الدرس 156: باب السَّلم 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 19 ربيع الأول 1439هـ | عدد الزيارات: 1398 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قول المؤلف رحمه الله (والأسطال الضيقة الرؤوس) الأسطال جمع سطل، وهو معروف، والأسطال بعضها ضيق الرأس بمعنى أن أسفلها أوسع، وبعضها بالعكس أعلاها أوسع، وبعضها متساوٍ أعلاها وأسفلها، أما التي تساوى أعلاها وأسفلها فالسلم فيها جائز، لأنها تنضبط بالصفة وليس فيها غرر، وأما ضيقة الرؤوس فلا يصح السلم فيها لعدم انضباطها؛ لأنه قد يكون رأسها ضيقاً والنسبة بينه وبين أسفلها العشر مثلاً وقد يكون الربع، فهي مختلفة فلا يصح السلم فيها لعدم انضباطها

إلا إذا كانت الصناعة بالآلات فيمكن انضباطها، أما التي باليد فلا

قوله (والجواهر) وهي ما يلقط من البحر، ولا يمكن أن يسلم فيها؛ لعدم انضباطها؛ لأن من الجواهر ما يصل إلى الآلاف، ومنها ما لا يساوي العشرات؛ ولذلك لا تباع بالصفة، لعدم انضباطها، بل بالمعاينة

قوله (والحامل من الحيوان) فلا يمكن السلم فيه؛ لأنه يندر جداً أن تجد حاملاً يمكن ضبط صفاتها مع حملها، وإن أطلقت فهذا فيه غرر؛ لأن هناك فرقاً بين الحامل الكبير حملها والحامل الصغير حملها

وعلم من قوله (والحامل من الحيوان) والذي يتعذر السلم فيه أنه يصح السلم في الحيوان؛ لأنه يمكن انضباط صفاته، ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما (أن يأخذ على إبل الصدقة البعير بالبعيرين والبعيرين بالثلاثة) أخرجه أحمد وحسنه الألباني

وهذا عكس السلم، لكن يدل على جواز بيع الحيوان بالصفة

قوله (وكل مغشوش) لا يصح السلم فيه، وهذا يقال فيما سبق، فإنه كانت توجد فضة مغشوشة وذهب مغشوش، ولا يعلم قدر الغش، أما الآن فإن قدر الغش معلوم يحكم عليه بأدق ما يكون، فيقال هذا الذهب من عيار كذا، وهذا من عيار كذا، وهذه الفضة فيها غش ونسبته كذا، لكن إذا وجد مغشوشات أخرى لا يمكن انضباطها فلا يصح السلم فيها

قوله (وما يجمع أخلاطاً غير متميزة كالغالية) الغالية أنواع من الطيب تخلط وتجمع، وكذلك ما يجمع من الأدوية أخلاطاً غير متميزة، قالوا لا يصح السلم فيه؛ لأن الخلط غير المتميز مجهول، والمجهول لا يصح

وعلم من كلامه أنه إذا كانت متميزة فلا بأس، مثل أن يقال هذه الأخلاط عشرة في المائة من كذا، وعشرة في المائة من كذا، فهنا تكون متميزة، وكذلك لو تميزت بالرؤية لا بالنسبة، فتظهر حبات وما أشبه ذلك، غير أن البيع بالصفة أضيق من البيع بالرؤية

قوله (والمعاجين فلا يصح السلم فيه) المعاجين يستعملها الناس للمرضى، لا يصح السلم فيها لعلة الجهل؛ لأننا لا ندري ما قدر المخلوط في هذه المعاجين من هذا النوع ومن هذا النوع، فلا يصح السلم فيه على قول المؤلف، والصحيح أنه يصح السلم فيها؛ لأنه وإن كانت النسبة مجهولة لكنها قليلة والغرض من ذلك منفعتها

قوله (ويصح في الحيوان) هذا مطلق، فيشمل أي حيوان من إبل أو بقر أو غنم أو حُمر أو ظباء أو أرانب، والدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم استسلف من رجل بَكْراً. رواه مسلم أي: اقترض، وكان عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قد أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يجهز جيشاً فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ على إبل الصدقة البعير بالبعيرين والبعيرين بالثلاثة. حسنه الألباني، فهذا دليل على جواز السلم في الحيوان، لكن لا بد من ضبطه، فيقال: ثني أو رباع أو جذع، سمين، ضعيف، متوسط، فلا بد أن يضبط، بكل وصف يختلف به الثمن

قوله (والثياب المنسوجة من نوعين) يصح السلم فيها مثل الخز منسوج من الحرير ومن القطن أو من الصوف، فيصح؛ لأن هذا معلوم وينضبط بالصفة فيصح السلم فيها

قوله (وما خلْطه غير مقصود كالجبن) الجبن فيه خلط وهو الإنفحة، وهذه الإنفحة توضع في اللبن فيكون جبناً

والإنفحة هي التي تكون في معدة الرضيع، الذي رضع أول مرة ثم ذُبح، فهذا الذي في معدته جُبن يجبِن الأشياء، فلو وضعت منه شيئاً قليلاً في ماء وجدته يجمد، فهذا الجبن نقول: لا بأس به؛ لأن ما خلط فيه من الإنفحة غير مقصود

وقوله (وخل التمر) أي الماء الذي يوضع فيه التمر ليكون خلاً فيصح السلم فيه، مع أن التمر غير معلوم لكنه غير مقصود، فالذي اشترى خل التمر إنما أراد الشراب (الخل) ولم يرد التمر، وقد يكون هناك فرق بين ما إذا كان التمر كثيراً فيزداد حلاوة، أو قليلاً فتنقص حلاوته

قوله (والسكنجبين) ليست من كلام العرب، وهو مركب من السكر والخل ونحوه، وهو نوع من الشراب، فما خلْطه غير مقصود ومثله الخبز فيه الملح غير مقصود، فنأخذ بالضابط

قوله (ونحوها) يعني فهذه السلم فيها صحيح؛ لأن خلطها غير مقصود

قوله (الثاني) أي: من شروط السلم

قوله (ذكر الجنس والنوع) لا بد من معرفة الفرق بين هذه الأمور الثلاثة: الجنس والنوع والواحد بالعين

الجنس: ما له اسم خاص يشمل أنواعاً

والنوع: واحد الجنس

والواحد بالعين: واحد النوع

فالحب جنس، والبر نوع، وزنبيل من البر واحد بالعين

ففي السلم لا بد من أن نذكر الجنس والنوع، فإذا أسلمت إليك في بر وقلت هذه مائة ريال بمائة صاع بر توفيني إياه بعد سنة، فإن ذلك لا يكفي؛ لأنك لم تذكر الجنس، بل لا بد أن تقول أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع حب بر

حبُ هذا جنس، وبر هذا نوع، هذا قول المؤلف

والصواب لا يشترط ذكر الجنس؛ لأن ذكر النوع كاف، إذ أن من ذكر النوع فقد ذكر الجنس؛ لأن النوع أخص، والأخص يدخل في الأعم، وهو ظاهر المذهب

فيكفي أن نقول أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع سلاطين فيكفي عن قول تمر سلاطين

قوله (وكل وصف يختلف به الثمن ظاهراً) فمثلاً إذا كان ذا ألوان فتقول: أبيض، أو أحمر، أو أسود، وكذلك إذا كان النسج في الثياب مختلفا، يذكر الوصف الذي يختلف به الثمن اختلافاً ظاهراً

أما الاختلاف اليسير فإنه يعفى عنه؛ لأنه قل أن ينضبط الموصوف على وجه لا اختلاف فيه إطلاقاً

ولهذا قال الإمام أحمد رحمه الله كل سلم يختلف لا بد؛ لأنه مهما كان الإنسان في دقة الوصف لا يمكن أن يدرك كل الأوصاف، فمثلاً نسلم في سيارة فنحتاج إلى ذكر اللون؛ لأن الثمن يختلف به، ونذكر الموديل؛ لأن الثمن يختلف به، وهل هي غمارة أم غمارتين

ومما لا يختلف فيه الثمن مثلاً المسجل، فالسيارات تختلف فيه كأن يكون في بعض السيارات بالوسط، وفي البعض الآخر إلى جانب السائق، وكذلك الحال في الساعة، بعضها تكون مثلاً فوق، وبعضها أسفل، وبعضها مائلة للجانب الأيمن، وبعضها مائلة إلى الجانب الأيسر، فهذه الأوصاف لا نذكرها؛ لأنها ليست ذات أهمية، ولا يرفع الإنسان بها رأساً

قوله (وحداثته وقِدمه) يعني لا بد أن يذكر أنه جديد أو أنه قديم وهذا حق لا بد منه؛ لأن الثمن يختلف اختلافاً ظاهراً بين الجديد والقديم، فلا بد أن نقول في التمر؛ من تمر هذا العام، أو من تمر العام الماضي؛ ولا بد أن تذكر الجودة والرداءة؛ لأن الثمن بموجبها يختلف

قوله (ولا يصح شرط الأردأ والأجود) أي لو قال من أجود ما يكون أو أردأ ما يكون، يقولون: لا يصح

مثاله: أسلمت إليك مائة ريال بمائة صاع حنطة أجود ما يكون، يقول المؤلف لا يصح؛ لأنه ما من جيد إلا ويوجد أجود منه، وأجود ما يكون في هذا البلد قد يكون أردأ ما يكون في البلد الآخر

والصحيح أنه يصح شرط الأردأ دون الأجود بأن يشترطه المسلَم إليه، فإذا اشترط البائع الذي هو المسلَم إليه أنه أردأ ما يكون ورضي المسلم، وقال نجري العقد على أردأ ما يكون صح، وهذا هو القول الصحيح؛ لأنه إذا قال أردأ، وقال هذا أردأ ما يكون، وقبِل المسلِم فالحق له، إذ أن المسلِم لا يمكن أن يقول للمسلَم إليه: اذهب فابحث عن أردأ من هذا، وإلا لا أقبل

اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من الأقوال والأعمال يا حي يا قيوم، اللهم أصلح له بطانته يا ذا الجلال والإكرام

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

19-03-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة