الدرس 111 حكم نقل حجارة مسجد إلى البيت والتبرك بها

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 12 ذو القعدة 1442هـ | عدد الزيارات: 402 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

إذا خرب المسجد ونحوه بأسباب سيل أو غيره شُرع لأهل المحلة التي فيها المسجد أن يعمروه ويقيموا الصلاة فيه لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من بنى لله مسجداً بنى الله له بيتاً في الجنة " (قلت: الحديث في الصحيحين عن عثمان بن عفان ،جاء بلفظ"مَن بَنَى مَسْجِدًا - قالَ بُكَيْرٌ: حَسِبْتُ أنَّه قالَ: يَبْتَغِي به وجْهَ اللَّهِ - بَنَى اللَّهُ له مِثْلَهُ في الجَنَّةِ.")، ولقول عائشة رضي الله عنها " أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ببناء المساجد في الدور وأن تنظف وتطيب " أخرجه أحمد وأبو داود وابن ماجه بإسناد حسن .(قلت صححه الألباني في صحيح أبي داود)

والمراد بالدور القبائل والحارات ونحوها ، والأحاديث في فضل تعمير المساجد كثيرة ، فإن كان في المحلة مسجد يغني عنه صرفت حجارته وأنقاضه في مسجد آخر في محلة أخرى أو بلدة أخرى محتاجة إلى ذلك ، وعلى ولي الأمر في البلد التي فيها المسجد المذكور من قاض أو أمير أو شيخ قبيلة ونحوهم العناية بذلك ونقل هذه الأنقاض إلى تعمير المساجد المحتاجة إليها أو بيعها وصرفها في مصالح المسلمين ، وليس لأحد من أهل البلد أن يأخذ شيئاً منها إلا بإذن ولي الأمر ، وإذا كان في المسجد قبر وجب أن ينبش وينقل ما فيه من عظام - إن وجدت - إلى مقبرة البلد فيحفر لها وتدفن في المقبرة لأنه لا يجوز شرعاً وضع قبور في المساجد ولا بناء المساجد عليها لأن ذلك من وسائل الشرك والفتنة بالمقبور ، وقد ثبت أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بنبش القبور التي كانت في محل مسجده عليه الصلاة والسلام ، وثبت في الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال " لعن الله اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد " (قلت أخرجاه عن عائشة أم المؤمنين رضي الله عنها)، وفي صحيح مسلم عن أبي مرثد الغنوي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا تُصَلُّوا إلى القبور ولا تجلسوا عليها " ، وفي صحيح مسلم أيضا عن جندب بن عبد الله البجلي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخذون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد فإني أنهاكم عن ذلك " ، وفي الصحيحين عن أم سلمة وأم حبيبة رضي الله عنهما أنهما ذكرتا للنبي صلى الله عليه وسلم كنيسة رأتاها في الحبشة وما فيها من الصور فقال " أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً وصوروا فيه تلك الصور أولئك شرار الخلق عند الله " ، وفي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله عنهما قال " نهى رسول صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر وأن يقعد عليه وأن يبنى عليه " ، زاد الترمذي رحمه الله في روايته بإسناد صحيح " وأن يكتب عليه " ، فهذه الأحاديث وما جاء في معناها كلها تدل على تحريم البناء على القبور ، واتخاذ المساجد عليها ، والصلاة فيها وإليها وتجصيصها ونحو ذلك من أسباب الشرك بأربابها ، ويلحق بذلك وضع الستور عليها والكتابة عليها وإراقة الأطياب عليها وتبخيرها ووضع الزهور عليها لأن هذا كله من وسائل الغلو فيها والشرك بأهلها .

وذكر أهل العلم أن القبر إذا وضع في مسجد وجب نبشه وإبعاده عن المسجد ، وإن كان المسجد هو الذي حدث أخيراً بعد وجود القبر وجب هدم المسجد وإزالته لأنه هو الذي حصل ببنائه المنكر لأن الرسول صلى الله عليه وسلم حذر من بناء المساجد على القبور ولعن اليهود والنصارى على ذلك ، ونهى أمته عن مشابهتهم ، وقال لعلي رضي الله عنه " لا تدع صورة إلا طمستها ولا قبراً مشرفاً إلا سويته " .(قلت: أخرجه مسلم)

قول بعض الناس أن الذي ليس له شيخ شيخُه الشيطان ، هذا غلط عامي وجهل من بعض الصوفية ليرغبوا الناس في الاتصال بهم وتقليدهم في بدعهم وضلالاتهم ، فإن الإنسان إذا تفقه في دينه بحضوره الحلقات العلمية الدينية ، أو تدبر القرآن أو السنة واستفاد من ذلك فلا يقال شيخه الشيطان وإنما يقال قد اجتهد في طلب العلم وحصل له خير كثير .
وينبغي لطالب العلم الاتصال بالعلماء المعروفين بحسن العقيدة والسيرة ، يسألهم عما أُشكل عليه لأنه إذا كان لا يسأل أهل العلم قد يغلط كثيراً وتلتبس عليه الأمور .
ولا شك أن الذي يحضر حلقات العلم ويسمع خطب الجمعة وخطب الأعياد والمحاضرات التي تعرض في المساجد - شيوخه كثيرون - وإن لم ينتسب إلى واحد معين يقلده ويتبع رأيه .
قول شيخ لمريده الذي يريد أن يدرس في الغرب وهو يودعه : يا بني إذا سولت لك نفسك بالمعصية هناك فتذكر شيخك يصرف الله عنك هذا السوء وهذه الفاحشة ، هذا منكر عظيم وشرك بالله جل وعلا لأنه فزع إلى الشيخ لينقذه من هذا الشيء ، والواجب أن يقول : فاذكر الله واسأل ربك العون والتوفيق واعتصم به ، وأما أن يوصيه بأن يذكر شيخه فهذا من أخطاء غلاة الصوفية ، يوجهون مريديهم وتلاميذهم إلى أن يعبدوهم من دون الله ، ويلجئوا إليهم ويتوكلوا عليهم في قضاء الحاجات وتفريج الكروب ، وهذا من الشرك الأكبر ، نعوذ بالله من ذلك .
الخوارج ليسوا أنصار علي ، بل هم خصماؤه ، وقد قاتلهم وقتل منهم جماً غفيراً ، وقد كفروه واستحلوا دمه رضي الله عنه حتى قتله ابن ملجم وهو منهم .

والخوارج طائفة خبيثة يكفرون المسلم بالمعصية ، ويرون خلود العصاة من المسلمين في النار وأنهم لا يخرجون منها كالكفار ، وقد حذَّر منهم صلى الله عليه وسلم وأخبر أنهم يمرقون من الإسلام مروق السهم من الرمية .
أما أبو هريرة رضي الله عنه فهو عدل ثقة عند أهل السنة والجماعة كبقية الصحابة رضي الله عنهم ، وهو من أحفظ الصحابة لأحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يكذبه عمر ولا غيره من الصحابة ، بل احتجوا بأحاديثه وعملوا بها .
أما فضيلة الشيخ عبد القادر شيبة الحمد فهو ثقة معروف لدينا وهو من علماء أهل السنة والجماعة .
قول أن الله سبحانه موجود في كل زمان ومكان ، لا شك أن هذا القول باطل وهو من كلام أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ومن سار في ركابهما .
والصواب الذي عليه أهل السنة والجماعة أن الله سبحانه فوق العرش ، فوق جميع خلقه ، كما دلت عليه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية وإجماع سلف الأمة ، كما قال عز وجل " إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش " الأعراف 54 ، وكرر ذلك سبحانه في ست آيات أخرى من كتابه العظيم ، ومعنى الاستواء عند أهل السنة هو : العلو والارتفاع فوق العرش على الوجه الذي يليق بجلال الله سبحانه ، لا يعلم كيفيته سواه ، كما قال مالك رحمه الله لما سئل عن ذلك :

الاستواء معلوم والكيف مجهول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة ، ومراده رحمه الله : السؤال عن كيفيته ، وهذا المعنى جاء عن شيخه ربيعة بن أبي عبد الرحمن ، وهو مروي عن أم سلمة رضي الله عنها ، وهو قول جميع أهل السنة من الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم من أئمة الإسلام ، وقد أخبر الله سبحانه في آيات أخرى أنه العلي كما قال سبحانه " فالحكم لله العلي الكبير " غافر 12 ، وقال عز وجل " إليه يصعد الكلم الطيب والعمل الصالح يرفعه " فاطر 10 ، وقال سبحانه " ولا يئوده حفظهما وهو العلي العظيم " البقرة 255 .

وبذلك يعلم أن قول أهل البدع إن الله سبحانه موجود في كل مكان من أبطل الباطل ، وهو مذهب الحلولية المبتدعة الضالة ، بل هو كفر وضلال وتكذيب لله سبحانه ، وتكذيب لرسوله صلى الله عليه وسلم فيما صح عنه من كون ربه في السماء ، مثل قوله صلى الله عليه وسلم " ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء " (قلت: أخرجه البخاري عن أبي سعيد الخدري)، وكما جاء في أحاديث الإسراء والمعراج .

وبالله التوفيق

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

11 - 11 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 2 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر