الدرس 183 : باب الوكالة

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 16 ربيع الثاني 1440هـ | عدد الزيارات: 1083 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين... أما بعد؛

قوله: باب الوكالة: يقال وَكالة ووِكالة كوَلاية ووِلاية.

وهي في اللغة العربية التفويض ومنه قوله تعالى :وكفى بالله وكيلا. النساء:132. أي كفى به مُفوضاً يقال وكلت الأمر إليه أي فوضت إليه.

وهي في الاصطلاح:- استنابة جائز التصرف - مثله فيما تدخله النيابة احترازاً مما لا تدخله النيابة.

فلو وكل إنساناً أن يحرم عنه فقال وكلتك تحرم عني للحج وأنا سأكمل المناسك فهذا لا يجوز أو قال وكلتك تتوضأ عني وأنا أصلي فهذا لا يجوز أيضاً.

وكذا لو كان عليه قضاء صيام رمضان فقال وكلتك أن تقضي عني فلا يصح إذ لا بد أن تدخله النيابة.

أو قال وكلتك تحج عني وهو قادر على الحج فلا يصح مع القدرة.

وحكمها التكليفي أنها جائزة بالنسبة للموكِل سنة بالنسبة للوكيل لما فيها من الإحسان إلى أخيه وقضاء حاجته.

ويدل على جوازها من كتاب الله قول الله عن أصحاب الكهف لما استيقظوا من نومهم :فابعثوا أحدكم بورِقكم هذه إلى المدينة فلينظر أيها أزكى طعاماً فليأتكم برزق منه وليتلطف ولا يشعرن بكم أحدا. الكهف:19. فهذا توكيل وكلوا واحدا منهم أن يذهب إلى المدينة ويأتي بطعام ويكون في ذهابه متلطفاً يعني مستتراً ما أمكنه ولا يخبر عنهم . وكانوا قد أووا إلى الفار خوفاً من ظلم ملك مشرك هربوا منه لكن تغيرت الأحوال لأنهم بقوا ثلاثمائة سنة وتسع سنين وهم أوصوه بهذه الوصايا بناء على بقاء الملك الأول.

وقال الله تعالى عن موسى عليه الصلاة والسلام أنه قال لهارون: اخلفني في قومي.الأعراف:142. وهذه وكالة ووكل سليمان عليه الصلاة والسلام الهدهد فقال: أذهب بكتابي هذا فألقه إليهم.النمل:28.

أما من السنة فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه وكل في العبادات فقد وكل علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال أمرني رسول الله صلى الله عليه وسلم أن أقوم على بدنه وأن أتصدق بلحمها وجلودها وأجلتها وأن لا أعطي الجزار منها قال نحن نعطيه من عندنا. أخرجه مسلم .

ووكل عليه الصلاة والسلام في المعاملات

فقد روى عروة بن أبي الجعد أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ لَقِيَ جَلَبًا فأعْطاه دينارًا، فقال: اشتَرِ لنا شاةً، قال: فانطَلَقَ فاشتَرى شاتَينِ بِدينارٍ، فلَقِيَه رَجُلٌ فباعَه شاةً بِدينارٍ، قال: فجاء إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بِشاةٍ ودينارٍ، قال: فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بارَكَ اللهُ تعالى لكَ في صَفْقةِ يَمينِكَ، قال: فإنْ كُنتُ لَأقومُ بِالكُناسةِ فما أبرَحُ حتى أربَحَ أربَعينَ ألْفًا.رواه الدارقطني وصححه الارناؤوط

وكذلك أيضاً النظر يدل على جواز الوكالة لأنها مصلحة العباد فكم من إنسان لا يستطيع أن يعمل أعمال بنفسه فمن رحمة الله عز وجل وحكمته أن أباح لهم الوكالة فإذا كان مثلاً مشتغلاً بطلب العلم أو بغير ذلك من الأعمال وهو يريد أن يشتري لأهله طعاماً ولا يستطيع أن يترك عمله ليشتري الطعام فإنه يوكل.

إذا المصلحة تقتضي أن تكون الوكالة جائزة.

أما حكمها الوضعي فيقول المؤلف رحمه الله: تصح بكل قول يدل على الإذن: الصحة والفساد والبطلان والسبب والشرط والمانع كل هذه أحكام وضعية فتصح الوكالة بكل قول يدل على الإذن فلو قال رجل يا فلان خذ هذا الخيل فبعه فإن الوكالة تصح وإن لم يقل وكلتك في بيعه لأن قوله خذه وبعه يدل على هذا وإن لم يكن فيه لفظ الوكالة.

فالإيجاب هو اللفظ الصادر من الموكل .

وهو التوكيل لا بد فيه من قول وليس فيه صيغة معينة شرعاً.

وفي هذا الباب نص الفقهاء على العقود تنعقد بما دل عليها وهذا هو القول الراجح المتعين أما القبول فهو أوسع فيصح بكل قول أو فعل يدل عليه.

وظاهر كلام المؤلف أنه لا يصح التوكيل بالفعل ولا بالكتابة والصحيح أنه يصح.

فلو كتب إلى آخر وقال وكلتك في بيع مزرعتي وهو في بلد آخر صح.

ولو كان إنسان معروف بأنه يبيع التمر فجاء إنسان بعذق من التمر فوضعه في دكان هذا البائع فهذا يكون توكيلاً بالفعل .

إذا القول الصحيح أن الوكالة تصح بالقول والكتابة والفعل.

قوله: ويصح القبول على الفور والتراخي

القبول هو اللفظ الصادر من الوكيل فيصح أن يقبل الوكالة على الفور من حين أن يقول له الموكل وكلتك في بيع مزرعتي فقال أعطني صك التملك لها لأبيعها.

وعلى التراخي بأن يقول وكلتك ثم يسكت وبعد يومين يقول الوكيل قبلت.

قوله: بكل قول أو فعل دال عليه: أن يقول الوكيل قبلت أو أبشر ولو أخذ الكتاب من الذي قال له وكلتك في بيع هذا الكتاب ولم ينطق بكلمة ثم باعه فيصح وهذا قبول بالفعل.

فالوكالة ليس لها صيغة معينة بل تنعقد بكل قول أو فعل يدل عليها.

إلا أنه يستثنى من هذا ما لا بد من الإشهاد عليه مثل النكاح فلو أن رجلاً قال لشخص زوجتك ابنتي هذه بمهر قدره ألف ريال وقد وافقت على ذلك فأخذ البنت ومشى باعتبار أن أخذه لها قبول بدون أن يتلفظ بكلمة قبلت فإن النكاح لا ينعقد لأن من شروط صحة النكاح حضور شاهدين عدلين ليسا من أصول الزوج وهما أبيه وجده لأن الأصول وهم الوالدين لا يشهدون مع الفروع وهم الأبناء والفروع لا يشهدون مع الأصول فالأب لا يشهد مع ابنه والابن لا يشهد مع أبيه وهذا في عقد النكاح فقط.

قوله: ومن له التصرف في شيء فله التوكيل والتوكل فيه.

من: موصولة وليست شرطية لأنها لا تدخل إلا على الفعل والفاء في قوله: فله: الاسم الموصول يجوز أن يقترن خبره بالفاء لأنه يشبه الشرط في العموم.

قاعدة كل من له التصرف في شيء فله أن يوكل وله أن يتوكل ومن ليس له التصرف فيه فليس له أن يوكل وليس له أن يتوكل.

مثال ذلك رجل بالغ عاقل حر رشيد وَكل مثله في شراء مزرعة فهذا جائز لأن من له التصرف في شيء فله التوكيل والتوكيل فيه.

وعلى ذلك من ليس له التصرف في شيء فليس له أن يوكل فيه فلو أن صبياً لم يبلغ قال لشخص وكلتك في بيع مزرعتي فلا يصح لأنه هو نفسه لا يصح له التصرف فيه فلا يصح أن يوكل.

ولو كان الأمر بالعكس رجل بالغ عاقل حر رشيد وكل صبياً في بيع مزرعته فلا يصح أيضاً لأن الوكيل لا يتصرف في مثل هذا التصرف وقد قال الله تعالى: ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياماً.النساء:5.

يستثنى من ذلك توكيل الأعمى بصيراً فيما يشترط لصحة بيعه الرؤيا.

فالأعمى إذا اشترى شيئاً لا يصح شراؤه إلا برؤية لا يصح منه لأنه مجهول له.

وكذلك رجل لا يشم يريد أن يشتري طيبا فيجوز أن يوكل شخصاً يشم فهذا مستثنى من قوله: ومن له التصرف في شيء فله التوكيل.

وإذا وَكل شخص شخصاً أن يعقد له النكاح فقال وكلتك أن تقبل النكاح لي من فلان وهذا الوكيل بالغ عاقل حر رشيد فيصح لأن الوكالة في عقد النكاح جائزة.

وقوله: والتوكل فيه: أي من له التصرف في شيء فله التوكل فيه لكن يستثنى من هذا أشياء فمثلاً امرأة لا يجوز أن تطلق نفسها فوكلها زوجها في طلاق نفسها فيجوز لها ذلك لأن هذا المعنى يتعلق بالزوج والزوج قد أذن فيه.

وبالله التوفيق.

وصل اللهم على نبينا محمد.

1440-4-17

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 5 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر