الدرس 134: باب الخيار 3

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 14 شعبان 1438هـ | عدد الزيارات: 1207 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قول المؤلف (وإن شرطاه لأحدهما دون صاحبه صح) قوله (شرطاه) تعود على المتعاقدين والضمير (الهاء) يعود على خيار الشرط أي شرط المتبايعان الخيار (لأحدهما) أي للبائع أو للمشتري (دون صاحبه) صح وسقط خيار الآخر

ودليل ذلك قوله صلّى الله عليه وسلّم (المسلمون على شروطهم) وحديث ابن عمر رضي الله عنهما (أو يخير أحدهما صاحبه) أخرجه البخاري ومسلم

فما دام الحق لهما وشرطاه لأحدهما دون الآخر فهو صحيح

قوله (وإلى الغد أو الليل يسقط بأوله) أي إذا قال لي الخيار إلى الغد أو لي الخيار إلى الليل فيسقط بأوله لأن الغاية ابتداؤها داخل وانتهاؤها غير داخل فإذا قال (إلى الغد) لم يدخل الغد فينتهي الخيار بطلوع الفجر (وإلى الليل) لا يدخل الليل فينتهي الخيار بغروب الشمس لقوله تعالى (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) البقرة 187 وهذا على قول المؤلف

والصحيح أنه يرجع في ذلك إلى العرف فإذا قال إلى الغد فيحمل على ابتداء السوق وابتداء الأسواق في الغالب لا يكون من أذان الفجر بل من ارتفاع الشمس وخروج الناس إلى الأسواق

فإذا كان عرف التجار أنهم إذا قالوا (إلى الغد) أي إلى افتتاح السوق فالأمد إلى افتتاح السوق وإذا لم يكن هناك عرف أو كان العرف غير مطرد فنرجع إلى اللغة واللغة أن الغد يبتدئ من طلوع الفجر وإلى الليل إلى غروب الشمس ما لم يكن للشيء حقيقة شرعية فإن كان للشيء حقيقة شرعية فهي مقدمة على كل الحقائق

قوله (ولمن له الخيار الفسخ ولو مع غيبة الآخر وسخطه) أي الذي له الخيار سواء كان البائع أو المشتري أو كليهما فله الفسخ سواء كان بحضور الآخر أو غيبته أو رضاه أو كراهته لأن الحق له فإذا تبايعا هذه الدار وجعلا الخيار لهما لمدة عشرة أيام ثم إن أحدهما فسخ فقال الآخر لا أرضى أنا لي الخيار أيضاً وأنا لم أفسخ فينفسخ ولو لم يرض ولا يشترط أيضاً علم الآخر بالفسخ لأن القاعدة الفقهية (أن من لا يشترط رضاه لا يشترط علمه) ولهذا يجوز للرجل أن يطلق زوجته وإن لم تعلم لأنه لا يشترط رضاها وإذا لم يشترط رضاها فلا فائدة من اشتراط العلم

ويمكن أن يفسخ في غير حضرته بالإشهاد أو يكتب كتابة ويرسلها له بالبريد أو يودعها عند إنسان ثقة على أنه في اليوم الفلاني قد فسخ عقد البيع الذي اتفق عليه مع فلان ...... إلخ

قوله (والملك مدة الخيارين للمشتري) أي ملك وخيار المجلس وخيار الشرط للمشتري وهذا هو مذهب الإمام أحمد

وإن لم تتم مدة الخيار فله غنمه وعليه غرمه ولهذا لو تلف ولو بدون تعد أو تفريط فالضمان على المشتري لأنه ملكه لقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الذي رواه البخاري ومسلم (من باع عبداً وله مال فماله للذي باعه إلا أن يشترطه المبتاع) فقوله (ماله للذي باعه) أي من حين العقد لأن البيع يتم بمجرد الإيجاب والقبول (إلا أن يشترطه المبتاع) فيكون للمبتاع الذي هو المشتري لأن أصل هذا المال وهو العبد ملك للمشتري بمجرد العقد

ذكرنا الدليل الأثري وهو الحديث السابق وهو أن الملك يثبت بمجرد البيع والشراء يعني بمجرد الإيجاب والقبول فهذا هو الدليل الأثري لقول المؤلف (والملك مدة الخيارين للمشتري) وهو قول صحيح

أما الدليل النظري فلأن هذا المبيع لو تلف لكان من ضمان المشتري وإذا كان من ضمانه فكيف نجعل عليه الغرم ولا نجعل له الغنم

فالصحيح ما ذهب إليه المؤلف رحمه الله أن الملك من حين تمام القبول بعد الإيجاب يكون للمشتري

قوله (وله نماؤه المنفصل) له أي للمشتري نماؤه أي نماء المبيع (المنفصل) الذي ينفصل عن المبيع احترازاً من المتصل فالمنفصل على اسمه ما ليس متصلاً بالمبيع مثل اللبن والولد والثمرة والنماء المتصل ما لا يمكن انفكاكه عن الأصل مثل السمن وتعلم الصنعة والصحة بعد المرض وزوال العيب بعد وجوده هذا نسميه نماء متصلاً لأنه لا يمكن انفكاكه عن العين فالنماء المنفصل للمشتري والمتصل للبائع

مثال ذلك اشترى شاة بمئة درهم واشترط الخيار لمدة شهر وهذه الشاة فيها لبن ويأخذ منها كل ليلة ما شاء الله من اللبن فاللبن للمشتري لأنه نماء منفصل

وهذه الشاة سمنت وصارت ذات لحم وشحم فهذا الشحم واللحم للبائع لأنه نماء متصل لا يمكن تخليصه من الأصل فيكون تبعاً له ويثبت في التابع ما لا يثبت في المستقل

ولو اشترى شاة حاملاً وفي أثناء الخيار وضعت

نقول إن نشأ الحمل في زمن الخيار فهو نماء منفصل للمشتري وأما إذا كان قد وقع عليه العقد فهو أحد المبيعين فيكون للبائع ولهذا لو ردها لرد الولد معها لأن الولد قد وقع عليه العقد

قوله (وكسبه) أي الذي يحصله المبيع إذا قدر أن المبيع عبد واشترط المشتري الخيار لمدة أسبوع وفي هذا الأسبوع كسب العبد بأن باع واشترى فكسب في مدة الأسبوع مثلاً ألف ريال فالألف للمشتري لأن الكسب نماء منفصل

وهذا العبد اشتراه وهو هزيل لأنه يأكل وجبة ويحرم وجبة عند بائعه فلم يكن عليه لحم فجاء عند المشتري ووجد ما شاء الله من الأكل وراحة البال فسمن في خلال أسبوع فهذا النماء للبائع لأنه تابع ولا يمكن فصله عن الأصل هذا ما ذهب إليه المؤلف

وعن الإمام أحمد رواية أن النماء المتصل لمن حصل في ملكه واختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وقال هذا حصل من عمل المشتري الذي هو في ملكه (والخراج بالضمان) أخرجه أحمد وصححه الترمذي أي من عليه ضمان شيء فله خراجه وهذا قول قوي ونؤيده

والنماء المتصل قد يكون أهم من المنفصل فيكون للمشتري وإذا كان للمشتري فإذا فسخ البيع يقوَّم حين العقد وهو هزيل وحين فسخ البيع وهو نشيط فالفرق نصف القيمة فتكون نصف القيمة للمشتري ونلزم البائع إذا رفض

قوله (ويحرم ولا يصح تصرف أحدهما) رتب على التصرف حكمين التحريم والفساد لأنه لا يلزم من التحريم عدم الصحة ويلزم من عدم الصحة التحريم والدليل قوله صلّى الله عليه وسلّم (لا تَلقوا الجَلَب فمن تلقى فاشترى منه فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار) أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه فهذا تحريم والعقد صحيح لأن قوله (فإذا أتى سيده السوق فهو بالخيار) يدل على صحة العقد إذ لا خيار إلا بعد صحة العقد لأن الخيار فرع من الصحة والدليل على أن كل شيء لا يصح فهو حرام قول النبي صلّى الله عليه وسلّم (كل شرط ليس في كتاب الله فهو باطل وإن كان مئة شرط) أخرجه البخاري ومسلم قال ذلك محذراً من الشروط التي ليست في كتاب الله

الأول يسمى عند الأصوليين حكماً تكليفياً

والثاني يسمى حكماً وضعياً لأن عندهم ما ترتب عليه الثواب والعقاب أو انتفى عنه الثواب والعقاب فهو تكليفي وما كان صحة أو فساداً أو شرطاً أو مانعاً فهو وضعي

وقوله (ويحرم ولا يصح تصرف أحدهما) يعني البائع والمشتري لأن البائع لو تصرف وأنفذنا تصرفه جنينا على المشتري والمشتري لو تصرف وأنفذنا تصرفه جنينا على البائع وعلى هذا لا يجوز أن يتصرف البائع أو المشتري في المبيع في مدة الخيار

قوله (في المبيع) أي المنتقل من البائع للمشتري

وظاهر كلام المؤلف أنه لا يصح مطلقاً حتى في التأجير وأن ما يمكن تأجيره يبقى معطلاً فالبيت مثلاً يبقى لا يؤجر لأن التأجير نوع من التصرف ولأنه إذا أجره ثم اختار البائع الفسخ تعلق به حق المستأجر فيمنعه بعض الحق ولكن الصحيح أنه يصح تأجيره لأن تأجيره خير من بقائه هدراً ثم إن أمضي البيع فالأجرة للمشتري وإن فسخ فالأجرة للبائع

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

14-08-1438 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي