الدرس 156 مساعدة المسلمين في البوسنة والهرسك

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 14 شوال 1443هـ | عدد الزيارات: 328 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

بسم الله والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وأصحابه ومن نصر دينه واتبع هداه

أما بعد:

فإني أهيب بجميع الحكومات والشعوب الإسلامية وبجميع الدول المحبة للسلام ونصر المظلوم بأن يمدوا المسلمين في البوسنة والهرسك وأعوانهم بما يعينهم في حرب عدوهم من الصرب وأنصارهم بالرجال والمال والسلاح والدعاء؛ لأنهم مظلومون ومعتدى عليهم، ولم تزل حكومة الصرب وأنصارها مستمرة في العدوان والظلم والتقتيل والتخريب، ولا يخفى على كل مسلم وعلى كل منصف ما في ذلك من الظلم العظيم والعواقب الوخيمة على المسلمين في البوسنة والهرسك وأعوانهم، والله سبحانه أوجب في كتابه الكريم وسنة رسوله الأمين جهاد الأعداء ونصر المظلوم فقال سبحانه: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ} (الأنفال 39) وقال تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (التوبة 41) وقال تعالى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ} (الحجرات 9) الآية.

فإذا كانت الفئة الباغية من المؤمنين يجب أن تقاتل حتى تفيء إلى أمر الله، فالفئة الباغية الكافرة أولى وأحق بأن تقاتل حتى تكفَّ عن ظلمها وعدوانها.

وقال عز وجل: {وَإِنِ اسْتَنْصَرُوكُمْ فِي الدِّينِ فَعَلَيْكُمُ النَّصْرُ إِلَّا عَلَى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ} (الأنفال 72) الآية. وهؤلاء المسلمون وأعوانهم في البوسنة والهرسك قد استنصروا بإخوانهم المسلمين، وبكل من يحب السلم والعدل.

فالواجب نصرهم والوقوف في صفهم ضد العدوان والظلم حتى تقف الحرب ويحصل الصلح بينهم وبين عدوهم، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإنه أهلك من كان قبلكم "(صحيح الأدب المفرد للألباني ) ، وفي الصحيحين عن البراء بن عازب رضي الله عنهما قال: «أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بنصر المظلوم "(ورد الحديث في صحيح البخاري بلفظ"أَمَرَنَا رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بسَبْعٍ ونَهَانَا عن سَبْعٍ: أمَرَنَا بعِيَادَةِ المَرِيضِ، واتِّبَاعِ الجِنَازَةِ، وتَشْمِيتِ العَاطِسِ، وإجَابَةِ الدَّاعِي، وإفْشَاءِ السَّلَامِ، ونَصْرِ المَظْلُومِ،"، وفي مسلم باختلاف يسير).

وفق الله المسلمين جميعا لما يرضيه، ونصر بهم الحق وأعانهم على كل ما فيه رضاه، وصلاح أمر عباده، ونصر المظلوم، وردع الظالم إنه ولي ذلك والقادر عليه

‌‌ * الأحاديث المتعلقة بالفتن والتحذير منها محمولة عند أهل العلم على الفتن التي لا يعرف فيها المحق من المبطل فهذه الفتن المشروع للمؤمن الحذر منها، وهي التي قصدها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: «القاعد فيها خير من القائم والماشي خير من الساعي » الحديث.(الحديث في الصحيحين جاء بلفظ "سَتَكُونُ فِتَنٌ القاعِدُ فيها خَيْرٌ مِنَ القائِمِ، والقائِمُ فيها خَيْرٌ مِنَ الماشِي، والماشِي فيها خَيْرٌ مِنَ السَّاعِي،"

أما الفتن التي يعرف فيها المحق من المبطل والظالم من المظلوم فليست داخلة في الأحاديث المذكورة بل قد دلت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة على وجوب نصر المحق والمظلوم على الباغي والظالم.

ومن هذا الباب ما جرى بين علي ومعاوية رضي الله عنهما. فإن المصيب عند أهل السنة هو علي وهو مجتهد وله أجران. ومعاوية ومن معه مخطئون وبغاة عليه لكنهم مجتهدون طالبون للحق فلهم أجر واحد رضي الله عن الجميع.

وأما الاستعانة ببعض الكفار في قتال الكفار عند الحاجة أو الضرورة فالصواب أنه لا حرج في ذلك إذا رأى ولي الأمر الاستعانة بأفراد منهم، أو دولة في قتال الدولة المعتدية لصد عدوانها عملا بالأدلة كلها. فعند عدم الحاجة والضرورة لا يستعان بهم، وعند الحاجة والضرورة يستعان بهم على وجه ينفع المسلمين ولا يضرهم، وفي هذا جمع بين الأدلة الشرعية؛ لأنه صلى الله عليه وسلم استعان بالمطعم بن عدي لما رجع من الطائف ودخل في مكة بجواره، واستعان بعبد الله بن أريقط الديلي ليدله على طريق المدينة وكلاهما مشرك، وسمح للمهاجرين من المسلمين بالهجرة إلى الحبشة مع كونها دولة نصرانية لما في ذلك من المصلحة للمسلمين وبعدهم عن أذى قومهم من أهل مكة من الكفار.

* مما يجب التنبيه عليه أن بعض الناس قد يظن أن الاستعانة بأهل الشرك تعتبر موالاة لهم، وليس الأمر كذلك فالاستعانة شيء والموالاة شيء آخر. فلم يكن النبي صلى الله عليه وسلم حين استعان بالمطعم بن عدي، أو بعبد الله بن أريقط، أو بيهود خيبر مواليا لأهل الشرك، ولا متخذا لهم بطانة، وإنما فعل ذلك للحاجة إليهم واستخدامهم في أمور تنفع المسلمين ولا تضرهم.

وهكذا بعثه المهاجرين من مكة إلى بلاد الحبشة ليس ذلك موالاة للنصارى، وإنما فعل ذلك لمصلحة المسلمين وتخفيف الشر عنهم. فيجب على المسلم أن يفرق ما فرق الله بينه، وأن ينزل الأدلة منازلها، والله سبحانه هو الموفق والهادي لا إله غيره ولا رب سواه.

وأسأل الله عز وجل أن يمنحنا وإياكم الفقه في الدين والثبات عليه والدعوة إليه على بصيرة، وأن يعيذنا وإياكم وسائر إخواننا من مضلات الفتن إنه سميع قريب

‌‌ * إن الجهاد في سبيل الله من أفضل القربات، ومن أعظم الطاعات، بل هو أفضل ما تقرب به المتقربون وتنافس فيه المتنافسون بعد الفرائض، وما ذاك إلا لما يترتب عليه من نصر المؤمنين وإعلاء كلمة الدين، وقمع الكافرين والمنافقين، وتسهيل انتشار الدعوة الإسلامية بين العالمين، وإخراج العباد من الظلمات إلى النور، ونشر محاسن الإسلام وأحكامه العادلة بين الخلق أجمعين، وغير ذلك من المصالح الكثيرة والعواقب الحميدة للمسلمين، وقد ورد في فضله وفضل المجاهدين من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية ما يحفز الهمم العالية، ويحرك كوامن النفوس إلى المشاركة في هذا السبيل، والصدق في جهاد أعداء رب العالمين، وهو فرض كفاية على المسلمين إذا قام به من يكفي سقط عن الباقين، وقد يكون في بعض الأحيان من الفرائض العينية التي لا يجوز للمسلم التخلف عنها إلا بعذر شرعي كما لو استنفره الإمام، أو حاصر بلده العدو، أو كان حاضرا بين الصفين.

والأدلة على ذلك من الكتاب والسنة معلومة، ومما ورد في فضل الجهاد والمجاهدين من الكتاب المبين قوله تعالى: {انْفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ} (التوبة 41) {لَوْ كَانَ عَرَضًا قَرِيبًا وَسَفَرًا قَاصِدًا لَاتَّبَعُوكَ وَلَكِنْ بَعُدَتْ عَلَيْهِمُ الشُّقَّةُ وَسَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَوِ اسْتَطَعْنَا لَخَرَجْنَا مَعَكُمْ يُهْلِكُونَ أَنْفُسَهُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ} (التوبة 42) {عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ} (التوبة 43)

والآيات في فضل الجهاد والترغيب فيه وبيان فضل المجاهدين كثيرة جدا.

أما الأحاديث الواردة في فضل الجهاد والمجاهدين والتحذير من تركه والإعراض عنه فهي أكثر من أن تنحصر وأشهر من أن تذكر، ولكن نذكر منها طرفا يسيرا ليعلم المجاهد الصادق شيئا مما قاله نبيه ورسوله الكريم عليه من ربه أفضل الصلاة والتسليم في فضل الجهاد ومنزلة أهله.

ففي الصحيحين عن سهل بن سعد - رضي الله عنه - قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رباط يوم في سبيل الله خير من الدنيا وما عليها وموضع سوط أحدكم من الجنة خير من الدنيا وما عليها والروحة يروحها العبد في سبيل الله أو الغدوة خير من الدنيا وما عليها "(صحيح البخاري) ، وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المجاهد في سبيل الله - والله أعلم بمن يجاهد في سبيله - كمثل الصائم القائم وتكفل الله للمجاهد في سبيله إن توفاه أن يدخله الجنة أو يرجعه سالما مع أجر أو غنيمة " » أخرجه مسلم في صحيحه،

ومن الجهاد في سبيل الله ما يقوم به المسلمون اليوم من قتال عدو الله حاكم العراق لظلمه وعدوانه باجتياحه دولة الكويت، وسفك دماء الأبرياء، ونهب أموالهم، وهتك الأعراض، وامتناعه من الفيئة بإخراج جيشه من البلد. ولا شك أن جهاده من أعظم الجهاد في سبيل الله، وأن ذلك واجب على الدول الإسلامية لإنقاذ إخوانهم من ظلمه ورد بلادهم إليهم وإخراجه من بلادهم بالقوة، لإصراره على الظلم والعدوان وعدم فيئته إلى الحق والخروج من الظلم لقول الله عز وجل: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} (الحجرات 9)

فأمر سبحانه في هذه الآية الكريمة بقتال الفئة الباغية من المؤمنين حتى تفيء إلى أمر الله، فإذا كانت الفئة الباغية من المؤمنين تقاتل حتى تفيء إلى الحق فقتال الفئة الباغية من غير المؤمنين كحاكم العراق وأشباهه أعظم وأوجب، وبذلك يعلم أن جهاده جهاد إسلامي عظيم والمقتول فيه من المسلمين يعد شهيدا وله أجر عظيم إذا أصلح الله نيته، ولا يضرهم في ذلك من ساعدهم من الدول غير الإسلامية لكونهم مضطرين إليهم؛ ولأنها مساعدة في ردع الظالم الكافر ونصر المظلوم، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر (صحيح البخاري عن أبي هريرة)

والله سبحانه ولي التوفيق.

14 شوال ١٤٤٣ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر