الدرس 155 رسالة إلى المجاهدين الأفغان

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 13 شوال 1443هـ | عدد الزيارات: 304 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

أيها القادة المجاهدون في بلاد الأفغان، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته أما بعد:

فقد أنعم الله عليكم سبحانه بالنصر على الأعداء، ومكن لكم في البلاد بعد جهاد طويل وتعب كثير. فالواجب عليكم شكر الله على ذلك والتعاون على البر والتقوى وتحكيم شرع الله في نفوسكم وفي كل أعمالكم وفي شعبكم، أما القتال فيما بينكم فذلك من أكبر المصائب ومن أعظم الكبائر التي يجب عليكم تركها، وفي الاستمرار فيها فرحة الأعداء وسوء العاقبة. فاتقوا الله وأمسكوا عن القتال وحلوا مشاكلكم بالوسائل السلمية والحكم الشرعي، وأنصحكم بتشكيل لجنة من العلماء بشرع الله سبحانه للحكم بينكم في ذلك إن لم يتيسر الصلح والإمساك عن القتال والاتفاق على ما فيه صلاح الجميع وإقامة شرع الله بين عباده. قال عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا} (النساء 59) وقال سبحانه: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} (النساء 65)

فاتقوا الله أيها الإخوة في الله واستجيبوا للحق، واحذروا الاستمرار فيما يضركم ويشمت الأعداء بكم، والله المسئول أن يجمع قلوبكم على التقوى، وأن يصلح ذات بينكم، وأن يوفقكم لما فيه صلاحكم وصلاح بلادكم وجمع كلمتكم على الحق، والسلامة من مكائد الأعداء إنه ولي ذلك والقادر عليه .

* أيها الإخوان المجاهدون؛ لقد سُرَّ المسلمون جميعا بنبأ افتتاحكم العاصمة الأفغانية " كابل " واستيلاؤكم على مقاليد الحكم فيها فالحمد لله على ذلك، وإنها لنعمة عظيمة وفضل عظيم عليكم وعلى المسلمين، فالواجب عليكم شكر هذه النعمة والحفاظ عليها، والحذر من جميع أسباب الفشل والفرقة عملا بقول الله سبحانه: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (آل عمران 103) وقوله عز وجل: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} (الأنفال 45)

أيها الإخوة في الله لقد جاهدتم جهادا عظيما وصبرتم كثيرا، وضحيتم في سبيل ذلك بما لا يحصيه إلا الله من الأنفس والأموال فاتقوا الله في جهادكم وفي أنفسكم وفي شعبكم وفي المسلمين عامة أن تفرطوا في هذا الجهاد، وأن تفرحوا الأعداء عليكم بالاختلاف والنزاع، وابذلوا كلما استطعتم من الجهود في جمع الكلمة وتوحيد الصف والقضاء على أسباب الخلاف بالوسائل السلمية، وتحكيم الشريعة في كل شيء والحذر من مكائد الأعداء وأطماعهم، وأبشروا بالأجر العظيم والعاقبة الحميدة إذا أخلصتم لله وبذلتم الوسع في جمع الكلمة والتعاون على البر والتقوى، ونبذ أسباب الخلاف قال الله عز وجل: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لَا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (آل عمران 25) وقال سبحانه: {فَاصْبِرْ إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ} (هود 49) وقال عز وجل: {وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (الحج 40)لَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} (الحج 41) وقال سبحانه: {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} (الروم 47)

والله المسئول بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يصلح قلوبكم وأعمالكم وأن يجمع كلمتكم على الحق، وأن يحسن لكم ولشعبكم ولجميع المسلمين العاقبة وأن يعيذكم وجميع المسلمين من أسباب الفتنة والاختلاف ومكائد الأعداء، وأن يصلح لكم النيات والأقوال والأعمال إنه جواد كريم.

* الاعتداء على المسجد البابري في الهند وتهديمه جريمة عظيمة: تناقلت وكالات الأنباء العالمية والإسلامية هذه الحادثة النكراء، والجريمة الشنعاء الموجهة ضد الإسلام والمسلمين ومقدساتهم التي جرت في مدينة أيوديا الهندية، وهي قيام جماعة من الهندوس بهدم مسجد البابري.

ونحن من حين سمعنا هذا الخبر المؤلم، والتصرف المشين والعمل الإجرامي الأثيم نشجب هذا الحادث الشنيع ونستنكره وندينه بشدة، ونعتبر أن ما حدث للمسجد البابري من اعتداء وتهديم جريمة عظمى بكل المقاييس، إذ هو إساءة للإسلام والمسلمين ومقدساتهم الإسلامية، وإن الحكومة الهندية مطالبة بمعاقبة مرتكبي هذه الكارثة المؤلمة، وإعادة بناء المسجد، وإيقاف مثل هذه الجرائم المنكرة من قبل الهندوس والموجهة ضد الإسلام وأهله ومقدساته؛ لأنها إذا لم تتدخل الحكومة الهندية في مثل هذه الحالات بالعقوبات الصارمة فلا يستبعد قيام الهندوس المتطرفين بمزيد من الأعمال الإجرامية ضد المسلمين ومساجدهم في الهند، خصوصا بعد تصميم الهندوس المتعصبين على عمل مثل هذه الفوضى الغوغائية، وهدم المسجد البابري على مرأى ومسمع من الحكومة الهندية، كما أن على الحكومة الهندية أيضا: احترام الإسلام وأهله في الهند، وإيجاد المناخ المناسب للمسلمين، واحترام مقدساتهم وحمايتهم من أذى المتطرفين بكل قوة وعناية.

والله المسئول أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان، وأن يمنحهم الفقه في الدين، وأن يجمع كلمتهم على الحق، وأن ينصرهم على أعدائهم في كل مكان.

* وجوب العناية بالإخوة المسلمين أفرادا وجماعات: يقول الله سبحانه وتعالى: {وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (المائدة 2) ويقول سبحانه: {لَنْ تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ} (آل عمران 92) ويقول سبحانه: {آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ} (الحديد 7)

وفي الحديث الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم مثل الجسد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى "(صحيح الجامع للألباني) ويقول عليه الصلاة والسلام: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وشبك بين أصابعه "(صحيح البخاري بلفظ"ثم شبك ...") .

هذه الأدلة وغيرها من الكتاب والسنة تدعونا إلى العناية والاهتمام بإخواننا المسلمين أفرادا وجماعات في كل بقاع الأرض وتفقد أحوالهم، ومعرفة واقعهم، وتحسس آلامهم، ورصد احتياجاتهم، ومعرفة مطالبهم، ثم العمل على مساعدتهم كل بحسب استطاعته، مع العناية بتقديم الأهم على المهم وهكذا.

أيها الإخوان: لا يخفى عليكم ما يعانيه الكثير من إخوانكم المسلمين في سائر بلاد الله من فقر وجهل وبؤس وحرمان وبطالة ومرض وجهل بأحكام الدين مما يوجب التعاون ومضاعفة الجهد لحماية الإنسان المسلم، وإنقاذه من أسباب الهلاك.

وقد وعد الله المنفقين بالخلف في الدنيا وفي الآخرة. قال تعالى: {وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ} (سبأ 39) وقال {وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا} (المزمل 20)

والله المسئول أن يوفقنا وإياكم لما يرضيه، وأن يمنحكم إصابة الحق في القول والعمل، وأن يعينكم على كل ما فيه إيصال الخير لمستحقيه، وأن يضاعف الأجر لنا ولكم ، وأن يتقبل من الجميع إنه جواد كريم.

١٣ شوال ١٤٤٣ هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 140 الجزء الرابع ‌‌أهمية العلم في محاربة الأفكار الهدامة. - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر