ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

نعمة الماء وواجبنا نحوها

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 18 شعبان 1442هـ | عدد الزيارات: 1409 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ، وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أمر بالترشيد في استهلاك الماء، وأشهد أن نبينا محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ، ومن سار على نهجه إلى يوم الدين.

أما بعد،

فيا عباد الله :اتقوا الله؛ فإن التقوى تجـلب الخيرات، وتفتح أبواب البركة من الأرض والسماوات "وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آَمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ(الأعراف 96) "إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ(النحل128) واعـلموا أن الماء سر الوجود، وأساس الحياة كما أخبر ربنا المعبود "وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ" (الأنبياء30)، فبوجود الماء تسعد الحياة وتنتشر البركات، وبانعدامه تنطفئ السعادة وتهـلك الكائنات، ووفرة الماء وقحطه أمر بيد الله تعالى، لا بيد غيره جل وعلا، فالله تعالى يقول: "وَأَرْسَلْنَا الرِّيَاحَ لَوَاقِحَ فَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَسْقَيْنَاكُمُوهُ وَمَا أَنْتُمْ لَهُ بِخَازِنِينَ" (الحجر22)، فنزول الماء بالبشرى صورة من صور رحمة الله بعباده، وقد يمسك رحـمته لحكمة لا يعـلمها سواه سبحانه، "مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ".(فاطر2)
عباد الله:

لا ريب أن تقلب الأحوال سنة إلهية، ومنهج رباني، يقول الله تعالى: "اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ مِنْ قَبْلِهِ لَمُبْلِسِينَ* فَانْظُرْ إِلَى آَثَارِ رَحْمَةِ اللَّهِ كَيْفَ يُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ ذَلِكَ لَمُحْيِي الْمَوْتَى وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ"(الروم 48-50).

فتقلب الأيام والزمان، والنعم في كل مكان، أمر يدعو إلى التفكر والنظر: "إنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لِأُولِي الْأَبْصَارِ(النور 44) ونعمة الماء مما نشاهد تقلبها مع مرور الأعوام، ونلتمس التغير في وفرتها وقلتها مع انصرام الأيام، وربنا جل وعلا يذكرنا بذلك فيقول: "وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ"(المؤمنون 18)، ونعم الله تعالى لا تتغير إلا بتغير أمر المنعم عليه، "إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَال"(الرعد11).

عباد الله:

إذا أكرم الله تعالى الناس بنعمة الماء وجب أن يجـتهدوا في المحافظة عليه، والعناية بمصادره المختلفة وأن يسـلكوا مسالك الرشاد فيه، فلا إسراف ولا تبذير، ولا إهـمال في صونه ، فإن الإسراف في اسـتعمال الماء والعبث به، والإهـمال في حمايته، ضرب من الفساد، يقول سبحانه: "كُلُوا وَاشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللَّهِ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ"(البقرة 60)، وإن مما يصون نعمة الماء، شكرَ الله تعالى المسـتمر عليها؛ فدوام الشكر إيذان للنعم بدوامها، "وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ(إبراهيم 7) أما كفر النعم بالاسـتهـتار في هدرها دون النظر إلى العواقب الوخيمة، فيكون سببا في ذهابها وعدم ظهور أثر خيرها، "وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ"(إبراهيم 7)، والله جل وعلا يصون الناس من العذاب إن شكروا له تعالى"مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ وَكَانَ اللَّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا"(النساء147)
فاتقوا الله – عباد الله -، وحافظوا على نعمة الماء، فإن فقدها إرهاق وعناء، وغورها إزهاق للحياة وشقاء، وأديموا الشكر على جميع النعم لرب الأرض والسماء.

هذا وأستغفر الله العظيمَ لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية

الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدا رسولُ الله، صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحـبه ومن والاه.
أما بعد، فيا عباد الله:

اعـلموا أن المحافظة على نعمة الماء أمر لا يقف عند حد، ولا يبـقى حبيسَ فكر واحد، بل التعاون فيه أمر إلهي، والمساهمة به مطـلب شرعي، يقول الله تعالى: "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ"(المائدة2)، ولذا فإنه مع تطور الحياة في الأرض ورقيها، واسـتمرار التـقدم في جميع أرجائها، يبدع المبدعون في اسـتخراج وسائل تعين على حفظ النعم فيها، وينبغي أن يلتفت الناس اليوم إلى جديد هذه الوسائل، وأن يثابروا في ابـتكار ما يدفع عجلة الحماية لهذه النعمة العظيمة، ومما يشار إليه من هذه الطرق، وسائل الري الحديثة مثلا، فقد أضحى اسـتعمالها صورة حية سهـلت على الناس حفظ المياه من الهدر والضياع، كما أن استعمال وسائل تقنية الترشيد في البيوت والمؤسسات يعد أمرا مهما ينبغي الاهـتمام به، والاجـتهاد في توفيره، وتجدر الإشارة كذلك إلى أهمـية أن تسـتغل المياه المسـتخدمة في بعض الأعمال كالوضوء ونحوه في سقي المزروعات والمسطحات، فذلك خير من إهـدارها، والحكمة ضالة المؤمن؛ أنى وجدها فهو أحق بها، "وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ". (البقرة 269)

فاتقوا الله – عباد الله -، واحرصوا كل الحرص على حفظ نعمة الماء في حياتكم، واجـتهدوا في شكرها يلطف الله بكم، وتدم لكم النعمة من الله ربـكم
هذا وصلوا وسلموا على إمام المرسلين، وقائد الغر المحجلين، فقد أمركم الله تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم كتابه حيث قال عز قائلا عليما: "إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"(الأحزاب56)
اللهم صل على نبينا محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، في العالمين إنك حميد مجيد، وارضَ اللهمَّ عن خلفائه الراشدين، وعن أزواجه أمهات المؤمنين، وعن سائر الصحابة أجمعين، ، وعنا معهم برحمتك يا أرحم الراحمين. اللهم اجعل جمعنا هذا جمعا مرحوما، وتفرقنا تفرقا معصوما، ولا تدع فينا شقيا ولا محروما. اللهم أعز الإسلام والمسلمين، ووحد اللهم صفوفهم، وأجمع كلمتهم على الحق، واكسر شوكة الظالمين، واكتب السلام والأمن لعبادك أجمعين، اللهم أعز وليَّ أمرنا ووليَّ عهد وأسبغ عليهما نعمتك، . اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات، والمسلمين والمسلمات، الأحياء منهم والأموات،"رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" (البقرة201).

"سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وسلام على المرسلين وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ" (الصافات 180-182)

1442/8/18هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

6 + 6 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي