الدرس الثاني والثمانون : باب صوم التطوع

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 29 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 1590 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

تسع ذي الحجة تبدأ من أول يوم من ذي الحجة وتنتهي باليوم التاسع وهو يوم عرفة ودليل استحبابها قول النبي صلى الله عليه وسلم : ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى الله من هذه الأيام العشر . أخرجه البخاري ، والصوم من العمل الصالح

وأخرج مسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت : ما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم صائماً العشر قط . ورجح الإمام أحمد رحمه الله أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصوم عشر ذي الحجة

وآكد تسع ذي الحجة صيام يوم عرفة لغير الحاج ويوم عرفة هو اليوم التاسع وإنما كان آكد العشر لأن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن صوم يوم عرفة فقال صلى الله عليه وسلم : أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده ، وعلى هذا فصوم يوم عرفة أفضل من صوم عاشوراء لأن صوم عاشوراء قال فيه الرسول صلى الله عليه وسلم : أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله . فقط أما هذا فقال السنة التي قبله والسنة التي بعده

أما الحاج فإنه لا يسن أن يصوم يوم عرفه لأن الناس شكو في صومه صلى الله عليه وسلم يوم عرفه فأرسل إليه بقدح من لبن فشربه ضحى يوم عرفه والناس ينظرون إليه . أخرجه البخاري . حتى يتبين أنه لم يصم ولأن هذا اليوم يوم دعاء وعمل ولا سيما أن أفضل زمن الدعاء هو آخر هذا اليوم فإذا صام الإنسان فسوف يأتيه آخر اليوم وهو في كسل وتعب لا سيما في أيام الصيف وطول النهار وشدة الحر فإنه يتعب وتزول الفائدة العظيمة الحاصلة بهذا اليوم والصوم يدرك في وقت آخر قال ابن القيم في الهدي 2/77

وقد ذكر لفطره بعرفه عدة حكم منها أنها أقوى على الدعاء ومنها أن الفطر في السفر أفضل وكان ابن تيمية يسلك مسلكاً آخر وهو أنه يوم عيد لأهل عرفه لاجتماعهم فيه كاجتماع الناس يوم العيد وهذا الاجتماع يختص بمن بعرفة دون أهل الآفاق قال وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى هذا في الحديث الذي رواه أهل السنن : يوم عرفه ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام

وأفضل صوم التطوع صوم يوم وفطر يوم ودليل ذلك أن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه وعن أبيه قال لأصومن النهار ولا أفطر ولأقومن الليل ولا أنام فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وسلم فسأله : أنت الذي قلت كذا قال نعم فقال له النبي صلى الله عليه وسلم صم كذا صم كذا قال إني أطيق أكبر من ذلك حتى قال له صم يوماً وأفطر يوماً فذلك أفضل الصيام وهو صيام داود وقال له في القيام نم نصف الليل وقم ثلث الليل ونم سدس الليل فذلك أفضل القيام وهو قيام داود . أخرجه البخاري

لأن هذا الصيام يعطي النفس بعض الحرية والبدن بعض القوة لأنه يصوم يوماً ويفطر وكذلك القيام إذا نام نصف الليل ثم قام ثلثه ثم نام سدسه فإن تعبه في قيام الثلث سوف يزول بنومه السدس فيقوم في أول النهار نشيطاً

ولكن هذا مشروط أي صوم يوم وفطر يوم بما إذا لم يضيع ما أوجب الله عليه فإن ضيع ما أوجب الله عليه كان هذا منهياً عنه لأنه لا يمكن أن تضاع فريضة من أجل نافلة فلو فرض أن هذا الرجل إذا صام يوماً وأفطر يوماً تخلف عن الجماعة في المسجد لأنه يتعب في آخر النهار ولا يستطيع أن يصل إلى المسجد فنقول له لا تفعل لأن إضاعة الواجب أعظم من إضاعة المستحب فهذا لا تأثم بتركه فاتركه

كذلك لو أنشغل بذلك عن مؤونة أهله أي انقطع عن البيع والشراء والعمل فإننا نقول له لا تفعل لأن القيام بالواجب أهم من القيام بالتطوع

وقد التزم عبد الله بن عمرو بذلك حتى كبر فتمنى أنه قبل رخصة النبي صلى الله عليه وسلم أن يصوم من كل شهر ثلاثة أيام حتى اجتهد رضي الله عنه فصار يصوم خمسة عشر يوماً متتابعة ويفطر خمسة عشر يوماً متتابعة ويرى أن هذا بديل عن صيام يوم وإفطار يوم ويكره إفراد رجب بالصوم لأن أهل الجاهلية هم الذين يعظمون هذا الشهر أما السنة فلم يرد في تعظيمه شيء ولهذا قالوا إن كل ما يرى في فضل صومه أو الصلاة فيه من الأحاديث فكذب باتفاق أهل العلم بالحديث وقد ألف ابن حجر رحمه الله رسالة صغيرة في هذا وهي تبين العجب فيما ورد في فضل رجب لكن لو صامه مع غيره لم يكره

ويكره أفراد الجمعة بالصيام والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : لا تصوموا يوم الجمعة إلا أن تصوموا يوماً قبله أو يوماً بعده. أخرجه مسلم

وقال لا تخصو يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام . أخرجه مسلم

وإن صامها مع غيرها فلا يكره فلو صام الخميس والجمعة فلا بأس أو الجمعة والسبت فلا بأس ويحرم صوم يوم الشك وهو يوم الثلاثين من شعبان إذا كان في السماء ما يمنع رؤية الهلال وأما إذا كان السماء صحوا فلا شك

فيحرم الصوم إذا قصد له الاحتياط لرمضان ودليل ذلك قول عمار بن ياسر رضي الله عنه : من صام اليوم الذي يشك فيه فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم . علقه البخاري في صحيحه بصيغة الجزم وقوله صلى الله عليه وسلم : لا تقدموا برمضان بصوم يوم أو يومين إلا رجل كان يصوم صوماً فليصمه . أخرجه البخاري

ولأنه تعدي لحدود الله فإن الله يقول في كتابه : فمن شهد منكم الشهر فليصمه . ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول فيما روى ابن عمر إذا رأيتموه فصوموا وإذا رأيتموه فأفطروا فإن غم عليكم فاقدروا له . أخرجه البخاري ومسلم

ويحرم صوم العيدين والدليل على ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم : نهى عن صوم يوم العيدين عيد الفطر وعيد الأضحى . أخرجه البخاري ، وهذا بإجماع العلماء

ولو كان على الإنسان قضاء من رمضان وقال أحب أن أبدأ بالقضاء من أول يوم من شوال قلنا هذا حرام ولو أنه نذر أن يصوم يوم الاثنين فصادف يوم العيد فإنه حرام عليه

ويحرم صيام أيام التشريق لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال فيها : أيام أكل وشرب وذكر الله عز وجل . أخرجه مسلم

وأيام التشريق ثلاثة بعد يوم النحر هي الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر وهذه الأيام تسمي أيام التشريق لأن الناس كانوا يشرقون فيها اللحم أي يقدونه ثم ينشرونه في الشمس من أجل أن ييبس حتى لا يعفن ويفسد

ويصح صيام أيام التشريق لمن عليه دم متعة أو قران

فيصح إذا حج الإنسان وكان متمتعاً ولا يستطيع الهدي أن يصوم أيام التشريق وكذلك إذا كان قارن فله أن يصوم الحادي عشر والثاني عشر والثالث

والمتمتع هو الذي يأتي بالعمرة أولاً ثم يحل ويأتي بالحج بعد ذلك فعليه الهدي فإن لم يجد فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع

والقارن كالمتمتع وهو الذي يحرم بالعمرة والحج جميعاً فيقول لبيك عمرة وحجاً أو يحرم بالعمرة أولاً ثم يدخل الحج عليها قبل الشروع في طوافها فعليه الهدي فإن لم يجد الهدي فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع من الحج

فدم المتعة والقران إذا لم يجدهما الحاج فإنه يصوم ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجع من الحج وتبدأ هذه الأيام الثلاثة من حين الإحرام بالعمرة ولو كان كان قبل شهر ذي الحجة فإذا كان متمتعاً وأحرم بالعمرة في آخر ذي القعدة وهو يعلم أنه لن يجد الهدي لأنه ليس معه دراهم فله أن يصوم

وينتهي صوم الثلاثة بآخر يوم من أيام التشريق وعلى هذا فإذا لم يصم قبل ذلك فإنه يصوم الأيام الثلاثة الحادي عشر والثاني عشر والثالث عشر ودليل ذلك حديث عائشة وابن عمر رضي الله عنهم أنهما قالا لم يرخص في أيام التشريق أن يصمن إلا لمن لم يجد الهدي . أخرجه البخاري ، وقول الصحابي أو رخص لنا أو ما أشبه ذلك يعتبر مرفوعاً حكماً

ومن شرع في فرض موسع فإنه يحرم عليه قطعه ويلزمه إتمامه إلا لعذر شرعي

مثال ذلك لما أذن لصلاة الظهر قام يصلي الظهر ثم أراد أن يقطع الصلاة ويصلي فيما بعد فإنه لا يحل له ذلك مع أن الوقت موسع إلى العصر لأنه واجب شرع فيه وشروعه فيه يشبه النذر فيلزمه أن يتم ومن دخل في فرض مضيق حرم قطعه من باب أولى فلو دخل في الصلاة ولم يبق في الوقت إلا مقدار ركعات الصلاة حرم عليه القطع من باب أولى لأنه إذا حرم القطع في الموسع ففي المضيق من باب أولى لكن يستثنى ما إذا كان لضرورة مثل أن يشرع الإنسان في الصلاة ثم يضطر إلى قطعها لإطفاء حريق أو إنقاذ غريق أو ما أشبه ذلك ففي هذه الحال له أن يقطع الصلاة

ويجوز أن يقطع الفرض ليأتي بما هو أكمل مثل أن يشرع في الفريضة في الصلاة ثم يحس بجماعة دخلوا ليصلوا جماعة من أجل أن يدخل في الجماعة لأن هذا الرجل لم يعمد إلى معصية الله ورسوله بقطع الفريضة ولكنه قطعها ليأتي بها على وجه أكمل فهو لمصلحة الصلاة في الواقع فلهذا قال العلماء في مثل هذه الحال له أن يقطعها لما هو أفضل

أسأل الله أن يتقبل منا منكم صالح الأعمال وأن يوفقنا لما يحبه ويرضاه وألا يحرمنا الأجر والمثوبة إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير

وبالله التوفيق

وصلى اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-5 -28

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر