الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد 
قول المصنف :" باب من سب الدهر فقد آذى الله " 
أراد المؤلف بهذه الترجمة بيان أن سب الدهر وغيره من المعاصي  التي تنافي كمال التوحيد؛ لأن الدهر مخلوق مدبر ليس في يده التصرف وهو مدبر من الله تعالى ، وهو الليل والنهار ، فسبه إيذاء لله ، والله لا يضره شيء. 
قوله:" قال الله تعالى:" وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ   "(الجاثية 24)، قال ابن كثير :" يخبر تعالى عن قول الدهرية من الكفار ومن وافقهم من مشركي العرب في إنكار المعاد، "وَقَالُوا مَا هِيَ إِلَّا حَيَاتُنَا الدُّنْيَا"، قال ابن جرير : أي ما حياة إلا حياتنا التي نحن فيها لا حياة سواها تكذيبا منهم بالبعث بعد الموت ، "نَمُوتُ وَنَحْيَا" قال ابن كثير : أي يموت قوم ويعيش آخرون وما ثمَّ معاد ولا قيامة ، وهذا يقوله مشركوالعرب. 
"وَمَا يُهْلِكُنَا إِلَّا الدَّهْرُ ۚ" قال ابن جرير : أي ما يهلكنا فيفنينا إلا مر الليالي والأيام ، إنكارا منهم أن يكون لهم رب يفنيهم ويهلكهم. 
وفي الصحيح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "قال الله  تعالى    يؤذيني ابن آدم يسب الدهر، وأنا الدهر    أقلب الليل والنهار" (قلت : الحديث أخرجه البخاري عن أبي هريرة بهذا اللفظ" قالَ اللَّهُ عزَّ وجلَّ: يُؤْذِينِي ابنُ آدَمَ؛ يَسُبُّ الدَّهْرَ، وأنا الدَّهْرُ، بيَدِي الأمْرُ، أُقَلِّبُ اللَّيْلَ والنَّهارَ.") وفي رواية: "لا تَسُبُّوا الدَّهرَ؛ فإنَّ اللهَ هو الدَّهرُ." (قلت: أخرجه أحمد في المسند وصححه شعيب الأرناؤوط) 
قال الشافعي في تأويله :" إن العرب كان من شأنها أن تذم الدهر وتسبه عند المصائب التي تنزل بهم من موت أوهرم أو تلف أو غير ذلك ، فيقولون إنما يهلكنا الدهر ، وهو الليل والنهار ، ويقولون : أصابتهم قوارع الدهر ، وأبادهم الدهر فيجعلون الليل والنهار يفعلان الأشياء فيذمون الدهر بأنه  الذي يفنيهم ويفعل بهم ، فقال صلى الله عليه وسلم :" لا تَسُبُّوا الدَّهرَ" على أنه الذي يفنيكم ، فإنكم إذا سببتم فاعل هذه الأشياء فإنكم تسبون الله تبارك وتعالى " انتهى 
فمن يعتقد الدهر هو الفاعل فيسبه لذلك فهؤلاء هم الدهرية ، والحديث صريح في النهي عن سب الدهر مطلقا ، سواء اعتقد أنه فاعل أو لم يعتقد ذلك ، قال ابن القيم :"وفي هذا ثلاث مفاسد عظيمة الأولى: سبه من ليس أهلا للسب ، فإن الدهر خلق مسخر من خلق الله منقاد لأمره متذلل لتسخيره ، 
الثانية : أن سبه متضمن للشرك ،فإنه إنما سبه لظنه أنه يضر وينفع .
الثالثة : أن السب منهم إنما يقع على من فعل هذه الأفعال التي "لَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَن فِيهِنَّ ۚ ".(المؤمنون71)
قوله "وأنا الدَّهْرُ" قال الخطابي : معناه أنا صاحب الدهر ، ومدبر الأمور التي ينسبونها إلى الدهر 
 قول المصنف فيه مسائل :
الأولى : النهي عن سب الدهر ، لقوله "لا تسبوا الدهر" 
الثانية : تسميته أذى الله ، تؤخذ من قوله "يؤذيني ابن آدم" 
الثالثة: التأمل في قوله :" فإن الله هو الدهر"، معناه أن الله مقلب الدهرومصرفه.
الرابعة: أنه قد يكون سابّاً ولو لم يقصده  بقلبه، تؤخذ من قوله :" يؤذيني ابن آدم يسب الدهر"
وبالله التوفيق
وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
1434/5/26هـ