الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على عبده ورسوله وخيرته من خلقه وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا محمد بن عبد الله وعلى آله وأصحابه، ومن سلك سبيله واهتدى بهداه إلى يوم الدين.
أما بعد:
فهذه كلمة موجزة في بيان بعض المسائل التي قد تخفى على كثير من الناس.
فأقول: من المعلوم أن الله جل وعلا خلق الثقلين الجن والإنس لعبادته، وأرسل الرسل وأنزل الكتب لبيانها والدعوة إليها، وليس ذلك خاصا بالذكور دون الإناث ولا بالإناث دون الذكور، بل الدعوة للجميع. أرسل الرسل وأنزل الكتب لبيان حقه على عباده من الذكور والإناث من الجن والإنس. وهكذا خلقهم لهذا الأمر، خلقهم جميعا ذكورهم وإناثهم جنهم وإنسهم، عربهم وعجمهم أغنياءهم وفقراءهم حكامهم ومحكوميهم خلقوا جميعا ليعبدوا الله وليعملوا بما جاءت به الرسل ونزلت به الكتب، هذا أمر مشترك بين الذكور والإناث والحكام والمحكومين والرؤساء والمرءوسين والجن والإنس والعرب والعجم والأغنياء والفقراء والبادية والحاضرة، فجميع الشعوب وجميع جنس الجن والإنس، كلهم مأمورون بطاعة الله ورسوله، وكلهم ما خلقوا إلا ليعبدوا الله ويعظموه ويطيعوه.
وهذه مسألة عظية هي أعظم المسائل وأهمها وهي أن نعلم يقينا أن الله خلقنا جميعا لنعبده وحده، ونطيع أمره ونهيه، ونقف عند حدوده، ونحذر ما نهى عنه عز وجل ونهى عنه رسوله صلى الله عليه وسلم، كلنا خلقنا لهذا الأمر، يقول الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات 56]. ويقول النبي صلى الله عليه وسلم: «حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا » صحيح البخاري.
ولما سئل عن الإسلام قال عليه الصلاة والسلام: «الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا » صحيح مسلم ، ولما سئل عن الإيمان قال «الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره»صحيح مسلم، ولما سئل عن الإحسان قال: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك» صحيح البخاري
وهذه الأمور مطلوبة من الجميع من الرجال والنساء على السواء عليهم جميعا أن يشهدوا أن لا إله إلا الله صدقا من قلوبهم، ويعتقدوا أنه لا معبود حق إلا الله وحده لا شريك له، سبحانه وتعالى، فيدعوه وحده، ويصلوا له وحده، ويصوموا له وحده، ويخصوه بالعبادات كلها سبحانه وتعالى، وهكذا " شهادة أن محمدا رسول الله " على الرجل والمرأة أن يشهدا جميعا أن محمد بن عبد الله بن عبد المطلب هو رسول الله حقا، أرسله الله إلى الناس عامة من الجن والإنس.
وهكذا على الجميع أن يقيموا الصلوات الخمس الظهر والعصر والمغرب والعشاء والفجر في أوقاتها، رجالا ونساءا عربا وعجما جنا وإنسا، وعليهم أن يؤدوا الزكاة المفروضة في الأموال وأن يصوموا رمضان في كل سنة، وأن يحجوا البيت الحرام مع الاستطاعة مرة في العمر، وأن يؤمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، ومعناه: الإيمان بالبعث بعد الموت والجزاء والحساب والجنة والنار، وعليهم أن يؤمنوا بالقدر خيره وشره، ومعناه: أن الله سبحانه وتعالى قدر الأشياء وعلمها وأحصاها وكتبها فآجالنا وأرزاقنا وأعمالنا كلها مكتوبة قد علمها الله وكتبها وقدرها سبحانه وتعالى، فعلينا أن نعمل بما شرع الله لنا وأن نترك ما نهانا عنه، وكل ميسر لما خلق له.وكمال الدين أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وهذا هو الإحسان.
وعلينا جميعا أن نتدبر القرآن الكريم لأن القرآن أنزل للجميع، للرجال والنساء والجن والإنس، فعلينا جميعا أن نتدبر القرآن الكريم وأن نعمل به ونتخلق بالأخلاق التي يدعو إليها. ونحذر الأخلاق التي ينهي عنها فهو كتاب الله فيه الهدى والنور أنزله الله علينا لنعمل به ونستقيم على ما فيه، فهو حبل الله المتين وصراطه المستقيم أنزله علينا جل وعلا على يد رسوله صلى الله عليه وسلم للعمل لا لمجرد التلاوة، فالتلاوة وحدها لا تكفي بل لا بد من العمل، قال جل وعلا: {وَهَذَا كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ فَاتَّبِعُوهُ وَاتَّقُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} (الأنعام 155) فجعل الرحمة في اتباع هذا القرآن العظيم.
كما يجب علينا جميعا التمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وسلم وهي: أحاديثه التي قالها أو عمل بها أو أقرها، هذه سنته صلى الله عليه وسلم إما قول وإما فعل وإما تقرير لما شاهده أو سمعه من غيره.
فعلى الرجال والنساء جميعا اتباع السنة؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال: {وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} [آل عمران 132]
ومن المسائل التي تخص الرجال أن الرجل يجب عليه أن يصلي في المسجد ويجيب النداء، كما قال صلى الله عليه وسلم: «من سمع النداء فلم يأت فلا صلاة له إلا من عذر » صحيح ابن ماجه للألباني.
أما النساء فلا يجب عليهن أن يصلين في المساجد، بل يصلين في بيوتهن، وذلك أفضل لهن؛ لأنهن عورة، والخطر في خروجهن معروف.
ومن المسائل أيضا التي يختص بها الرجال دون النساء الجهاد بالنفس فالرجل عليه أن يجاهد بنفسه وأن يحمل السلاح، والمرأة ليس عليها ذلك قالت عائشة رضي الله عنها:" يا رسول الله: نرى الجهاد أفضل الأعمال أفلا نجاهد؟ فقال عليه الصلاة والسلام: عليكنَّ جهادٌ لا قتالَ فيه؛ الحجُّ والعمرةُ » صحيح البخاري.
ومن المسائل المختصة بالرجال أن الرجل له أن ينكح أربعا من النساء، والمرأة ليس لها أن تنكح إلا رجلا واحدا، فلا تجمع بين رجلين لِحِكَمٍ ظاهرةٍ بالغةٍ.
ومن ذلك أن الرجل قد تعظم شهوته ولا تعفه المرأة الواحدة، ولأنه محتاج إلى كثرة الأولاد والنسل ولأنه قد يكون له شئون كثيرة يحتاج إلى عدة نساء يساعدنه فيها، ولأن النساء قد يحتجن إلى الرجل لعدم وجود أولياء لهن، أو لقلة الرجال بسبب الحروب والفتن فأباح الله للرجل أن يجمع بين أربع نساء فأقل، وليس للمرأة أن تجمع بين رجلين لأن في جمع المرأة بين الرجال اختلاط المياه واختلاط الأنساب وفساد الأحوال.
ومن المسائل التي اختلف فيها حكم الذكرعن الأنثى مسائل المواريث في حق الزوج والزوجة والأولاد والإخوة من الأبوين والأب فإن الزوجة تعطى نصف ما يعطاه الزوج والولد الذكر يعطى ضعف ما تعاطاه الأنثى، وهكذا الأخ من الأبوين أو الأب يعطى ضعف ما تعطاه الأخت لحكم ظاهرة يعرفها أهل العلم وكل من تأملها من ذوي البصيرة في أحوال الرجال والنساء.
والآيات الدالة على ذلك معلومة.
ومن المسائل التي تخص النساء أنه يجب عليهن ترك الصيام والصلاة في حالة الحيض والنفاس، فالصلاة لا تجب عليهن في الحيض والنفاس. لا أداء ولا قضاء.
وأما الصوم فيجب عليهن تركه حال الحيض والنفاس ثم قضاؤه بعد ذلك. والحكمة في ذلك والله أعلم أن الصلاة تتكرر في كل يوم وليلة خمس مرات، فمن رحمة الله جل وعلا أن أسقط عنها قضاء الصلاة في حال الحيض والنفاس لأن قضاءها يكلفها كثيرا .
ومن ذلك أيضا أن المرأة تعدل شهادتها نصف الرجل، فشهادة المرأتين بشهادة رجل؛ لأن الرجال في الغالب أحفظ وأضبط لما يقع، والمرأة دون ذلك في الجملة، وقد يكون بعض النساء أفضل من بعض الرجال بكثير، لكن في الجملة جنس الرجال أضبط وأحفظ وأفضل، وجنس النساء دون ذلك في الضبط والحفظ والفضل، فجعل الله شهادة المرأتين تعدل شهادة رجل واحد.
ومن المسائل المستثناه أيضا أن المرأة على نصف الرجل في الدية ، أما في القصاص فتقتل المرأة بالرجل والرجل بالمرأة قصاصا؛ لأنه صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قتل الرجل بالمرأة، وفي ذلك حكمة عظيمة منها صيانة الدماء، وحفظ أفراد المجتمع المسلم أن يتعدى بعضهم على بعض، ومن ذلك العقيقة عن المولود الذكر شاتان وعن الأنثى شاة واحدة كما صحت بذلك الأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولله في ما جاءت به الأدلة من التفرقة بين الذكر والأنثى في المسائل المذكورة وغيرها الحكمة البالغة.
والأصل في الأحكام العموم والتساوي كما تقدم، فالواجب على الرجال هو الواجب على النساء، والواجب على النساء هو الواجب على الرجال إلا في ما خصه الدليل كالمسائل المذكورة آنفا.
ووصيتي للرجال والنساء جميعا تقوى الله سبحانه وتعالى والتفقه في الدين في المدارس وغيرها من أماكن العلم، وسؤال أهل العلم عما أشكل على الرجل والمرأة من أحكام الدين، لقول الله عز وجل: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل 43] وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين "(صحيح البخاري).
ومما يجب على المسلمين جميعا الاهتمام به والتواصي به الدعوة إلى الله عز وجل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لأن ذلك من أعظم الأسباب في صلاح القلوب والمجتمعات. وظهور الفضائل.
أسأل الله بأسمائه الحسنى وصفاته العلا أن يوفقنا وجميع المسلمين لما يرضيه، وأن يسلك بنا جميعا صراطه المستقيم، وأن يرزقنا جميعا الفقه في دينه والثبات عليه.