الدرس 97 تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 14 شهر رمضان 1442هـ | عدد الزيارات: 524 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

تقسيم التوحيد إلى ثلاثة أقسام ، هذا مأخوذ من الاستقراء؛ لأن العلماء لما استقرءوا ما جاءت به النصوص من كتاب الله وسنة رسوله ظهر لهم هذا ، وزاد بعضهم نوعاً رابعاً هو توحيد المتابعة ، وهذا كله بالاستقراء.
فلا شك أن من تدبر القرآن الكريم وجد فيه آياتٍ تأمر بإخلاص العبادة لله وحده ، وهذا هو توحيد الألوهية ، ووجد آياتٍ تدل على أن الله هو الخلاق وأنه الرزاق وأنه مدبر الأمور ، وهذا هو توحيد الربوبية الذي أقر به المشركون ولم يدخلهم في الإسلام ، كما يجد آياتٍ أخرى تدل على أن له الأسماءَ الحسنى والصفات العلى ، وأنه لا شبيه له ولا كفو له ، وهذا هو توحيد الأسماء والصفات الذي أنكره المبتدعة من الجهمية والمعتزلة والمشبهة ، ومن سلك سبيلهم .

ويجد آيات تدل على وجوب اتباع الرسول ورفض ما خالف شرعه ، وهذا هو توحيد المتابعة ، فهذا التقسيم قد عُلم بالاستقراء وتتبع الآيات ودراسة السنة ، ومن ذلك قول الله سبحانه " إياك نعبد وإياك نستعين " الفاتحة 5 ، وقولُه عزَّ وجلَّ " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " البقرة 21 ، وقولُه عزَّ وجلَّ " وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم " البقرة 163 ، وقولُه سبحانه " شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولو العلم قائماً بالقسط لا إله إلا هو العزيز الحكيم " آل عمران 18 ، وقولُه سبحانه " قل من يرزقكم من السماء والأرض أمَّن يملك السمع والأبصار ومن يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ومن يدبر الأمر فسيقولون الله فقل أفلا تتقون " يونس 31 ، وقال سبحانه " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " الشورى 11 ، وقال عز وجل " قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كُفُواً أحد " سورة الإخلاص ، وقال سبحانه " قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله ويغفر لكم ذنوبكم " آل عمران 31 .
ومن الأحاديث قول النبي في حديث معاذ رضي الله عنه المتفق على صحته " حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا " ، وقوله " من مات وهو يدعو لله نداً دخل النار " رواه البخاري في صحيحه ،قلت: ورد الحديث في صحيح البخاري عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه بهذا اللفظ" مَن مَاتَ وهْوَ يَدْعُو مِن دُونِ اللَّهِ نِدًّا دَخَلَ النَّارَ"

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله :" الإله هو المعبود المطاع فإن الإله هو المألوه ، والمألوه هو الذي يستحق أن يُعبد ، وكونه يستحق أن يُعبد هو بما اتصف به من الصفات التي تستلزم أن يكون هو المحبوب غاية الحب المخضوع له غاية الخضوع ".
وقال :" فإن الإله هو المحبوب المعبود الذي تألهُهُ القلوبُ بحبها وتخضع له وتذل له وتخافه وترجوه وتنيب إليه في شدائدها وتدعوه في مهماتها وتتوكل عليه في مصالحها وتلجأ إليه وتطمئن بذكره وتسكن إلى حبه ، وليس ذلك إلا لله وحده ، ولهذا كانت لا إله إلا الله أصدق الكلام ، وكان أهلها أهل الله وحزبه ، والمنكرون لها أعداءه وأهل غضبه ونقمته".

* الإيمان والتوحيد والعقيدة أسماءٌ لمسمياتٍ تختلف في مدلولاتها بعض الاختلاف ، ولكنها ترجع إلى شيء واحد ، فالتوحيد هو إفراد الله بالعبادة ، والإيمان هو الإيمان بأنه مستحق للعبادة ، والإيمان بكل ما أخبر به سبحانه ، فهو أشمل من كلمة التوحيد ، التي هي مصدر وحَّد يوحد ، يعني أفرد الله بالعبادة وخصَّه بها ، لإيمانه بأنه سبحانه هو المستحق لها ، لأنه الخلاق الرزاق ، ولأنه الكامل في أسمائه وصفاته وأفعاله ، ولأنه مدبر الأمور والمتصرف فيها ، فهو المستحق للعبادة ، فالتوحيد هو إفراده بالعبادة ونفيها عما سواه ، والإيمان أوسع من ذلك يدخل فيه توحيده والإخلاص له ، ويدخل فيه تصديقه في كل ما أخبر به رسوله عليه الصلاة والسلام ، والعقيدة تشمل الأمرين ، فالعقيدة تشمل التوحيد ، وتشمل الإيمان بالله وبما أخبر به سبحانه أو أخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم ، والإيمان بأسمائه وصفاته .
والعقيدة : هي ما يعتقده الإنسان بقلبه ويراه عقيدة يدين الله بها ويتعبده بها ، فيدخل فيها كل ما يعتقده من توحيد الله والإيمان بأنه الخلاق الرزاق وبأنه له الأسماء الحسنى والصفات العلى ، والإيمان بأنه لا يصلح للعبادة سواه ، والإيمان بأنه حرَّم كذا وأوجب كذا وشرع كذا ونهى عن كذا ، فهي أشمل.

* الطريقة الظاهرية معروفة ، وهي التي يسير عليها داود بن علي الظاهري ، وأبو محمد ابن حزم ، ومن يقول بقولهما ، ومعناها : الأخذ بظاهر النصوص وعدم النظر في التعليل والقياس ، فلا قياس عندهم ولا تعليل ، بل يقولون بظاهر الأوامر والنواهي ، ولا ينظرون إلى العلل والمعاني ، فسموا ظاهرية لهذا المعنى ، لأنهم أخذوا بالظاهر ولم ينظروا في العلل والحكم والأقيسة الشرعية التي دلَّ عليها الكتاب والسنة ، ولكن قولهم في الجملة أحسن من قول أهل الرأي المجرد الذين يحكمون الآراء والأقيسة ، ويُعرضون عن العناية بالأدلة الشرعية من الكتاب والسنة ، لكن عليهم نقص ومؤاخذاتٌ في جمودهم على الظاهر ، وعدم رعايتهم للعلل والحكم والأسرار التي نبَّه عليها الشارع وقصدها ، ولهذا غلطوا في مسائل كثيرة دلَّ عليها الكتاب والسنة.
* قوله تعالى " أفأنت تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين " يونس 99 ، وقوله تعالى " لا إكراه في الدين " البقرة 256 ، هاتان الآيتان الكريمتان والآيات الأخرى التي في معناهما بيَّن العلماء أنها في حق من تُؤخذ منهم الجزية كاليهود والنصارى والمجوس ، لا يُكرهون، بل يُخيرون بين الإسلام وبين بذل الجزية ، وقال آخرون من أهل العلم : إنها كانت في أول الأمر ثم نُسخت بأمر الله سبحانه بالقتال والجهاد ، فمن أبى الدخول في الإسلام وجب جهاده مع القدرة حتى يدخل في الإسلام أو يؤدي الجزية إن كان من أهلها ، فالواجب إلزام الكفار بالإسلام إذا كانوا لا تؤخذ منهم الجزية، لأن إسلامهم فيه سعادتهم ونجاتهم في الدنيا والآخرة ، فإلزام الإنسان بالحق الذي فيه الهدى والسعادة خير له من الباطل ، كما يُلزم الإنسان بالحق الذي عليه لبني آدم ولو بالسجن أو بالضرب.

فإلزام الكفار بتوحيد الله والدخول في دين الإسلام أولى وأوجب ، لأن فيه سعادتهم في العاجل والآجل إلا إذا كانوا من أهل الكتاب كاليهود والنصارى أو المجوس ، فهذه الطوائف الثلاث جاء الشرع بأنهم يُخيرون ، فإما أن يدخلوا في الإسلام وإما أن يبذلوا الجزية عن يد وهم صاغرون .
وذهب بعض أهل العلم إلى إلحاق غيرهم بهم في التخيير بين الإسلام والجزية ، والأرجح أنه لا يُلحق بهم غيرهم ، لأن الرسول قاتل الكفار في الجزيرة ولم يقبل منهم إلا الإسلام ، قال تعالى " فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم " التوبة 5 ، ولم يقل : أو أدوا الجزية ، فاليهود والنصارى والمجوس يُطالبون بالإسلام ، فإن أبوا فالجزية ، فإن أبوا وجب على أهل الإسلام قتالهم إن استطاعوا ذلك ، يقول عز وجل " قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرَّم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون " التوبة 29 .
ولما ثبت عن النبي أنه أخذ الجزية من المجوس ، ولم يثبت عن النبي ولا عن أصحابه رضي الله عنهم أنهم أخذوا الجزية من غير الطوائف الثلاث المذكورة ، والأصل في هذا قوله تعالى " وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله " الأنفال 39 ، وقولُه سبحانه " فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله غفور رحيم " التوبة 5 ، وهذه الآية تسمى آية السيف ، وهي وأمثالُها هي الناسخة للآيات التي فيها عدمُ الإكراه على الإسلام .
والله ولي التوفيق .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

13 - 9 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 132 الجزء الثالث : شروط قبول الدعاء - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 131 الجزء الثالث ‌‌وجوب النهي عن المنكر على الجميع - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر