الدرس 133 نصيحة هامة إلى عامة الأمة 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 25 ربيع الأول 1443هـ | عدد الزيارات: 608 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله:

وبعد

* لابدَّ من الإيمان بكل ما أخبر اللهُ به ورسولُه عمَّا كان وعما يكون وعن الرسل الماضين وعن الجنة والنار وعن أخبار القيامة وعن الحساب والجزاء إلى غير ذلك على حسب ما أعطاك الله من العلم ، ثم بعد هذا الإيمان أنت مأمور بالالتزام بما أوجب الله على عباده من صلاة وزكاة وصيام وحج وغير ذلك وعليك أن تمتثل بكل ما أمر الله به ورسوله وأن تبتعد عن كل ما نهى الله عنه ورسوله كما قال تعالى " يا أيها الناس اتقوا ربكم " النساء 1 ، فهو خطاب للناس كلهم يعم الكفار ويعم المسلمين ، ومعنى اتقوا ربكم افعلوا أوامره واتركوا نواهيه طلباً لمرضاته وحذراً من عقابه ، وقال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون " آل عمران 102 ، فالواجب على المكلف المسلم أن يلتزم بهذا الإسلام حتى الموت ، وأن يلزم نفسه بتقوى لله وطاعته حتى الموت ، وعلى الكافر أن يدخل في الإسلام ، وأن يبادر بذلك قبل أن يحل الأجل ، والإسلام هو دين الله الذي بعث به محمداً عليه الصلاة والسلام وجميع المرسلين كما قال الله تعالى" إن الدين عند الله الإسلام " آل عمران 19 .

ومحمد صلى الله عليه وسلم هو رسول الله لأهل الأرض جميعاً وهو خاتم الأنبياء والمرسلين كما في قوله سبحانه " قل يا أيها الناس إني رسول الله إليكم جميعاً " الأعراف 158 ، وفي قوله سبحانه " وما أرسلناك إلا كافة للناس بشيراً ونذيراً " سبأ 28 ، ثم وعدهم سبحانه بالنجاة والسعادة والفلاح فقال سبحانه " فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون " الأعراف 157 ، فالمفلحون هم أتباعه عليه الصلاة والسلام المتمسكون بشريعته والمستقيمون على دينه .

* وأقسام التوحيد ثلاثة: توحيد الربوبية ، وتوحيد الألوهية ، وتوحيد الأسماء والصفات.

فتوحيد الربوبية الإيمان بأنه الخلَّاق الرزاق المدبر للأمور ، الذي أقرَّ به المشركون ولكن لم يدخلوا في الإسلام بذلك لعدم عبادتهم لله وحده ، وعدم تخصيصهم له سبحانه بالعبادة بل أشركوا به غيره .

ولابد من توحيد العبادة الذي هو معنى لا إله إلا الله ، وهو : أنه لا معبود حق إلا الله ، لابد من هذا التوحيد والإخلاص لله في أقوالك وأعمالك وعقيدتك ، وأن تؤمن بأنه المعبود الحق وأن العبادة لا تصح لغيره أبداً لا للأنبياء ولا لغيرهم ولابد من الإيمان بأسمائه وصفاته كما قال تعالى " ولله الأسماء الحسنى فادعوه بها " الأعراف 180 ، فلابد أن تؤمن بأسمائه وصفاته وتعبده بذلك وهو : أن تنفي عنها جميع التشبيه والتمثيل والتحريف ولابد مع ذلك من طاعة الأوامر وترك النواهي .

* والعمل الصالح من الإيمان لأن الإيمان قول وعمل فإذا أُطلق الإيمان فهو قول وعمل يزيد بالطاعات وينقص بالمعاصي ولهذا عبَّر سبحانه عن دينه بالإيمان فقال سبحانه وتعالى " وعد الله المؤمنين والمؤمنات جناتٍ تجري من تحتها الأنهار " التوبة 72 ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم " الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله - يعني مع الشهادة بأن محمداً رسول الله - وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان " .

(ورد الحديث في صحيح مسلم بلفظ " الإِيمانُ بضْعٌ وسَبْعُونَ، أوْ بضْعٌ وسِتُّونَ، شُعْبَةً، فأفْضَلُها قَوْلُ لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأَدْناها إماطَةُ الأذَى عَنِ الطَّرِيقِ، والْحَياءُ شُعْبَةٌ مِنَ الإيمانِ.")

* وعلى جميع الدول الإسلامية أن تُحَكِمَ شرعَ اللهِ في عباد الله، وأن تقيم حدود الله في أرض الله هذا هو واجبهم جميعاً، كما قال تعالى " فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً " النساء 65 ، فليس هناك شيء أحسن من حكم الله أبداً وفي حكم الله السعادة والأمن والنصر في الدنيا والآخرة.

فإذا عبدوه وحده وعملوا الصالحات وانقادوا لحكمه واستقاموا على الإيمان قولاً وعملاً استخلفهم الله ونصرهم وأيَّدهم كما قال عز وجل " يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم " محمد 7 ، وقال عز وجل " ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز " الحج 40 ، ثم بيَّن من هم المنصورون فقال سبحانه " الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر " الحج 41 ، يعني بعد توحيد الله فإنهم إذا وحدوا الله وآمنوا به وبرسوله صلى الله عليه وسلم نفَّذوا شرائعه من صلاة وصوم وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكر ويدخل في المعروف الصيام والحج والجهاد وترك المحرمات وإلزام الناس بكل ما أمر الله به ورسوله كل ذلك داخل في المعروف .
ويدخل في النهي عن المنكر النهي عن كل ما نهى الله كالشرك بالله وغيره من سائر المعاصي فهؤلاء هم أهل الإيمان وهم الذين ينصرون في الدنيا والآخرة ينصرون في الدنيا بجعلهم خلفاء في الأرض وتمكينهم في الأرض ضد أعدائهم وفي الآخرة بدخول الجنة والنجاة من النار كما قال تعالى " إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد * يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار " غافر 51 ، 52 ، نعوذ بالله من ذلك ، ويقول عز وجل " الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " الأنعام 82 ، آمنوا : دخلوا في الإسلام واستقاموا على دين الله وتركوا الشرك وانقادوا للحق فكل معصية تسمى ظلماً والظلم هنا هو الشرك كما فسَّره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك ، ولهذا قال سبحانه " أولئك لهم الأمن وهم مهتدون " بسبب إيمانهم الصحيح وسلامتهم من الشرك وكل معصية تنقص الأمن وتنقص الهداية ، فمن آمن إيماناً كاملاً صار الأمن في حقه كاملاً وصارت الهداية كاملة في الدنيا والآخرة.

أما من تعاطى شيئاً من المعاصي فإن أمنه ينقص بذلك وهدايته تنقص بحسب ما عنده من المعاصي والشرور كما دلَّت على ذلك النصوص من الكتاب والسنة ، لكن ما دام على التوحيد فهو من أهل الأمن وهو من أهل الهداية وإن جرى عليه خطوب وإن عُذِّب بمعاصيه لكن مصيره في النهاية إلى الجنة إذا مات على التوحيد والإيمان وإن دخل النار يُعَذَّب على قدر معاصيه ثم يخرج منها إلى الجنة خلافاً للخوارج والمعتزلة ، فالخوارج والمعتزلة يقولون من دخل النار لا يخرج منها أبداً وهذا قول باطل مخالف للكتاب والسنة ولإجماع الأمة فإن أهل السنة والجماعة يقولون قد يدخل العاصي في النار كما جاءت به النصوص ويُعذب بمعاصيه لكن يخرج منها بعد التطهير والتمحيص ، إذا كان مسلماً موحداً دخل النار بمعاصيه كالزنا والعقوق وشرب الخمر وأكل الربا ونحو ذلك ، إذا مات على ذلك ولم يتب فقد يُعذب وقد يعفو الله سبحانه عنه لأسباب كثيرة ، ثم بعد ما يُطهر بالنار من هذه الجرائم يخرجه الله من النار كما تواترت بذلك الأحاديث عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وأجمع على ذلك أهل السنة والجماعة .
* ويشفع النبي صلى الله عليه وسلم عدة شفاعات في العصاة من أمته الذين دخلوا النار ويخرجهم الله بشفاعته ، ويشفع الأنبياء والمؤمنون والأفراط والملائكة وكلهم يشفعون ولا يبقى في النار مخلداً فيها إلا أهل الشرك بالله والكفر به فإنهم هم الذين يبقون في النار مخلدين أبد الآباد كما قال الله سبحانه في سورة البقرة " كذلك يريهم الله أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النار " البقرة 167 ، وقال في سورة المائدة " يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم " المائدة 37 .

وأما عصاة الموحدين الذين ماتوا على الإسلام ولكن لهم معاصي لم يتوبوا منها فإنهم لا يُخلدون في النار إن دخلوها بل يعذبون فيها تعذيباً مؤقتاً وقد يُخلدون فيها تخليداً مؤقتاً فإن الخلود خلودان خلود دائم وهذا للكفار وحدهم ، وخلود مؤقت لبعض العصاة وقد يطول بقاؤهم في النار لشدة معاصيهم وكثرتها ثم بعد المدة التي كتبها الله عليهم يخرجهم الله من النار إلى الجنة كما جاء ذلك في القاتل والزاني لكنه خلود مؤقت له نهاية إذا مات على التوحيد وإنما الخلود الدائم والأبدي للكفار الذين ماتوا على الكفر بالله من اليهود والنصارى والوثنين وغيرهم نعوذ بالله من حالهم .
* فيا أيها المسلمون ويا أيها المُكلَّفون بادروا بتقوى الله والتوبة إليه ، بادروا بالإيمان الصادق والعمل الصالح بادروا بالالتزام بالإسلام قبل أن تندموا غاية الندامة وقبل أن يعض أحدكم على يديه ندماً ويقول يا ليتني قدمت لحياتي ، قال الله عز وجل في سورة الفرقان " ويوم يعض الظالم على يديه يقول يا ليتني اتخذت مع الرسول سبيلاً " الفرقان 27 ، وقال في سورة الفجر " وجيء يومئذٍ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى * يقول يا ليتني قدمت لحياتي * فيومئذ لا يعذب عذابه أحد * ولا يوثق وثاقه أحد " الفجر 23 - 26 .

فاحذر يا عبد الله أن تعض على يديك ندماً يوم القيامة بسبب كفرك أو تفريطك في حق الله ، احذر وبادر وسارع إلى الخير اليوم قبل الموت ، وسارع إلى طاعة الله ورسوله والفقه في دين الله وتعلمه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من سلك طريقاً يلتمس فيه علماً سهَّل الله له به طريقاً إلى الجنة "(ورد الحديث في صحيح أبي داود للألباني بلفظ"من سلك طريقًا يطلبُ فيه علمًا ، سلك اللهُ به طريقًا من طرقِ الجنةِ ") ، ويقول عليه الصلاة والسلام " من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين " متفق على صحته . فليتق الله كل مسلم ولينظر في أعماله هل هو على طريق الله وهل هو على ما كان عليه أصحاب رسول الله من السلف الصالح من توحيد الله وطاعته والإيمان به سبحانه والإيمان بأسمائه وصفاته ولينظر إن كان على بدعة فليحذرها .

ولينظر كل إنسان ما هو عليه هل هو على طريق الله الذي جاء به محمد وهل هو موحد لله ، وهل هو يعبده وحده دون كل ما سواه ، وهل أدى أوامره وترك نواهيه ، لينظر كل إنسان في هذا ويحاسب نفسه ، يجب أن ينظر ويتقي الله ، قال تعالى " يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد " الحشر 18.

وأسأل الله عز وجل بأسمائه الحسنى وصفاته العُلا أن يوفقنا وإياكم للعلم النافع والعمل الصالح والفقه في الدين ، وأن يعيذنا وإياكم من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا ، وأن ينصر دينه ويعلي كلمته ، كما أسأله سبحانه أن يوفق جميع المسلمين في كل مكان من أرض الله للفقه في الدين والاستقامة عليه ، وأن يمنحهم العلم النافع والعمل الصالح ، وأن ييسر لهم العلماء الصالحين الذين يرشدونهم ويعلمونهم ويفقهونهم ، وأسأله سبحانه أن يوفق جميع ولاة أمور المسلمين في كل مكان للاستقامة على دينه والنصح له ولعباده وتحكيم شريعته والتحاكم إليها وإلزام الشعوب بها ، كما أسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا في هذه البلاد لكل خير ، وأن يعينهم على كل خير ، وأن يصلح لهم البطانة ، وأن يزيل بهم كل سوء وكل منكر، وأن يعيذهم من شرور النفس وسيئات العمل إنه جل وعلا جواد كريم.

وصلى الله وسلم وبارك على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان.

25 - 3 - 1443هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر