الدرس 112 حكم مخالطة من لا يتمسكون بشعائر الإسلام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 12 ذو القعدة 1442هـ | عدد الزيارات: 525 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

من كان يعيش في وسط قوم أكثرهم لا يصلون ولا يصومون ولا يتصدقون ، ويعملون بالبدع ومحدثات الأمور ، ويحلفون بغير الله ، وينذرون لغير الله ، وبعضهم يكفر بالله ورسوله باللفظ ، ويدرس في مدرسة طلابها سيئو الأخلاق ، لا يفعلون أوامر الله ، وتوجد معهم فتيات غير محجبات ، والمدَرِّسات كذلك ، فالواجب عليه ترك هذه المدرسة والحذر من شرها والبعد عنها وعن أهلها ، حفاظاً على دينه وحذراً على عقيدته وأخلاقه من هؤلاء السيئين من طلبة وطالبات ومجتمع سيئ ، وعليك أن تبذل وسعك في الانتقال إلى مدرسة سليمة أو إلى بلدة سليمة أو إلى مزرعة أو إلى ما تكون فيه بعيداً عن الخطر على دينك وعلى أخلاقك ، هذا هو الواجب عليك ، ولو لم يرض والدك ، لقول النبي صلى الله عليه وسلم " إنما الطاعة في المعروف "(قلت أخرجه البخاري في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه) ، ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " (قلت : أخرجه البغوي في شرح السنة عن النواس بن سمعان الأنصاري، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح )، فالجلوس بين أهل الشر وأهل الشرك وتاركي الصلوات وبين الفتيات المتبرجات والسافرات فيه خطر عظيم على العقيدة والأخلاق ، فلا يجوز للمسلم البقاء على هذه الحال ، بل يجب عليه أن يحذر هذا المجتمع ويبتعد عنه إلى مجتمع أصلح وأسلم لدينه ولو بالسفر من بلد إلى بلد آخر كمكة والمدينة للدراسة في المسجد الحرام والمسجد النبوي ، لوجود مدرسين فيهما من أهل العلم والفضل والعقيدة السلفية ، سواء رضيا والداه أم لم يرضيا لأن الطاعة لهما إنما تكون في المعروف لا في المعاصي .
ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال لعائشة رضي الله عنها " لولا أن قومك حديثو عهد بكفر لنقضت الكعبة وبنيتها على قواعد إبراهيم وجعلت لها بابين باباً للدخول وباباً للخروج " ، (قلت ورد الحديث في الصحيحين ، في البخاري بلفظ" قَالَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: يا عَائِشَةُ لَوْلَا قَوْمُكِ حَدِيثٌ عَهْدُهُمْ - قَالَ ابنُ الزُّبَيْرِ - بكُفْرٍ، لَنَقَضْتُ الكَعْبَةَ فَجَعَلْتُ لَهَا بَابَيْنِ: بَابٌ يَدْخُلُ النَّاسُ وبَابٌ يَخْرُجُونَ فَفَعَلَهُ ابنُ الزُّبَيْرِ."، وجاء في مسلم بهذا اللفظ " لَوْلا حَداثَةُ عَهْدِ قَوْمِكِ بالكُفْرِ لَنَقَضْتُ الكَعْبَةَ، ولَجَعَلْتُها علَى أساسِ إبْراهِيمَ، فإنَّ قُرَيْشًا حِينَ بَنَتِ البَيْتَ اسْتَقْصَرَتْ، ولَجَعَلْتُ لها خَلْفًا.") ، فترك صلى الله عليه وسلم نقض الكعبة وإدخال حجر إسماعيل فيها خشية الفتنة ، وهذا يدل على وجوب مراعاة المصالح العامة وتقديم المصلحة العليا ، وهي تأليف القلوب وتثبيتها على الإسلام على المصلحة التي هي أدنى منها وهي إعادة الكعبة على قواعد إبراهيم .

وثبت عنه عليه الصلاة والسلام أنه قال لعائشة رضي الله عنها لما طلبت دخول الكعبة " صلي في الحجر فإنه من البيت " (قلت: أخرجه أبو داود واللفظ له والترمذي والنسائي وأحمد "عن عائشةَ أنَّها قالَت : كنتُ أُحبُّ أن أدخلَ البَيتَ فأصلِّيَ فيهِ فأخذَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ علَيهِ وسلَّمَ بِيَدي فأدخلَني في الحِجرِ فقالَ صلِّي في الحِجرِ إذا أردتِ دخولَ البَيتِ فإنَّما هوَ قطعةٌ منَ البَيتِ ").صححه الألباني في صحيح أبي داود
* معنى " وهب المسيئين منا للمحسنين " ، الطلب من الله سبحانه وتعالى أن يعفو عن المسيئين من المسلمين بأسباب المحسنين منهم ، ولا حرج في ذلك لأن صحبة الأخيار ومجالستهم من أسباب العفو عن المسيء المسلم ، فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " مثل الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحاً طيبة ، ومثل جليس السوء كنافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحاً خبيثة " (قلت: جاء الحديث بلفظ "مَثَلُ الجَلِيسِ الصَّالِحِ والجَلِيسِ السَّوْءِ، كَمَثَلِ صاحِبِ المِسْكِ وكِيرِ الحَدَّادِ؛ لا يَعْدَمُكَ مِن صاحِبِ المِسْكِ إمَّا تَشْتَرِيهِ أوْ تَجِدُ رِيحَهُ، وكِيرُ الحَدَّادِ يُحْرِقُ بَدَنَكَ أوْ ثَوْبَكَ، أوْ تَجِدُ منه رِيحًا خَبِيثَةً."أخرجه البخاري في صحيحه ومسلم واللفظ للأول) ، ولكن لا يجوز للمسلم أن يعتمد على مثل هذه الأمور لتكفير سيئاته ، بل يجب عليه أن يلزم التوبة دائماً من سائر الذنوب وأن يحاسب نفسه ويجاهدها في الله ، حتى يؤدي ما أوجب الله عليه ويحذر ما حرم الله عليه ، ويرجو مع ذلك من الله سبحانه العفو والغفران ، وأن لا يكله إلى نفسه ولا إلى عمله ، ولهذا صح عن رسول صلى الله عليه وسلم أنه قال " سددوا وقاربوا وأبشروا واعلموا أنه لن يدخل الجنة أحد منكم بعمله ، قالوا : ولا أنت يا رسول الله ؟ قال : ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه وفضل " .(قلت: جاء الحديث في صحيح البخاري عن أبي هريرة بلفظ"إنَّ الدِّينَ يُسْرٌ، ولَنْ يُشَادَّ الدِّينَ أحَدٌ إلَّا غَلَبَهُ، فَسَدِّدُوا وقَارِبُوا، وأَبْشِرُوا، واسْتَعِينُوا بالغَدْوَةِ والرَّوْحَةِ وشيءٍ مِنَ الدُّلْجَةِ.")

الفضل المذكور في حديث السبعة الذين يظلهم الله بظله يوم لا ظل إلا ظله ليس خاصاً بالرجال بل يعم الرجال والنساء ، فالشابة التي نشأت في عبادة الله داخلة في ذلك ، وهكذا المتحابات في الله من النساء داخلات في ذلك ، وهكذا كل امرأة دعاها ذو منصب وجمال إلى الفاحشة فقالت : إني أخاف الله ، داخلة في ذلك ، وهكذا من تصدقت بصدقة من كسب طيب لا تعلم شمالها ما تنفق يمينها داخلة في ذلك ، وهكذا من ذكر الله خالياً من النساء داخل في ذلك كالرجال ، أما الإمامة فهي من خصائص الرجال وهكذا صلاة الجماعة في المساجد تختص بالرجال ، وصلاة المرأة في بيتها أفضل لها كما جاءت بذلك الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
لا يجوز استعمال الجرائد سفرة للأكل عليها ، ولا جعلها ملفاً للحوائج ، ولا امتهانها بسائر أنواع الامتهان إذا كان فيها شيء من الآيات القرآنية أو من ذكر الله عز وجل ، والواجب إذا كان الحال ما ذكرنا حفظها في محل مناسب أو إحراقها أو دفنها في أرض طيبة .
يحل لبس النساء للذهب محلقاً وغير محلق ، لعموم قوله تعالى " أومن ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين " الزخرف 18 ، حيث ذكر سبحانه أن الحلية من صفات النساء وهي عامة في الذهب وغيره ، ولما رواه أحمد وأبو داود والنسائي بسند جيد عن أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب رضي الله عنه " إِنَّ هَذَيْنِ حَرَامٌ عَلَى ذُكُورِ أُمَّتِي ، حِلٌّ لِإِنَاثِهِمْ " (قلت صححه الألباني في صحيح أبي داود) ، ولما روى أحمد والنسائي والترمذي وصححه وأخرجه أبو داود والحاكم وصححه وأخرجه الطبراني وصححه ابن حزم عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال " أحل الذهب والحرير للإناث من أمتي وحُرِّم على ذكورها "وعلى هذا درج علماء السلف ، ونقل غير واحد الإجماع على جواز لبس المرأة الذهب ، قال النووي في المجموع : ويجوز للنساء لبس الحرير والتحلي بالفضة وبالذهب بالإجماع للأحاديث الصحيحة.
وقال أيضاً : أجمع المسلمون على أنه يجوز للنساء لبس أنواع الحلي من الفضة والذهب جميعاً كالطوق والعقد والخاتم والسوار والخلخال والدمالج والقلائد والمخانق وكل ما يتخذ في العنق وغيره وكل ما يعتدن لبسه ، ولا خلاف في شيء من هذا .
ويدل أيضاً على حل الذهب للنساء مطلقاً محلقاً وغير محلق مع الحديثين السابقين الأحاديث الآتية :

1- ما رواه أبو داود والنسائي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده : " أن امرأة أتت النبي صلى الله عليه وسلم ومعها ابنة لها وفي يد ابنتها مسكتان غليظتان من ذهب فقال لها : أتعطين زكاة هذا ؟ قالت : لا ، قال : أيسرك أن يسورك الله بهما يوم القيامة سوارين من نار ؟ فخلعتهما فألقتهما إلى النبي صلى الله عليه وسلم وقالت : هما لله ولرسوله " فأوضح لها النبي صلى الله عليه وسلم وجوب الزكاة في المسكتين المذكورتين ، ولم ينكر عليها لبس ابنتها لهما ، فدلَّ على حل ذلك وهما محلقتان ، والحديث صحيح وإسناده جيد ، كما نبَّه عليه الحافظ في البلوغ .
2 - ما جاء في سنن أبي داود بإسناد صحيح عن عائشة رضي الله عنها قالت : " قدمت على النبي صلى الله عليه وسلم حلية من عند النجاشي أهداها له فيها خاتم من ذهب به فص حبشي ، قالت : فأخذه رسول الله صلى الله عليه وسلم بعود معرضاً عنه أو ببعض أصابعه ثم دعا أمامة ابنة أبي العاص ابنة ابنته زينب فقال " تحلي بهذه يا بنية " .(قلت :أخرجه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها وصححه الألباني بهذا اللفظ " قدِمتْ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، حِليةٌ من عند النَّجاشيِّ أهداها له ، فيها خاتمٌ من ذهبٍ ، فيه فصٌّ حبشيٌّ . قالت : فأخذه رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ، بعودٍ مُعرِضًا عنه ، أو ببعضِ أصابعِه ، ثمَّ دعا أُمامةَ ابنة أبي العاصِ ابنةَ ابنتِه زينبَ ، فقال : تحلِّي بهذا يا بُنيَّةُ")

وأما الأحاديث التي ظاهرها النهي عن لبس الذهب للنساء فهي شاذة ، مخالفة لما هو أصح منها وأثبت ، وقد قرر أئمة الحديث أن ما جاء من الأحاديث بأسانيد جيدة لكنها مخالفة لأحاديث أصح منها ولم يمكن الجمع ولم يعرف التاريخ فإنها تعتبر شاذة لا يعول عليها ولا يعمل بها .

وبذلك تزول الشبهة ويتضح الحكم الشرعي الذي لا ريب فيه بحل الذهب لإناث الأمة ، وتحريمه على الذكور .

والله ولي التوفيق .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

11 - 11 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر