الدرس الثالث والثمانون : قطع صيام النافلة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 29 جمادى الأولى 1434هـ | عدد الزيارات: 1850 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

لا يلزم الإتمام في النفل ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على أهله ذات يوم فقال : هل عندكم شيء ؟ قالوا : نعم عندنا حيس قال أرينه يقول لعائشة فلقد أصبحت صائماً فأرته إياه فأكل . أخرجه مسلم ، وهذا الصوم نافلة فقطعه النبي صلى الله عليه وسلم وأكل فدل هذا على أن النفل أمره واسع للإنسان أن يقطعه

ولكن العلماء يقولون لا ينبغي أن يقطعه إلا لغرض صحيح واستدلوا بعموم قوله تعالى: ولا تبطلوا أعمالكم . سورة محمد

ثانياً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لعبد الله بن عمرو : لا تكن مثل فلان يقوم من الليل فترك قيام الليل . أخرجه البخاري ، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم انتقده لترك قيام الليل فكيف بمن تلبس بالنافلة فيكون انتقاده إذا تركها من باب أولى

ولهذا نقول للإنسان إذا شرع في النافلة لا تقطعها إلا لغرض صحيح

وهل من الغرض إذا دخل في الصلاة فنادته أمه أن يرد عليها فيقطع الصلاة ؟

الجواب : فيه تفصيل إذا كانت الأم إذا علمت أنه في صلاة لا ترض أن يقطعها وتحب ألا يقطعها وأن يمضي في صلاته ولا يؤثر عليها ولا يكون في قلبها شيء عليه فهنا لا يقطعها لأنه لو قطع الصلاة وقال لأمه أنا قطعت الصلاة من أجلك قالت لِمَ قطعتها أما إذا كانت ممن لا يعذر في مثل هذه الحال لأن بعض النساء وبعض الآباء لا يعذرون في مثل هذه الحال ففي مثل هذه الحال نقول يقطعها ولو فسد النفل بقطعه فإنه لا يلزمه القضاء

مثال ذلك: رجل صام تطوعاً ثم أفسد الصوم بأكل أو بشرب أو جماع أو غير ذلك فإنه لا يلزمه القضاء لأنه لو وجب القضاء لوجب الإتمام فإذا كان لا يجب الإتمام فإنه لا يلزمه القضاء

أما إذا شرع في صوم منذور فلا يجوز قطعه لأنه واجب فإن قطعه لزمه القضاء إلا الحج فإنه يلزمه إتمامه ولو كان نفلاً ويجب قضاء فاسده ولو كان نفلاً لقوله تعالى : وأتموا الحج والعمرة لله فإن أحصرتم فما استيسر من الهدي . سورة البقرة آية 196 ، وهذه الآية نزلت قبل فرض الحج لأنها نزلت في السنة السادسة في الحديبية والحج إنما فرض في السنة التاسعة أو العاشرة ومع هذا أمر الله بإتمامهما مع أنهما نفل لم يفرض بعد

والحكمة من ذلك أن الحج والعمرة لا يحصلان إلا بمشقة ولا سيما فيما سبق من الزمن فلا ينبغي للإنسان بعد هذه المشقة أن يفسدها لأن في ذلك خسارة كبيرة بخلاف الصلاة والصوم أو ما أشبه ذلك

وترجى ليلة القدر في العشر الأواخر من رمضان وأريها صلى الله عليه وسلم وأنه يسجد في صبيحتها في ماء وطين في ليلة إحدى وعشرين من رمضان وكان معتكفاً صلى الله عليه وسلم فأمطرت السماء فوكف المسجد أي سال الماء من سقفه وكان مسجد النبي صلى الله عليه وسلم على عريش فصلى الفجر صلى الله عليه وسلم ثم سجد على الأرض قال أنس فرأيت أثر الماء والطين على جبهته فسجد في ماء وطين . أخرجه البخاري فتبين بهذا أنها كانت في ذلك العام ليلة إحدى وعشرين وهي تنتقل فتكون عاماً ليلة إحدى وعشرين وعاماً ليلة تسع وعشرين وعاماً ليلة خمس وعشرين لأنه لا يمكن جمع الأحاديث الواردة إلا على هذا القول والحكمة من كونها تتنقل أنها لو كانت في ليلة معينة لكان الكسول لا يقوم إلا تلك الليلة لكن إذا كانت متنقلة وصار كل ليلة يحتمل أن تكون هي ليلة القدر صار الإنسان يقوم كل العشر

وسبب تسميتها ليلة القدر أنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة فيكتب فيها ما سيجري في ذلك العام وهذا من حكمة الله عز وجل وبيان إتقان صنعه وخلقه فهناك كتابة أولى وهذه قبل خلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة في اللوح المحفوظ وهذه كتابة لا تتغير ولا تتبدل لقول الله تعالى : يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب " سورة الرعد آية 39 ، أي أصله الذي هو مرجع كل ما يكتب

الكتابة الثانية عمرية حديث ابن مسعود "يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوماً نطفة ثم أربعين يوماً علقة ثم أربعين يوماً مضغة ثم يرسل إليه الملك ويؤمر بكتابة أربع كلمات رزقه وعمله وأجله وشقي أو سعيد" المتفق عليه

الكتابة الثالثة الكتابة السنوية وهي التي تكون ليلة القدر وعليه فسميت ليلة القدر لأنه يقدر فيها ما يكون في تلك السنة من خير عام وخاص ودليل هذا قوله تعالى "إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم " سورة الدخان يفرق أي يفصل ويبين كل أمر حكيم وأمر الله كله حكيم

ثانياً:وقيل سميت ليلة القدر من القدر وهو الشرف كما نقول فلان ذو قدر عظيم أي ذو شرف لقوله تعالى " وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر " وليلة خير من ألف شهر قدرها عظيم ولا شك

ثالثاً: وقيل لأن للعبادة فيها قدر عظيم لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من قام ليلة القدر إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه . أخرجه البخاري

وهذا لا يحصل إلا لهذه الليلة فقط فلو أن الإنسان قام ليلة النصف من شعبان أو ليلة النصف من رجب أو ليلة النصف من أي شهر أو في أي ليلة لم يحصل له هذا الأجر

وأوتار العشر آكد لقول النبي صلى الله عليه وسلم " التمسوها في كل وتر وأوتار العشر إحدى وعشرون وثلاث وعشرون وخمس وعشرون وسبع وعشرون وتسع وعشرون خمس ليالي هذه أرجاها وأبلغ الأوتار وأرجاها ليلة سبع وعشرين لكنها لا تتعين في ليلة السابع والعشرين وينال الإنسان أجرها وإن لم يعلم بها

وعلامات ليلة القدر المقارنة

أولاً: قوة الإضاءة والنور في تلك الليلة وهذه العلامة في الوقت الحاضر لا يحس بها إلا من كان في البر بعيداً عن الأنوار

ثانياً: زيادة النور في تلك الليلة

ثالثاً: طمأنينة القلب وانشراح الصدر من المؤمن فإنه يجد راحة وطمأنينة وإنشراح صدر في تلك الليلة أكثر مما يجده في بقية الليالي

رابعاً: أن الرياح تكون فيها ساكنة أي لا يأتي فيها عواصف أو قواصف بل يكون الجو مناسباً لحديث جابر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : إني كنت أريت ليلة القدر ثم نسيتها وهي في العشر الأواخر وهي طلقة بلجة لا حارة ولا باردة كأن فيها قمراً يفضح كوكبها لا يخرج شيطانها حتى يخرج فجرها . أخرجه ابن خزيمه وابن حبان وصححاه

وحديث عبادة بن الصامت وفيه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " إن أمارة ليلة القدر أنها صافية بلجة كأن فيها قمراً ساطعاً ساكنة ساجية لا برد فيها ولا حر ولا يحل لكوكب أن يرمى به فيها حتى تصبح وإن أمارتها أن الشمس صبيحتها تخرج مستوية ليس لها شعاع مثل القمر ليلة البدر ولا يحل لشيطان أن يخرج معها يومئذ . أخرجه أحمد

وقوله طلقة بلجة أي مشرقة لا برد فيها ولا حر ولا مطر ولا قر

خامساً: أنه قد يري الله الإنسان الليلة في المنام كما حصل ذلك لبعض الصحابة

سادساً: أن الإنسان يجد في القيام لذة أكثر مما في غيرها من الليالي

أما العاملات اللاحقة فمنها أن الشمس تطلع في صبيحتها ليس لها شعاع صافية ليست كعادتها في بقية الأيام لحديث أبي بن كعب رضي الله عنه أنه قال أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أنها تطلع يومئذ لا شعاع لها .أخرجه مسلم

وأما ما يذكر أنه يقل فيها نباح الكلاب أو يعدم بالكلية فهذا لا يستقيم ففي بعض الأحيان ينتبه الإنسان لجميع الليالي فيجد أن الكلاب تنبح ولا تسكت

ويدعو فيها بما ورد والذي ورد عن النبي صلى الله عليه وسلم منه : اللهم إنك عفو تحب العفو فاعف عنى لحديث عائشة رضي الله عنها قالت : أفرأيت يا رسول الله إن وافقت ليلة القدر فما أقول فيها قال قولي اللهم إنك عفو تحب العفو فعفو عني . أخرجه أحمد

فهذا من الدعاء المأثور وكذلك الأدعية الكثيرة الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم

وبالله التوفيق

وصلي اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

1434-5 -28

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر