الدرس 113 حكم السلام بالإشارة باليد

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 14 ذو القعدة 1442هـ | عدد الزيارات: 483 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا يجوز السلام بالإشارة ، وإنما السنة السلام بالكلام بدءاً ورداً ، أما السلام بالإشارة فلا يجوز لأنه تشبه ببعض الكفرة في ذلك ولأنه خلاف ما شرعه الله ، لكن لو أشار بيده إلى المُسَلَّم عليه ليفهمه السلام لبعده مع تكلمه بالسلام فلا حرج في ذلك ، لأنه قد ورد ما يدل عليه ، وهكذا لو كان المُسَلَّم عليه مشغولاً بالصلاة فإنه يرد بالإشارة ، كما صحت بذلك السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم .
لا حرج في البول قائماً عند الحاجة إليه ، إذا كان المكان مستوراً لا يرى فيه أحد عورة البائل ، ولا يناله شيء من رشاش البول ، لما ثبت عن حذيفة رضي الله عنه " أن النبي صلى الله عليه وسلم أتى سباطة قوم فبال قائماً " متفق على صحته ،(قلت: هذه رواية البخاري في صحيحه عن حذيفة بن اليمان، وفي صحيح مسلم باختلاف يسير "كُنْتُ مع النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ فانْتَهَى إلى سُباطَةِ قَوْمٍ، فَبالَ قائِمًا " ولكن الأفضل البول عن جلوس لأن هذا هو الغالب من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ، وأستر للعورة ، وأبعد عن الإصابة بشيء من رشاش البول .

إسعاف المسلم لغيره من المسلمين والكفار غير الحربيين لا يكون بذلك أخاً له ، ولا محرماً لها إن كان المسعف امرأة ، ولكنه يؤجر على ذلك ، لما فيه من الإحسان ، ولو كان المسعف كافراً لقول الله عز وجل " وأحسنوا إن الله يحب المحسنين " البقرة 195 ، وقوله عز وجل " لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " الممتحنة 8 ، ولقول النبي صلى الله عليه وسلم " والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه "(قلت : أخرجه مسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه) ، وقوله " من كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته " (قلت: أخرجه البخاري ومسلم عن عبد الله بن عمر )، وهذان الحديثان في حق المسلم ، وفي الصحيحين عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم أذن لها أن تصل أمها وكانت كافرة ، وذلك في وقت الهدنة التي وقعت بين النبي صلى الله عليه وسلم وأهل مكة ، أما الكفار الحربيون فلا تجوز مساعدتهم بشيء ، بل مساعدتهم على المسلمين من نواقض الإسلام ، لقول الله عز وجل " ومن يتولهم منكم فإنه منهم " المائدة 51 .
قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " إذا دبغ الجلد فقد طهر "(قلت ورد في صحيح مسلم بلفظ"إذا دُبِغَ الإهابُ فقد طهُرَ") ، وقال " دباغ جلود الميتة طهورها " ، (قلت:ورد بهذا اللفظ"أنَّ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ في غَزوةِ تبوكَ أتى على بيتٍ ، فإذا قِربةٌ معلَّقةٌ ، فسألَ الماءَ ، فقالوا : يا رسولَ اللَّهِ ، إنَّها مَيتةٌ ، فقالَ : دباغُها طُهورُها"أخرجه أبو داود وصححه الألباني)، واختلف العلماء في ذلك ، هل يعم هذا الحديث جميع الجلود أم يختص بجلود الميتة التي تحل بالذكاة ، ولا شك أن ما دبغ من جلود الميتة التي تحل بالذكاة كالإبل والبقر والغنم طهور يجوز استعماله في كل شيء في أصح أقوال أهل العلم .

أما جلد الخنزير والكلب ونحوهما مما لا يحل بالذكاة ففي طهارته بالدباغ خلاف بين أهل العلم ، والأحوط ترك استعماله ، عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم " ومن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه "(قلت: ورد الحديث في الصحيحين وما ذكره الشيخ أقرب إلى رواية مسلم التي جاءت بلفظ" فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه " وقد جاءت رواية البخاري بهذا اللفظ"فَمَنِ اتَّقَى المُشَبَّهَاتِ اسْتَبْرَأَ لِدِينِهِ وعِرْضِهِ، " وكلا الروايتين عن النعمان بن بشير) ، وقوله عليه الصلاة والسلام " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " .(قلت: أخرجه الترمذي وصححه الألباني)
روى مسلم في صحيحه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " صِنْفانِ مِن أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما، قَوْمٌ معهُمْ سِياطٌ كَأَذْنابِ البَقَرِ يَضْرِبُونَ بها النَّاسَ، ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها،" ، وهذا وعيد عظيم يجب الحذر مما دلَّ عليه .
فالرجال الذين في أيديهم سياط كأذناب البقر هم من يتولى ضرب الناس بغير حق من شرطة أو من غيرهم ، سواء كان ذلك بأمر الدولة أو بغير أمر الدولة ، فالدولة إنما تطاع في المعروف ، قال صلى الله عليه وسلم " إنما الطاعة في المعروف "(قلت : أخرجه البخاري في صحيحه عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه) ، وقال عليه الصلاة والسلام " لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق " .قلت: أخرجه البغوي في شرح السنن وصححه الألباني في تخريج مشكاة المصابيه)

وأما قوله صلى الله عليه وسلم " نساء كاسيات عاريات مائلات مميلات " ، فقد فسَّر ذلك أهل العلم بأن معنى " كاسيات " يعني من نعم الله " عاريات " يعني من شكرها ، لم يقمن بطاعة الله ، ولم يتركن المعاصي والسيئات مع إنعام الله عليهن بالمال وغيره ، وفُسِّر الحديث أيضاً بمعنى آخر وهو أنهن كاسيات كسوة لا تسترهن إما لرقتها أو لقصرها ، فلا يحصل بها المقصود ، ولهذا قال : " عاريات " لأن الكسوة التي عليهن لم تستر عوراتهن .

" مائلات " يعني: عن العفة والاستقامة ، أي عندهن معاصي وسيئات كاللائي يتعاطين الفاحشة ، أو يقصرن في أداء الفرائض ، من الصلوات وغيرها ، "مميلات" يعني : مميلات لغيرهن ، أي يدعين إلى الشر والفساد ، فهن بأفعالهن وأقوالهن يملن غيرهن إلى الفساد والمعاصي ويتعاطين الفواحش لعدم إيمانهن أو لضعفه وقلته ، والمقصود من هذا الحديث الصحيح هو التحذير من الظلم وأنواع الفساد من الرجال والنساء .

وقوله صلى الله عليه وسلم " رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة " ، قال بعض أهل العلم : إنهن يعظمن الرءوس بما يجعلن عليها من شعر ولفائف وغير ذلك ، حتى تكون مثل أسنمة البخت المائلة ، والبخت نوع من الإبل لها سنامان ، بينهما شيء من الانخفاض والميلان ، هذا مائل إلى جهة وهذا مائل إلى جهة ، فهؤلاء النسوة لمَّا عظمن رءوسهن وكبرن رءوسهن بما جعلن عليها أشبهن هذه الأسنمة .

أما قوله صلى الله عليه وسلم " لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها " فهذا وعيد شديد ، ولا يلزم من ذلك كفرهن ولا خلودهن في النار كسائر المعاصي ، إذا مِتْنَ على الإسلام ، بل هن وغيرهن من أهل المعاصي كلهم متوعدون بالنار على معاصيهم ، ولكنهم تحت مشيئة الله إن شاء سبحانه عفا عنهم وغفر لهم وإن شاء عذبهم ، كما قال عز وجل في سورة النساء في موضعين " إن الله لا يغفر أن يُشرَك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " النساء 48 ، ومن دخل النار من أهل المعاصي فإنه لا يخلد فيها خلود الكفار بل من يخلد منهم كالقاتل والزاني والقاتل نفسه لا يكون خلوده مثل خلود الكفار بل هو خلود له نهاية عند أهل السنة والجماعة ، خلافاً للخوارج والمعتزلة ومن سار على نهجهم من أهل البدع ، لأن الأحاديث الصحيحة قد تواترت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم دالة على شفاعته صلى الله عليه وسلم في أهل المعاصي من أمته ، وأن الله عز وجل يقبلها منه صلى الله عليه وسلم عدة مرات ، في كل مرة يحد له حداً فيخرجهم من النار ، وهكذا بقية الرسل والمؤمنون والملائكة والأفراط كلهم يشفعون بإذنه سبحانه ، ويُشَفِّعُهُم عز وجل فيمن يشاء من أهل التوحيد الذين دخلوا النار بمعاصيهم وهم مسلمون ، ويبقى في النار بقية من أهل المعاصي لا تشملهم شفاعة الشفعاء ، فيخرجهم الله سبحانه برحمته وإحسانه ، ولا يبقى في النار إلا الكفار فيخلدون فيها أبد الآباد كما قال عز وجل في حق الكفرة " كلما خبت زدناهم سعيراً " الإسراء 97 ، وقال تعالى " فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذاباً " النبأ 30 ، وقال سبحانه في الكفرة من عباد الأوثان " كذلك يريهم الله أعمالهم حسرات عليهم وما هم بخارجين من النار " البقرة 167 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة ، نسأل الله العافية والسلامة من حالهم .
حديث : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حينما توفيت زوجته خديجة ذبح عليها ناقة وأقام عليها العزاء لمدة ثلاثة أيام ، وحديث : أنا شجرة وعلي ساقها وفاطمة فروعها والحسن والحسين ثمارها ، وحديث: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم صادفه يوماً بأحد جبال مكة رجلٌ يهوديٌّ ، فقال له : ألم تؤمن بي ؟ قال اليهودي : لا أومن بك ، فقال له : ادع تلك الشجرة ، فقال لها : إن محمداً يدعوك فجاءت إليه تظلله بأغصانها وتجر جذورها ، فقال لها: من أنا؟ قالت: إنك محمد رسول الله ، فنطق اليهودي بالشهادتين بعد ذلك ثم صعدت الشجرة إلى السموات وطافت حول العرش والكرسي واللوح والقلم ، وطلبت من الله الإذن لها بالصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم ، وقال أيها اليهودي : قَبِّل كفَيّ وقدمَيّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وخبر: إن عثمان بن عفان رضي الله عنه وجد رجلاً يطوف بالكعبة فقال له إنك زانٍ ، فقال له : كيف عرفت ذلك ؟ قال: عرفته في عينيك ، فقال الرجل: أنا لم أزن ولكني نظرت إلى يهودية ، فقال الرجل لعثمان رضي الله عنه: وهل عرفت ذلك بالوحي ؟ قال: لا ، ولكنها فراسة المؤمن .

كل هذه الأخبار التي يذكرها بعض الوعَّاظ باطلة ومكذوبة على النبي صلى الله عليه وسلم ولا أصل لها ، فلم يفعل عزاء عند موت خديجة رضي الله عنها ولم يذبح ناقة ولم يدع الناس إلى عزاء ، كما يفعل بعض الناس اليوم ، وكان عليه الصلاة والسلام يدعو لخديجة رضي الله عنها كثيراً ، وفي بعض الأحيان يذبح الشاة ويوزعها على خليلاتها وصديقاتها من باب الهدية والإحسان ، ويدعو لها ويحسن إليها بالدعاء .
وهكذا ما يقولونه عن الشجرة كل هذا باطل ولا أصل له ، وكذلك ما قال عن اليهودي ، كل هذا كذب من كذب المفترين المجرمين ، وكذلك ما روي عن عثمان رضي الله عنه مع الرجل .
لكن صح عن النبي صلى الله عليه وسلم في أحاديث أخرى أنه دعا بعض الشجر فانقاد له وذلك من علامات النبوة ، والقصة ثابتة في صحيح مسلم وذلك أنه في بعض أسفاره أراد أن يقضي حاجته فدعا شجرتين فالتأمتا وجلس بينهما حتى قضى حاجته ، ثم رجعت كل شجرة إلى مقرها ، وذلك من آيات الله سبحانه ومن دلائل قدرته العظيمة وأنه يقول للشيء كن فيكون ، وذلك أيضاً من دلائل صدق رسول الله وأنه رسول الله حقاً .

فينبغي التحذير من هؤلاء الكذابين ، وينبغي للواعظ أن يتقي الله سبحانه إذا وعظ الناس ، وأن يذكرهم بما ينفعهم في دينهم ودنياهم من الآيات القرآنية والأحاديث الصحيحة النبوية وفيها الكفاية والشفاء ، وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " من حدَّث عني بحديث وهو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين " رواه مسلم في صحيحه ، قلت: ورد هذا الحديث في مقدمة صحيح مسلم بلفظ"من حدَّثَ عنِّي بحديثٍ يرى أنَّهُ كذِبٌ فَهوَ أحدُ الكاذِبينَ ")وقال عليه الصلاة والسلام " من قال علي ما لم أقل فليتبوأ مقعده من النار " متفق على صحته .(قلت: ورد في صحيح البخاري بلفظ"مَن يَقُلْ عليَّ ما لم أقُلْ، فليتبوَّأ مقعدَهُ منَ النَّارِ" وفي مسلم باختلاف يسير).

وبالله التوفيق

وصل اللهمَّ على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم

13 - 11 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر