الدرس 83 واجب المسلمين تجاه دينهم ودنياهم 1

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 1 شعبان 1442هـ | عدد الزيارات: 638 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

الواجب على أهل العلم استنباط الفتاوى من كتاب الله ومن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو الذي نفعله ونهدف إليه ونحرص على تطبيق فتاوانا عليه ، ولكنني لست معصوماً فقد يقع الخطأ مني ومن غيري من أهل العلم ولكني لا آلو جهداً في تطبيق ما يصدر مني على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا آلو جهداً في استنباط ما دلَّ عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم في كل ما يصدر مني من قليل أو كثير هذا هو جهدي وأسأل الله أن يجعل ذلك موفقاً ومصيبا للحق .

وأما ما يتعلق بسؤال أهل العلم والاستفتاء منهم فهذا أمر معلوم قد شرعه الله لعباده فإن الله جل وعلا أمر بسؤال أهل العلم ، فقال سبحانه " فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون " الأنبياء 7 ، ورُوي عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال في قوم أفتوا بغير علم " ألا سألوا إذْ لَم يعلَموا إنَّما شفاءُ العيِّ السُّؤالُ" .(قلت: رواه أبو داود وحسنه الألباني بهذا اللفظ "ألا سألوا إذْ لَم يعلَموا فَإنَّما شفاءُ العيِّ السُّؤالُ")
فالواجب على طالب العلم وعلى كل مسلم أُشكل عليه أمر من أمور دينه أن يسأل عنه ذوي الاختصاص من أهل العلم وأن يتبصر وأن لا يُقدم على أي عمل بجهل يقوده إلى الضلال .
فعلى المسلمين أن يسألوا وعلى أهل العلم أن يبينوا فالعلماء هم ورثة الأنبياء وهم خلفاء الرسل في بيان الحق والدعوة إليه والإفتاء به وعلى جميع المسلمين أن يسألوا عما أُشكل عليهم وأن يستفتوا أهل العلم .
وأهل العلم هم علماء الكتاب والسنة وهم الذين يرجعون في فتاواهم إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم وهؤلاء هم أهل العلم وليس أهل العلم من يقلد الرجال ولا يبالي بالكتاب والسنة إنما العلماء هم الذين يعظمون كتاب الله وسنة رسوله عليه الصلاة والسلام ويرجعون إليهما في كل شيء هؤلاء هم أهل العلم .

وعلى طالب العلم أن يتأسى بهم ويجتهد في سلوك طريقهم وعلى عامة المسلمين أن يسألوهم عما أشكل عليهم في أمر دينهم ودنياهم ، لأن الله جل وعلا بعث الرسل لإصلاح أمر الدين والدنيا جميعاً ولا سيما خاتمهم وإمامهم وأفضلهم نبينا محمد عليه الصلاة والسلام فإن الله بعثه للناس عامة للجن والإنس وجعل رسالته عامة وفيها صلاح أمر الدنيا والآخرة فيها صلاح العباد والبلاد في كل شيء فيها خلاصهم من كل شر وفيها صلاحهم فيما يتعلق بدنياهم وأمر معاشهم وفيها صلاحهم فيما يتعلق بطاعة ربهم وعبادته وأداء حقه وترك ما نهى عنه وفيها صلاحهم في كل ما يقربهم من الله ويباعد من غضبه سبحانه وتعالى وفيها صلاحهم بتوجيه العباد وإرشادهم إلى ما ينفعهم ويهديهم إلى الطريق السوي ويبعدهم عن طريق النار وطريق الهلاك والدمار .
فالمسلمون عليهم واجبات تتعلق بدينهم وبالاستقامة عليه كما شرع الله وكما أمرهم الله فإن الله خلقهم ليعبدوه وأرسل الرسل بذلك قال تعالى " وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون " الذاريات 56 ، وهذه هي العبادة التي أمرهم الله بها في قوله سبحانه وتعالى " يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون " البقرة 21 ، وفي قوله سبحانه وبحمده " واعبدوا الله ولا تشركوا به شيئاً " النساء 36 ، وفي قوله عز وجل " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة " البينة 5 ، وفي قوله تعالى " ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت " النحل 36 .
والله بعث رسوله محمداً صلى الله عليه وسلم كما بعث الرسل قبله بالدعوة إلى هذه العبادة والدعوة إلى هذا الدين بعثه إلى الثقلين الجن والإنس رحمة للعالمين كما قال سبحانه وبحمده " وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين " الأنبياء 107 ، بعثه معلماً ومرشداً وهادياً إلى طريق النجاة معلماً لهم كل ما فيه صلاحهم ونجاتهم وسعادتهم في الدنيا والآخرة وجعله خاتم الأنبياء ليس بعده نبي ولا رسول ومن ادعى النبوة بعده فهو كاذب كافر بإجماع أهل العلم والإيمان .
فمن ادعى أنه نبي أو أُوحي إليه بشيء كالقاديانية فهو كافر بالله ضال مضل مرتد عن دين الإسلام إذا كان يدعي الإسلام ، فهو صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والمرسلين كما قال جل وعلا " ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين " الأحزاب 40 .

وقد تواترت عنه عليه الصلاة والسلام الأحاديث الصحيحة بأنه خاتم الأنبياء لا نبي بعده فالواجب على جميع الثقلين اتباعه والاستقامة على دينه والتفقه في ذلك والسير على ذلك حتى الموت وهذه العبادة التي خُلقوا لها لا بد أن يتفقهوا فيها ولا بد أن يعرفوها بالأدلة من الكتاب والسنة فهم خُلقوا ليعبدوا الله وتفسير هذه العبادة يؤخذ عن الله وعن رسوله صلى الله عليه وسلم .
وقد فسرها الله في كتابه العظيم وفسرها نبيه عليه الصلاة والسلام فأصلها توحيد الله والإخلاص له كما قال تعالى " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين " البينة 5 .
هذا أصل هذه العبادة فأصلها توحيد الله وتخصيصه بالعبادة قال تعالى " وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون " الأنبياء 25 ، وبهذا أنزلت الكتب جميعها من الله سبحانه وتعالى لبيان هذه العبادة كما قال تعالى "كتاب أحكمت آياته ثم فصلت من لدن حكيم خبير * ألا تعبدوا إلا الله"هود 1 ،2.
فالكتب المنزلة من السماء وآخرها القرآن كلها تدعو إلى توحيد الله والإخلاص له وطاعة أوامره وترك نواهيه .
والرسل كلهم جميعاً كذلك يدعون إلى توحيد الله وطاعة أوامره وترك نواهيه واتباع شريعته والحذر مما نهى عنه سبحانه وتعالى .
فعلى جميع المكلفين من إنس وجن وعرب وعجم ورجال ونساء عليهم جميعاً أن يعبدوا الله وحده وأن ينقادوا لما جاء به نبيه محمد صلى الله عليه وسلم قولاً وعملاً ، فعلاً وتركاً فأصل الدين وأساسه هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله .

وهذا هو أصل هذه العبادة وأساسها أن يُعبد الله وحده دون كل ما سواه : بالدعاء والرجاء والخوف والنذر والذبح وسائر العبادات كما قال سبحانه وتعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً " الإسراء 23 ، وقال سبحانه " إياك نعبد وإياك نستعين " الفاتحة 5 ، وقال سبحانه " قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين " الأنعام 162 ، وقال سبحانه " إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر " الكوثر 1 ، 2 .
فالعبادة حق الله لا تصلح لا لملك مقرب ولا لنبي مرسل ولا لصنم ولا لجن ولا لوثن ولا غير ذلك بل هي حق الله عليك أن تعبده وحده بدعائك ورجائك وخوفك وذبحك ونذرك وصلاتك وصومك وحجك وصدقاتك وغير ذلك لأنه سبحانه هو المعبود بالحق وما سواه معبود بالباطل قال تعالى " ذلك بأن الله هو الحق وأن ما يدعون من دونه هو الباطل الحج62.
وكان العرب وغيرهم من الأمم إلا من رحم الله - وهم قليل - حين بعثة محمد صلى الله عليه وسلم كانوا على الشرك بالله ، منهم من يعبد الملائكة ومنهم من يعبد الأنبياء ومنهم من يعبد الأصنام المنحوتة على صورة فلان وفلان ومنهم من يعبد الأشجار والأحجار ومنهم من يعبد القبور ومنهم من يعبد النجوم ويستغيث بها وينذر لها إلى غير ذلك فبعث الله هذا النبي العظيم محمداً صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى توحيد الله وينذرهم من هذا الشرك الوخيم فقام بذلك أكمل قيام عليه الصلاة والسلام ودعا إلى الله وأرشد إلى دينه جل وعلا الذي رضيه للناس وعلَّم الناس توحيد الله .

مكث صلى الله عليه وسلم في مكة ثلاث عشرة سنة يدعو فيها إلى توحيد الله والإخلاص لله وترك عبادة ما سواه جل وعلا ، وبعد مُضي عشر سنين فرض الله عليه الصلوات الخمس قبل أن يهاجر ، أُسري به إلى بيت المقدس ثم عرج به إلى السماء وتجاوز السماوات السبع جميعاً ورُفع إلى مستوى فوق ذلك عليه الصلاة والسلام وكلَّمه الله جل وعلا وأوحى إليه الصلوات الخمس فنزل بها عليه الصلاة والسلام وعلمها الناس وقام بها المسلمون في مكة ثم هاجر عليه الصلاة والسلام إلى المدينة وفرض الله عليه بقية أمور الدين من زكاة وصيام وحج وغير ذلك .
فالعبادة هي : طاعة الأوامر إخلاصاً لله ومحبة له وتعظيماً له من صلاة وزكاة وحج وبر بالوالدين وصلة للرحم وجهاد في سبيل الله بالنفس والمال وصدق في الحديث وغير هذا مع ترك كل ما حرم الله من الشرك بالله وهو أعظم الذنوب ، فالشرك الذي هو : صرف العبادة أو بعضها لغير الله أعظم الذنوب وهو الشرك الأكبر : كدعاء الملائكة أو الأنبياء أو الجن أو أصحاب القبور فيستغيث بهم أو ينذر لهم أو يذبح لهم وهذا ينافي قول لا إله إلا الله فإن قول لا إله إلا الله معناها لا معبود حق إلا الله وهي كلمة التوحيد وهي أصل الدين وأساس الملة ، فدعاء الأموات والأصنام وغيرهم والاستغاثة بهم والنذر لهم ينقض هذه الكلمة وينافيها وهو الشرك الأكبر والذي يأتي الأموات ويدعوهم ويستغيث بهم وينذر لهم ويسألهم النصر على الأعداء أو شفاء المرضى أو يدعو الملائكة أو الرسل أو يدعو الجن ويستغيث بهم أو ينذر لهم ويذبح لهم كل هذا من الشرك بالله وكل هذا يناقض قول : لا إله إلا الله ويخالف قوله سبحانه " إياك نعبد وإياك نستعين " (الفاتحة)، ويناقض قوله سبحانه " وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء " (البينة5)، وبهذا يعلم كل مسلم أن ما يفعله بعض الجهال عند بعض القبور فيأتي إلى القبر ويقول : يا سيدي فلان اشف مريضي أو انصرني على عدوي ، أو أنت تعلم ما نحن فيه انصرنا أو ما أشبه ذلك ، هذا من الشرك الأكبر وهذا هو دين الجاهلية .

نسأل الله السلامة والعافية .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

1 - 8 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 8 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 139 الجزء الرابع  الحاجة للقضاء الشرعي - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 138 الجزء الرابع  أخلاق المؤمنين والمؤمنات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 137 الجزء الرابع هذا هو طريق الرسل وأتباعهم  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 136 الجزء الرابع توضيح معنى الشرك بالله - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 135 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (3) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 134 الجزء الرابع  بيان معنى كلمة لا إله إلا الله (2) - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر