم عوفي ولم يصم ثم مات قبل أن يقضي فهذا يطعم عن كل يوم مسكين بعد موته أو يصام عنه لأنه مفرط

الثالث: أن يكون المرض الذي أصابه لا يرجى زواله فهذا عليه الإطعام لأن من أفطر لعذر لا يرجى زواله فالواجب عليه إطعام مسكين عن كل يوم كالكبر ومرض السرطان وغيره من الأمراض التي لا يرجى زوالها ولو فرض أن الله عافاه والله على كل شيء قدير فلا يلزمه أن يصوم لأن الرجل يجب عليه الإطعام وقد أطعم فبرئت ذمته وسقط عنه الصيام ومن مات وعليه صوم نذراً استحب لوليه قضاؤه ولا يجب وإنما يستحب أن يقضيه لما يلي أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم : من مات وعليه صيام صام عنه وليه . أخرجه البخاري عن عائشة

ثانياً: حديث ابن عباس رضي الله عنه قال : جاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت إن أمي ماتت وعليها صوم نذر أفأ صوم عنها ؟ قال أرأيت لو كان على أمك دين فقضيتيه أكان يؤدي ذلك عنها ؟ قالت نعم قال فصومي عن أمك . أخرجه مسلم وأخرجه البخاري في الصوم بلفظ قالت امرأة للنبي صلى الله عليه وسلم : إن أمي ماتت وعليها صوم نذر فلو قال قائل حديث عائشة صام عنه وليه ، أمر فما الذي صرفه عن الوجوب ؟ الجواب : صرفه عن الوجوب قوله تعالى ( ولا تزر وازرة وزر أخرى ) ولو قلنا بوجوب قضاء الصوم عن الميت لزم من عدم قضائه أن تحمل وازرة وزر أخرى وهذا خلاف القرآن إذا يستحب لوليه أن يقضيه فإن لم يفعل قلنا أطعم عن كل يوم مسكينا قياساً على صومه الفريضة وعلى هذا فالحج يقضى فرضاً كان أو نذراً والصوم يقضى إن كان نذراً والصلاة لا تقض

ويسن صيام أيام البيض لحديث أبي ذر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا صمت من الشهر ثلاثاً فصم ثلاث عشرة وأربع عشرة وخمس عشرة . أخرجه أحمد وحسنه الترمذي وسميت بيضاً لابيضاض لياليها بنور القمر ولهذا يقال أيام البيض أي أيام الليالي البيض فالوصف لليالي لأنها بنور القمر صارت بيضاء وهي تغن عن صيام ثلاثة أيام من كل شهر لحديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : صوم ثلاثة أيام من كل شهر صوم الدهر كله . أخرجه البخاري لأن الحسنة بعشر أمثالها فثلاثة أيام بثلاثين حسنة عن شهر وكان النبي صلى الله عليه وسلم يصوم ثلاثة أيام من كل شهر لما أخرج مسلم ولفظه عن عائشة أنها قالت : لم يكن يبالي أي النبي صلى الله عليه وسلم من أي الشهر يصوم فعندنا أمران

الأمر الأول : استحباب صيام ثلاثة أيام من كل شهر سواء كانت في أول الشهر أم في وسطه أم آخره وسواء كانت متتابعة أم متفرقة

الأمر الثاني: أنه ينبغي أن يكون الصيام في أيام البيض الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر فتعيينها في أيام البيض كتعين الصلاة في أول وقتها يعني أفضل وقت للأيام الثلاثة هي أيام البيض لكن من صام الأيام الثلاثة في غير أيام البيض حصل على الأجر وحصل له صيام الدهر وصوم الاثنين أوكد فيسن للإنسان أن يصوم يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع وقد علل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك : بأنهما يومان تعرض فيهما الأعمال على الله عز وجل قال فأحب أن يعرض عملي وأنا صائم . أخرجه أحمد وصححه الألباني في الإرواء وسئل عن صوم يوم الاثنين قال : ذاك يوم ولدت فيه وبعثت فيه أو أنزل علي فيه . أخرجه مسلم وأما الجمعة فلا يسن صوم يومها ويكره أن يفرد صومه والدليل على ذلك أولاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم : لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا قبله يوماً أو يوماً بعده . أخرجه مسلم ثانياً: قوله صلى الله عليه وسلم : لإحدى أمهات المؤمنين وكانت صائمة يوم الجمعة أصمت أمس قالت لا قال أتصومين غداً قالت لا قال فأفطري . أخرجه البخاري فدل ذلك على أن يوم الجمعة لا يفرد بصوم ثالثاً: قوله صلى الله عليه وسلم : لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام . أخرجه مسلم ويسن للإنسان أن يصوم ستة أيام من شوال لقول النبي صلى الله عليه وسلم : من صام رمضان واتبعه بست من شوال فكأنما صام الدهر كله . أخرجه مسلم قال الفقهاء رحمهم الله والأفضل أن تكون بعد يوم العيد مباشرة لما في ذلك من السبق إلى الخيرات والأفضل أن تكون متتابعة لأن ذلك أسهل غالباً ولأن فيه سبقاً لفعل هذا الأمر المشروع ومما يسن صيامه شهر الله المحرم وهو الذي يلي شهر ذي الحجة وهو الذي جعله الخليفة الراشد أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أول شهور السنة وصومه أفضل الصيام بعد رمضان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم : أفضل الصيام بعد رمضان شهر الله المحرم . أخرجه مسلم وقال بعض العلماء شهر شعبان أفضل لأن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصومه كله أو إلا قليلاً منه ولم يحفظ عنه أنه كان يصوم شهر المحرم لكنه حث على صيامه بقوله إنه أفضل الصيام بعد رمضان فعلى كل فشهر محرم وشعبان يسن صومهما وآكد صيام شهر محرم اليوم العاشر ثم التاسع لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عاشوراء ؟ فقال أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله . أخرجه مسلم ثم يليه التاسع لقوله صلى الله عليه وسلم لأن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع . أخرجه مسلم يعني مع العاشر قال شيخ الإسلام ابن تيمية كما في الاختيارات ص 110 وصيام يوم عاشوراء كفارة سنة ولا يكره أفراده بالصوم وقال ابن القيم في الهدي 2/76 فمراتب صومه ثلاثة أكملها أن يصام ويصام قبله يوم وبعده يوم ويلي ذلك أن يصام التاسع والعاشر وعليه أكثر الأحاديث ويلي ذلك إفراد العاشر وحده بالصوم إذا صوم العاشر أوكد من بقية الأيام والسبب في ذلك أنه اليوم الذي نجى الله فيه موسى وقومه وأهلك فرعون وقومه لحديث ابن عباس رضي الله عنهما قال قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء فقال ما هذا ؟ قالوا هذا يوم صالح وهذا يوم نجى الله بني إسرائيل من عدوهم فصامه موسى قال فأنا أحق بموسى منكم فصامه وأمر بصيامه. أخرجه البخاري هذا وأسأل الله العظيم رب العرش العظيم أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً وتفرقنا تفرقاً معصوماً وألا يجعل فينا ولا منا شقياً ولا محروما وألا يدع لنا في هذا المقام الشريف من ذنب إلا غفرته ولا هماً إلا فرجته ولا كرباً إلا نفسته ولا ديناً إلا قضيته ولا ميتاً إلا رحمته ولا ضالاً إلا هديته ولا تأئهاً إلا رددته ولا أيماً إلا زوجته ولا عقيماً إلا رزقته الذرية الصالحة ولا حاجة من حوائج الدنيا هي لك رضا ولنا فيها صلاح إلا أعنتنا على قضائها برحمتك يا أرحم الراحمين

وبالله التوفيق وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-5 -28

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر