الدرس 197 الإجارة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الجمعة 12 رجب 1441هـ | عدد الزيارات: 775 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

قوله " الإجارة " عقد يتكرر في حياة الناس في مختلف مصالحهم وتعاملهم اليومي والشهري والسنوي فما من تعامل يجري بين الناس في مختلف الأمكنة والأزمنة إلا وهو محكوم بشريعة الإسلام وفق ضوابط شرعية ترعى المصالح وترفع المضار .

والإجارة مشتقة من الأجر وهو العوض المقابل بعمل ولهذا يسمى ثواب العمل أجرا ، قال تعالى ( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة ) آل عمران 185 ، وقال تعالى عن العوض ( قال لو شئت لاتخذت عليه أجرا ) الكهف 77 ، وقال تعالى ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) الطلاق 6 ، ومن الأدلة من القرآن على جواز الإجارة قول المرأتين اللتين سقى لهما موسى عليه الصلاة والسلام ( يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين ) القصص 26 .

أما من السنة فقد استأجر النبي صلى الله عليه وسلم رجلا يدله الطريق في سفره للهجرة وهو عبد الله بن أريقط الليثي ، وهو من كفار قريش ، فقد أخرج البخاري في الإجارة باب استئجار المشركين عند الضرورة عن عائشة رضي الله عنها وليس في البخاري التصريح باسم عبد الله بن أريقط وإنما ورد اسمه في كتب السيرة كما قال الحافظ ابن حجر في فتح الباري ، وعبد الله بن أريقط الليثي كان هاديا خرِّيتا أي ماهر الدلالة .

وقد حكى ابن المنذر الإجماع على جواز الإجارة .

وتجويز الإجارة من محاسن الشريعة وذلك لأن الإنسان قد يضطر إلى سكنى بيت وليس معه ما يستطيع أن يملك به البيت وليس له طريق إلا الاستئجار وكذا من يملك بيتا ويرغب تأجيره .

قوله " تصح بثلاثة شروط " معرفة المنفعة كسكنى دار وخدمة آدمي وتعليم علم .

قوله " معرفة المنفعة " هذا هو الشرط الأول أي أن تكون المنفعة معلومة للطرفين المؤجر والمستأجر وضد المعرفة المجهولة لقوله تعالى ( إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون * إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة ) المائدة 90 ، 91 .

وجه الدلالة من الآية : أنه إذا كانت المنفعة مجهولة صارت من الميسر لأن المستأجر وكذلك المؤجر بين غانم وغارم للجهالة ، ولحديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن بيع الغرر ، أخرجه مسلم ، وكل مجهول فهو غرر ، والإجارة بيع لكنه بيع للمنافع وأيضا بيع المنفعة المجهولة ستؤدي إلى الخصومة والمنازعة المؤدية إلى العداوة والبغضاء .

قوله " كسكنى دار " مثال ذلك ، استأجر رجل بيتا لسكناه وكان المستأجر يبيع الخيول فجعل هذا البيت مربطا للخيول فلا يجوز ولو أراد المستأجر أن يتصرف في الدار وقال هذه حجرة ضيقة وسوف أسقط الجدار الذي بينها وبين الغرفة الأخرى فليس له ذلك إلا بإذن المالك .

قوله " وخدمة آدمي " مثاله : استأجر آدميا يخدمه فصار يستخدمه في العادة ويقول يا فلان هات الغداء أوالعشاء أو العلف للدابة ، اذهب بالأبناء إلى المدرسة أو ما أشبه ذلك فهذا يصح أما لو قال في يوم من الأيام احملني على ظهرك إلى المسجد فله أن يمتنع لأن هذا مما لم تجر العادة به إلا بشرط أو استخدمه في رعي الأغنام فهذا لا يجوز إلا إذا استأجره لذلك فلو أراد أن يحوله من أثقل إلى أخف فلا يجوز إلا بإذنه .

فلو استأجره لنقل أبنائه من الخرج إلى الرياض ثم حوله إلى نقل أبنائه إلى داخل الخرج فليس له ذلك إلا بإذنه .

وإذا استأجره لخدمته فلا يملك أن يؤجره لخدمة غيره إلا بإذنه .

قوله " وتعليم علم " أي العلم المباح لا العلم المحرم كالسحر ، وأفضل العلوم القرآن كما جاء في الحديث ( خيركم من تعلم القرآن وعلمه ) أخرجه البخاري عن عثمان بن عفان رضي الله عنه .

فيجوز أن يستأجر الإنسان لتعليم القرآن ويدل لذلك .

أ- قول النبي صلى الله عليه وسلم ( إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله ) أخرجه البخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما .

ب- أن الرسول صلى الله عليه وسلم أجاز أخذ الجعل على الرقية في حديث اللديغ ، أخرجه البخاري ومسلم ، ومعلوم أن اللديغ سيد قومه وهو كافر فقرأ عليه الصحابي سورة الفاتحة فشفاه الله

ج- أن النبي صلى الله عليه وسلم زوج امرأة رجلا ليس عنده صداق بما معه من القرآن ليعلمها ، أخرجه البخاري ومسلم ، فجعله عوضا .

لكن لو استأجرنا شخصا ليقرأ القرآن فقط لكانت الإجارة حراما لا تصح كما هو الآن مع الأسف في بعض المآتم يستأجرون من يقرأ القرآن في فترة العزاء وقد رأيت هذه البدعة المحرمة في إحدى الدول فيحرم دفع المبلغ للقاريء كما يحرم عليه أخذه ويأثم بالقراءة أيضا .

قوله " الثاني معرفة الأجرة " أي الشرط الثاني من شروط الإجارة أن تكون الأجرة معلومة وضد العلم الجهل فلا يصح أن يقول استأجرت منك هذا الدكان بما يصلني من رزق هذا اليوم أو بما سأقبضه من فلان أو بما في جيبي من النقود ، ولو كان في جيبه مبلغ ضخم لأن الأجرة غير معلومة .

قوله " وتصح في الأجير والظِّئر بطعامهما وكسوتهما وإن دخل حماما أو سفينة أو أعطى ثوبه قصَّارا أو خياطا بلا عقد صح "

قوله " وتصح في الأجير " أي تصح الإجارة في الأجير بطعامه وكسوته بأن تستأجر شخصا يعمل عندك بأكله وشربه وكسوته ومنزله وعلم الأجرة يحمل على العرف وهو أدنى الكفاية وهو طعام مثله لا طعام الملوك والأمراء حتى وإن طلب ذلك فلا يجاب .

قوله " والظِئر " وهي المرضعة فتستأجرها بطعامها وكسوتها لقول الله تعالى ( فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن ) الطلاق 6 ، وقال تعالى ( وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف ) البقرة 233 ، فتعطى المرضعة للولد من الطعام والكسوة بحسب العرف سواء كانت المرضعة أمه المطلقة أو مستأجرة .

وللفائدة المؤلف رحمه الله خصّ الإجارة في الأجير وهو العامل لخدمتك وفي المرضعة والصواب أنه يجوز أن يستأجر حيوانا بالقيام عليه بالتغذية من طعام وشراب ووقاية من البرد والحر إذ لا فرق بينه وبين الأجير لأن كليهما استيفاء منفعة والمرجع في ذلك إلى العرف ولا يصح أن يستأجر الدار بإصلاح ما ينهدم منها لأنه غير معلوم فقد ينهدم الكثير وقد لا ينهدم منها شيء ففيه جهالة إلا إذا كان المنهدم موجودا حتى ولو قال : أجرتك هذا البيت بكذا وإصلاح ما ينهدم منها فلا يصح إلا إذا كان الإصلاح من الأجرة فيصح .

قوله " وإن دخل حماما " ثم اغتسل فيه وخرج والحمام مكتوب عليه للإيجار وهو لم ير صاحبه فإنه يصح بأجرة العادة ومثله مواقف السيارات .

قوله " أو سفينة " أي وجد سفينة تحمل الناس فدخل فيها بدون أن يتفق مع الملاح أي قائد السفينة فهذا يجوز وعليه أجرة العادة ومثله سيارة الأجرة .

قوله " أو أعطى ثوبه قصَّارا " القصار من يأخذ من الثوب الزيادة في الطول وعند تسليمه طلب مبلغا من المال مقابل عمله فيلزمه أجرة العادة وإن لم يتعاقدا عليها لأن هذا معلوم عند الناس .

قوله " أو خياطا " بلا عقد صح بأجرة العادة وكذلك لو أعطى ثوبه خياطا يخيطه ولما انتهى قال له الخياط الأجرة كذا وكذا فهذا يصح ولو بلا عقد وكذلك يقال في الحلاق ، كل هؤلاء الذين أعدوا أنفسهم للعمل فإنه يجوز الدخول معهم فيما أعدوا أنفسهم له بدون عقد وعلى الداخل أجرة العادة .

وللفائدة لا يجوز للحلاق حلق اللحى .

وبالله التوفيق

11 - 7 - 1441هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر