الدرس 134 الأمراء والعلماء يطاعون في المعروف

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 27 ربيع الأول 1443هـ | عدد الزيارات: 323 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

يجب طاعة ولاة الأمر في المعروف وبهذه الطاعة تستقيم أمور الأمة ويحصل الأمن والاستقرار ويأمن الناس من الفتنة ، والمراد بولاة الأمر هم العلماء والأمراء والحكام ذوو السلطان ، وطاعتهم تكون في المعروف وليس في معصية الله عز وجل، والحاكم الذي يأمر بالمعصية لا يطاع في هذه المعصية دون أن يكون للرعية حق الخروج على الإمام بسبب ذلك .

ويجوز الخروج على الحاكم - والتي ضبطها الشرع الكريم - بوجود الرعية من الحكام كفراً بواحاً عندهم من الله فيه برهان مع القدرة والاستطاعة على التغيير ، فإن عدموا القدرة لعجزهم فليس لهم الخروج ولو رأوا كفراً بواحاً ، لأن خروجهم فيه فساد للأمة ويضر الناس ويوجب الفتنة وهو ما يتعارض ودوافع الخروج الشرعي وهو الإصلاح ومنفعة الناس والأمة وفي هذه الحالة تكتفي الرعية ببذل النصح والكلام بالحق والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وبهذا تبرأ الذمة .

والقوانين إذا كانت توافق الشرع فلا بأس بها مثل قوانين الطرق وغيرها من الأشياء التي فيها نفع للناس وليس فيها مخالفة للشرع ، أما القوانين التي فيها مخالفة صريحة للشرع فلا ، ومن استحلها مخالفة لما أجمع عليه العلماء فقد كفر ، وعن كيفية التعامل مع أمثال هؤلاء المستحلين للقوانين المخالفة للشريعة من الحكام فنطيعهم في المعروف وليس في المعصية حتى يأتي الله بالبديل .
الجماعة التي يجب اتباعها هي الجماعة التي تسير على منهج الكتاب والسنة وهو ما كان عليه محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ، وكل جماعة من الجماعات الموجودة لديها حق وباطل وهؤلاء يطاعون في الحق وهو ما قام عليه الدليل من الكتاب والسنة وما خالف الدليل يُرد عليهم ويقال لهم أخطأتم في هذا ، وعلى أهل العلم واجباً عظيماً ودوراً كبيراً في هذا المجال وهو بيان الحق والرد على هذه الجماعات فيما أخطأت فيه ممن يعرفون تفاصيل هذه الجماعات .
فهذه الجماعات ليست معصومة وليس لأحد منهم أن يدعي العصمة فالواجب البحث عن الحق وهو ما وافق الدليل من الكتاب والسنة أو إجماع سلف الأمة وما خالف الدليل وجب أن يُطرح سواء كان من هذه الجماعات أو من غيرهم من أصحاب المذاهب المشهورة: الحنابلة أوالشافعية أوالمالكية أوالحنفية أو غيرهم ، إذ أن الأصل وجوب اتباع الدليل من الكتاب والسنة فما وافقهما فهو الحق وما خالفهما فهو الباطل ، ويجب الحذر من الذين يدعون إلى غير كتاب الله عز وجل وإلى غير سنة محمد صلى الله عليه وسلم فهؤلاء لا يُتبعون ولا يُقلدون بل يُعادون في الله ويُحذَّر منهم .

قول الله عز وجل " يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلاً " النساء 59 ، أولو الأمر هم العلماء والأمراء ، وأمراء المسلمين وعلماؤهم يطاعون في طاعة الله إذا أمروا بطاعة الله وليس في معصية الله .

فالعلماء والأمراء يطاعون في المعروف لأن بهذا تستقيم الأحوال ويحصل الأمن وتنفذ الأوامر وينصف المظلوم ويردع الظالم ، أما إذا لم يطاعوا فسدت الأمور وأكل القوي الضعيف ، والعالم يبين حكم الله والأمير ينفذ حكم الله ، هذا هو الصواب في أولي الأمر ، هم العلماء بالله وبشرعه وهم أمراء المسلمين ، وعلى الرعية أن تسمع لعلمائها في الحق وأن تسمع لأمرائها في المعروف ، أما إذا أمروا بمعصية سواء كان الآمر أميراً أو عالماً فإنهم لا يُطاعون في ذلك ، فإذا قال لك أمير : اشرب الخمر فلا تشربها ، أو إذا قال لك كُلْ الربا فلا تأكله ، وهكذا مع العالم إذا أمرك بمعصية الله فلا تطعه ، والتَّقِيُ لا يأمر بذلك لكن قد يأمر بذلك العالم الفاسق ، "إنَّما الطَّاعَةُ في المَعروفِ "(أخرجه البخاري)، وقال صلى الله عليه وسلم " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق "(صححه الألباني في تخريج مشكاة المصابيح عن النواس بن سمعان الأنصاري) ، لكن لا يجوز الخروج على الأئمة وإن عصوا بل يجب السمع والطاعة في المعروف مع المناصحة ولا تنزعن يداً من طاعة لقول النبي صلى الله عليه وسلم " على المرء السمع والطاعة في المنشط والمكره وفيما أحب وكره ما لم يُؤمر بمعصية الله فإن أُمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة " (ورد الحديث في صحيح البخاري بلفظ "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره ما لم يُؤمر بمعصية الله فإذا أُمر بمعصية الله فلا سمع ولا طاعة"، وفي مسلم بلفظ"على المرء السمع والطاعة فيما أحب أو كره إلا أن يؤمر بمعصية فإن أُمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة")، ، والمقصود أن الواجب السمع والطاعة في المعروف لولاة الأمور من الأمراء والعلماء ، وبهذا تنتظم الأمور وتصلح الأحوال ويأمن الناس وينصف المظلوم ويُردع الظالم وتأمن السبل .

والمعروف هو ما ليس بمعصية فيدخل فيه المستحب والواجب والمباح كله معروف مثل الأمر بعدم مخالفة الإشارة في الطريق فعند إشارة الوقوف يجب الوقوف لأن هذا ينفع المسلمين وهو في الإصلاح وهكذا ما أشبهه .

إذا كان القانون يوافق الشرع فلا بأس به مثل أن يُسن قانوناً للطرق ينفع المسلمين وغير ذلك من الأشياء التي تنفع المسلمين وليس فيها مخالفة للشرع ولكن لتسهيل أمور المسلمين فلا بأس بها ، أما القوانين التي تُخالف الشرع فلا يجوز سنَّها فإذا سنَّ قانوناً يتضمن أنه لا حد على الزاني أو لا حد على السارق أو لا حد على شارب الخمر فهذا قانون باطل وإذا استحله الوالي كفر لكونه استحلَّ ما يخالف النص والإجماع وهكذا كل من استحل ما حرَّم الله من المحرمات المجمع عليها فهو يكفر بذلك .

والله ولي التوفيق

وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه .

26 - 3 - 1443هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر