الدرس 140 أخلاق المؤمنين والمؤمنات

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 27 جمادى الآخرة 1443هـ | عدد الزيارات: 349 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

بسم الله الرحمن الرحيم والعاقبة للمتقين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله وأمينه على وحيه نبينا وإمامنا وسيدنا محمد بن عبد الله أفضل الدعاة إلى سبيل الله، وعلى آله وأصحابه ومن سلك سبيله واهتدى بهديه إلى يوم الدين. أما بعد:

أيها الإخوة والأخوات في الله؛ بيَّنَ اللهُ سبحانه في كتابه الكريم في مواضع كثيرةً من القرآن أخلاقَ المؤمنين والمؤمنات، وكررها كثيرا ليعلمها المؤمن فيأخذ بها ويستقيم عليها ولتعلمْها المؤمنة فتأخذ بها وتستقيم عليها، ومن جملة الآيات وأجمعها في ذلك قولُ الله سبحانه وتعالى: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (التوبة 71)

ثم ذكر بعد ذلك جزاءهم في الآخرة فقال: {وَعَدَ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ} (التوبة 72 ) هذا جزاؤهم في الآخرة

فجميع، المؤمنين والمؤمنات من جميع الطبقات إذا آمنوا بالله ورسوله كلهم داخلون في هذه الآية وهي قوله سبحانه: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ} (التوبة 71) يعني كل واحد ولي أخيه وأخته في الله وكل مؤمنة ولية أخيها في الله وأختها في الله بالتناصح والتواصي بالحق وأداء الأمانة وصدق الحديث وعدم الغش في المعاملة إلى غير ذلك وبذلك يفوز بما وعد الله به المؤمنين إذا استكمل هذه الصفات العظيمة.

ثم ذكر الله بعد ذلك الصلاة والزكاة فقال سبحانه: {وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ} (التوبة 71) يعني أنهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون الصلاة ويحافظون عليها كما أمرهم الله في أوقاتها ، فالصلاة عمود الإسلام وركنه الأعظم بعد الشهادتين، يجب على كل مؤمن ومؤمنة أن يعتنيا بها بالطمأنينة والخشوع وأدائها كاملةً مع التعاون بين المؤمن وأهله وجيرانه وغيرهم في المحافظة عليها، وهكذا المرأة مع أهلها ومع زوجها ومع أمها ومع إخوانها ومع بناتها ومع غيرهم في المحافظة والتواصي والتناصح.

يقول سبحانه وتعالى: {وَالْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ* إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} .

وهكذا الزكاة حق المال يتعاونون على أدائها ويتناصحون في أدائها، فالمؤمن يطيع اللهَ ورسولَه في كل شيء، ومن أسباب ذلك ووسائله العناية بالقرآن الكريم وتدبر معانيه فإن هذا من أعظم الأسباب في تقوى الله وصلاح القلوب وأن تؤدي حق الله وحق عباده.

وأوصي الجميع بتقوى الله والاستقامةِ على دينه، والتواصي بطاعة الله ورسوله في جميع الأحوال ، عليك أن تتقي الله وأن تحاسب نفسك وأن تصونها عن محارم الله وأن تلزمها بحق الله، وقد وعد الله سبحانه عباده على هذا بالرحمة فقال سبحانه: {أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ} (التوبة71).

ومن المهمات التفقه في الدين فإن المؤمن والمؤمنة مأموران بالتفقه في الدين والتعلم، وهذا من الإيمان بالله ورسوله. يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «من يرد الله به خيرا يفقهه في الدين (صحيح البخاري عن عثمان بن عفان) » ، ويقول صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقا يلتمس فيه علما سهل الله له به طريقا إلى الجنة »(ورد في صحيح أبي داود للألباني بلفظ "من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا ، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ ") ، ومتى صدق العبد مع الله واجتهد وأخلص لله يسر الله أمره وفقهه في الدين وعلمه ما جهل وأعانه على الخير كما قال سبحانه: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} (الطلاق 2،3)

* الله سبحانه وتعالى بين الآداب الإسلامية وأوضَحها في كتابه الكريم، وبيَّنها لنا الرسولُ عليه الصلاة والسلام في سنته المطهرة. فالمؤمن عليه أن يتأدب بالآداب الشرعية في أقواله وأعماله وعباداته وسائر تصرفاته الأخرى. ولا بد أن يلتزم بهذه الآداب الإسلامية التي تقربه من الله سبحانه وتعالى ومن جنته وتباعده من أسباب غضبه وعقابه - وعلى المسلم أن يتدبر القرآن الكريم ويعرف مواضع المدح والذم ويتبين معاني الآيات الكريمة ويأخذ منها الآداب الإسلامية التي ينبغي أن يتبعها، ويترك كل ما ذمَّه الله سبحانه وتعالى ويترفعَ عنه - كما أنه يجب على المسلم أن يخاف الله في جميع أعماله وعباداتِه، ومعاملاته، والخوفُ من الله يكون في كل وقت وفي كل مكان وزمان - فإذا خاف المسلم الله خوفا حقيقيا لم يقدم على أي معصية، بل يجتهد في عباداته لله راغبًا في جنته مبتعدا عن أعمال أهل النار.

ومما يجب الحذر منه ما قد وقع في كثير من بلاد المسلمين من الغلو في أصحاب القبور ودعائهم والاستغاثة بهم وسؤالهم شفاءَ المرضى والنصر على الأعداء إلى غير ذلك من أنواع العبادة، ولا شك أن هذا شرك كبر واتخاذٌ لأصحاب القبور آلهة مع الله. فالواجب الحذر من ذلك والتحذير منه - وقد أخبر الله في كتابه الكريم أن هذا هو دين المشركين الأولين فقال سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} (يونس18) ، وقال سبحانه: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} (الزمر2، 3)

هنا يأتي دور الآداب الإسلامية التي تنهى عن مثل هذه الأعمال وتدعو إلى عبادة الله وحده والاستقامة على أوامره وترك نواهيه والسير على منهج رسوله وأصحابه رضي الله عنهم.

وأوصي الجميع أن يتدبروا القرآن الكريم، ويحفظوه أو ما تيسر منه، ويكثروا من تلاوته، ويخصصوا لذلك جزءا من أوقاتهم - كذلك أوصيهم بدراسة السنة النبوية المطهرة، وقراءة السيرة النبوية وحياة الصحابة والتابعين للاستفادة من ذلك والعمل بمقتضاه، كما أنني أوصي إخواني المسلمين جميعا أن يتفقهوا في الدين وأن يسألوا أهل العلم المعروفين بحسن العقيدة والسيرة عما أُشْكِلَ عليهم. والمسلم يجب عليه أن يستفيد من أهل العلم ويسألهم عما أشكل عليه مبتغيا في ذلك مرضاة الله سبحانه وتعالى عملا بقول الله : {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (الأنبياء 7) .

والله المسئول أن يصلح قلوبَنا وأعمالَنا جميعا وأن يرزقنا الاستقامةَ على دينه والتأدب بالآداب التي شرعها وأرشد إليها رسوله صلى الله عليه وسلم، .

وبالله التوفيق .

1443/6/27هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
 الدرس 146 الجزء الرابع  الاستسلام لشرع الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 145 الجزء الرابع: وجوب طاعة الله ورسوله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 144  الجزء الرابع الحلف بغير الله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 143 الجزء الرابع تأويل الصفات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 142 الجزء الرابع التحدث بالنعم والنهي عن الإسراف - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 141 الجزء الرابع ‌‌أخلاق أهل العلم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر