الدرس134 باب قول الله تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَهَا

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 23 ربيع الثاني 1434هـ | عدد الزيارات: 1764 القسم: شرح وتحقيق كتاب التوحيد -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
قول المصنف باب قول الله تعالى :"يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللَّهِ ثُمَّ يُنكِرُونَهَا" (النحل 83)

أراد المصنف الحث على الاعتراف بنعم الله وشكره سبحانه على ذلك لأن كثيراً من الناس قد يشغل عن هذا فيتمتع بنعم الله ولكنه لا يشكره بل ينسبه إلى أسبابه وقوته وأعماله ونحو ذلك ويغفل عن المنعم سبحانه ولو شاء الله لسلبه الأسباب وسلبه القوة فهو الذي أعطاه السمع والبصر والذكاء والحذق وغير ذلك . قوله تعالى: "يعرفون": أي: يدركون بحواسهم أن النعمة من عند الله و نعمة الله واحدة والمراد بها الجمع فهي ليست واحدة، بل هي لا تحصى، قال تعالى:"وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ۗ "، (إبراهيم 34) والنعمة تكون بجلب المحبوبات. قوله تعالى:" ثم ينكرونها ": المراد بإنكارها جحودها إما باللسان وإما بالقلب بأن تنسب إلى غير من أنعم بها.

قول المصنف " قال مجاهد ما معناه :هذا مالي ورثته عن آبائي" هذا الأثر رواه ابن جرير وابن أبي حاتم في تفسيريهما "مجاهد" هو مجاهد بن جبر الإمام التابعي الجليل يفسر الآية بقول الرجل: " هذا مالي ورثته عن آبائي " أي يقول ذلك تبجحاً وتعاظماً بهذا الشيء من غير أن يعترف بنعم الله ويغفل عن ذلك ، وليس المراد أن يقولها بقصد الإخبار؛ لأنه لا بأس أن يخبر بهذا على أنه سبب بل أن يقول ذلك غافلا ناسيا المنعم الحقيقي .

قول المصنف "وقال عون بن عبد الله: يقولون لولا فلان لم يكن كذا" هذا الأثر رواه ابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم ، قوله "عون بن عبد الله" هو عون بن عبد الله بن عتبة بن مسعود الهذلي إمام جليل . قوله"لولا فلان إلى آخره ..." قال ابن القيم ما معناه : هذا يتضمن قطع إضافة النعمة عمَّن لولاه لم تكن وإضافتها إلى من لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً فضلا عن غيره.

قول المصنف "وقال ابن قتيبة: يقولون: هذا بشفاعة آلهتنا "

قوله "وقال ابن قتيبة " هو عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري الحافظ صاحب (التفسير) و(المعارف) وغيرها ، مات سنة سبع وستين ومائتين.

هؤلاء أخبث ممن سبقهم لأنهم مشركون يعبدون غير الله، ثم يقولون: إن هذه النعم حصلت بشفاعة آلهتهم، فالعُزَّى مثلا شفعت عند الله أن ينزل المطر فهؤلاء أثبتوا سببا من أبطل الأسباب ، فهذا أبطل من الذي قبله؛ لأنَّ فيه محذورين:
الأول: الشرك بهذه الأصنام.
الثاني إثبات سبب غير صحيح.

قال المصنف "وقال ابو العباس : بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه: وإن الله تعالى قال :أصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ الحديث ، وقد تقدم ، وهذا كثير في الكتاب والسنة يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به ، قال بعض السلف : هو كقولهم : كانت الريح طيبة والملاح حاذقا ونحو ذلك ممن هو جار على ألسنة كثيرة "

قوله "وقال ابو العباس"، هو تَقِيُّ الدِّينِ أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْحَلِيمِ بْنِ عَبْدِ السَّلَامِ النُّمَيْرِيُّ الْحَرَّانِيُّ(661-728هـ) المشهور باسم ابن تيميَّة. هو فقيه ومحدث ومفسر مجتهد ، وهو أحد أبرز العلماء المسلمين ، نشأ ابن تيميَّة حنبلي المذهب فأخذ الفقه الحنبلي وأصوله عن أبيه وجده، كما كان من الأئمة المجتهدين في المذهب، فقد كان يفتي في العديد من المسائل على خلاف معتمد الحنابلة لما يراه موافقاً للدليل من الكتاب والسنة ثم على آراء الصحابة وآثارالسلف.

قوله " بعد حديث زيد بن خالد الذي فيه أن الله قال :" أصْبَحَ مِن عِبَادِي مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ، فأمَّا مَن قالَ: مُطِرْنَا بفَضْلِ اللَّهِ ورَحْمَتِهِ، فَذلكَ مُؤْمِنٌ بي وكَافِرٌ بالكَوْكَبِ، وأَمَّا مَن قالَ: بنَوْءِ كَذَا وكَذَا، فَذلكَ كَافِرٌ بي ومُؤْمِنٌ بالكَوْكَبِ". أخرجه البخاري

قوله :"زيد بن خالد" هو: ابن خَالِد الجُهَنِيّ. يكنى أبا عبد الرحمن،.سكن المدينة، وشهد الحديبية مع رسول الله ، وكان معه لواء جهينة يوم الفتح. روى عنه من الصحابة السائب بن يزيد الكندي والسائب بن خالد الأنصاري، وغيرهما، ومن التابعين ابناه «خالد»، و«أبو حرب»، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة وابن المسيب وأبو سلمة، وعروة وغيرهم.وتوفي بالمدينة، وكانت وفاته سنة ثمان وسبعين، توفي آخر أيام معاوية رضي الله عنه، وهو ابن ثمانين سنة.

ثم قال أبو العباس: " يذم سبحانه من يضيف إنعامه إلى غيره ويشرك به " فكل من أضاف نعم الله إلى غيره فقد كفر نعمة الله وأشرك به، وهذا الشرك وكفر النعمة ليس من الكفر والشرك المخرج من الملة إذا كان الإنسان يعتقد أن إضافة النعمة إلى الشيء من إضافة المسبب إلى سببه وإنما المنعم هو الله ، وأضاف إلى السبب مجرد مجاز فهذا كفر أصغر ، أما إذا اعتقد أن النعم من إحداث المخلوق فإن هذا كفر أكبر يخرج من الملة ، فالواجب أن تضاف النعم إلى الله .

قال المصنف " قال بعض السلف" المراد بالسلف القرون المفضلة وصدر هذه الأمة وهم محل القدوة ؛ لقرب عهدهم من النبي صلى الله عليه وسلم ومن صحابته الكرام.

قوله " هو كقولهم كانت الريح طيبة والملاح حاذقا " يعني أن من إنكارهم نعمة الله أنهم إذا ساروا في البحر بالسفن التي كانت تسير بالريح إذا نجو من البحر وخرجوا من البر يثنون على الريح وعلى قائد السفينة ولا يقولون : هذا بفضل الله . وكان الواجب عليهم أن يقولوا أن الله هو الذي نجانا وهو الذي سخر لنا الريح الطيبة وهو الذي أقدر قائد السفينة أن يقودها إلى بر السلامة

قوله "ونحو ذلك ممن هو جار على ألسنة كثيرة" يعني نحو هذه الألفاظ بما يجري على ألسنة كثير من الناس من نسبة النعم إلى غير الله.

قول المصنف "فيه مسائل"

الأولى: تفسير معرفة النعمة وإنكارها، وذلك في قوله تعالى"يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها"(النحل 82).

الثانية : معرفة أن هذا جارٍ على ألسنة كثيرة ،وذلك مثل قول بعضهم : كانت الريح طيبة والملاح حاذقا.

الثالثة : تسمية هذا الكلام إنكارا للنعمة ،يعني إنكارا لتفضل الله تعالى بها ،وليس إنكارا لوجودها ؛ لأنهم يعرفونها ويحسون بوجودها.

الرابعة :اجتماع الضدين في القلب ،وهذا من قوله "يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها" فجمع بين المعرفة والإنكار ، وهذا مثل أن يجتمع في الشخص الواحد خصلة إيمان وخصلة كفر.

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

1434/4/23هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 1 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة