الدرس 72 أخذ الأجرة على تحفيظ القرآن الكريم

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 24 جمادى الآخرة 1442هـ | عدد الزيارات: 496 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

لا حرجَ في أخذ الأجرة على تعليم القرآن وتعليمِ العلم ؛ لأن الناسَ في حاجة إلى التعليم ، ولأن المعلم قد يَشُقُّ عليه ذلك ويُعطِّلُه التعليمُ عن الكسب ، فإذا أخذ أجرةً على تعليم القرآن وتحفيظه وتعليم العلم فالصحيحُ أنه لا حرجَ في ذلك ، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أن جماعة من الصحابة نزلوا ببعض العرب فلدغ سيدهم يعني رئيسهم وأنهم عالجوه بكل شيء ولم ينفعه ذلك وطلبوا منهم أن يرقوه فتقدم أحد الصحابة فرقاه بفاتحة الكتاب فشفاه اللهُ وعافاه وكانوا قد اشترطوا عليهم قطيعاً من الغنم فأوفوا لهم بشرطهم فتوقفوا عن قَسْمِه بينهم حتى سألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقال عليه الصلاة والسلام " أحسَنتُمْ واضربوا لي معَكُم بسَهْمٍ " رواه البخاري في صحيحه ، قلت : ما ذكره الشيخ هي رواية أبي داود وصححها الألباني أما رواية البخاري فبلفظ "قدْ أَصَبْتُمْ، اقْسِمُوا، وَاضْرِبُوا لي معكُمْ سَهْمًا." ولم ينكر عليهم ذلك وقال " إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله " رواه البخاري في الصحيح ، فهذا يدل على أنه لا بأس بأخذ الأجرة على التعليم كما جاز أخذها على الرقية .

* المشروع في حق الأموات أن يُقال (غفر الله له) أو (رحمه الله) ونحو ذلك إذا كان مسلماً ، ولا يجوز أن يقال (المغفور له) أو (المرحوم) ؛ لأنه لا تجوز الشهادة لمعين بجنة أو نار أو نحو ذلك ، إلا لمن شهد الله له بذلك في كتابه الكريم أو شهد له رسولُه عليه الصلاة والسلام ، وهذا هو الذي ذكره أهل العلم من أهل السنة ، فمن شهد اللهُ له في كتابه العزيز بالنار كأبي لهب وزوجته ، وهكذا من شهد له الرسول بالجنة كأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب وعثمانَ وعليٍّ وبقية العشرة رضي الله عنهم ، وغيرهم ممن شهد له الرسول عليه الصلاة والسلام بالجنة كعبد الله بن سلام وعكاشة بن محصن رضي الله عنهما أو بالنار كعمه أبي طالب وعمرو بن لحي الخزاعي وغيرهما ممن شهد له الرسول صلى الله عليه وسلم بالنار نعوذ بالله من ذلك - نشهد له بذلك .
أما من لم يشهد له الله سبحانه ولا رسوله بجنة ولا نار فإنا لا نشهد له بذلك على التعيين ، وهكذا لا نشهد لأحد معين بمغفرة أو رحمة إلا بنص من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ، ولكن أهل السنة يرجون للمحسن ويخافون على المسيء ويشهدون لأهل الإيمان عموماً بالجنة وللكفار عموماً بالنار كما أوضح ذلك سبحانه في كتابه المبين قال تعالى " وعد الله المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها " التوبة 72 ، وقال تعالى " وعد الله المنافقين والمنافقات والكفارَ نارَ جهنمَّ خالدين فيها هي حسبُهم " التوبة 68 .

* قوله تعالى " والذين لا يدعون مع الله إلها آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون ومن يفعل ذلك يلق أثاماً * يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً " الفرقان 68 ، 69 ، هذه الآية العظيمة فيها التحذير من الشرك والقتل والزنا وأن أصحاب هذه الجرائم متوعدون بقوله سبحانه " ومن يفعل ذلك يلق أثاماً " قيل : إنه وادٍ في جهنم وقيل : أراد به إثماً عظيماً فسره بقوله " يضاعف له العذاب يوم القيامة ويخلد فيه مهاناً " ، وهذا جزاء من اقترف هذه الجرائم الثلاث أو إحداها أن يضاعف له العذاب ويخلد في العذاب مهاناً وهذه الجرائم الثلاث مختلفة في المراتب .
فجريمة الشرك هي أعظم الجرائم وأعظم الذنوب وصاحبها مخلد في النار أبد الآباد ولا يخرج من النار أبدا كما قال تعالى في سورة التوبة " ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد الله شاهدين على أنفسهم بالكفر أولئك حبطت أعمالهم وفي النار هم خالدون " التوبة 17 ، وقال سبحانه " ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون " الأنعام 88 ، وقال عز وجل " ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين" الزمر65 ، وقال تعالى في حقهم " يريدون أن يخرجوا من النار وما هم بخارجين منها ولهم عذاب مقيم " المائدة 37 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة . فالمشرك إذا مات ولم يتب فإنه يخلد في النار والجنةُ عليه حرامٌ والمغفرةُ عليه حرام بإجماع المسلمين ، قال تعالى " إنه من يشرك بالله فقد حرَّم الله عليه الجنة ومأواه النار وما للظالمين من أنصار " المائدة 72 ، وقال سبحانه " إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء " النساء 48 ، فجعل المغفرة حراماً على المشرك ، أما ما دون الشرك فهو تحت المشيئة .

ومن أنواع الشرك بالله التي يُخلَّد صاحبُها في النار إذا مات عليها إذا كانت قد بلغته الرسالة - دعاءُ الأموات من الأنبياء والأولياء وغيرِهم ودعاءُ الملائكة والجنِّ والأصنامِ والأحجارِ والكواكبِ وغيرِ ذلك من المخلوقات ، كقول بعضهم : يا سيدي أنا في جوارك ، أنا في حسبك ، انصرني ، اشف مريضي ، المدد المدد ، ونحو ذلك وهكذا الذبح لهم والنذر لهم وغير ذلك من العبادات التي يجب صرفها لله وحده ولا يجوز صرفها إلى غيره من جميع الخلق لقوله عز وجل " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه " الإسراء 23 وقوله سبحانه "وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة"البينة 5 ، وقوله عز وجل " وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحداً " الجن 18 ، وقوله تعالى في سورة الفاتحة " إياك نعبد وإياك نستعين " الفاتحة 5 ، والآيات في هذا المعنى كثيرة .

* أما الجريمة الثانية وهي القتل ، والثالثة وهي الزنا ، وهاتان الجريمتان دون الشرك إذا كان من تعاطاهما لم يستحلهما ويعلم أنهما محرمتان ولكن حمله الشيطان على الإقدام على القتل بغير حق بسبب البغضاء والعداوة أو أسباب أخرى وحمله الهوى والشيطان على الزنا وهو يعتقد أن القتل محرم بغير حق وأن الزنا محرم ، فهاتان الجريمتان توجبان النار والخلود فيها خلوداً مؤقتاً إلا أن يعفو الله عن صاحبها لأعمال صالحة أو توبة قبل الموت أو بشفاعة الشفعاء أو بدعاء المسلمين ، إلى غير ذلك من الأسباب التي جعلها الله سبباً لغفران الذنوب ، وقد يُعذب صاحبها حسب مشيئة الله وحكمته ، وهذا واقع لكثير من الناس ، يعذبون على معاصيهم ، ثم يخرجهم الله من النار برحمته سبحانه ، إما بشفاعة الشفعاء أو بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم خاصة أو بشفاعة الملائكة أو الأفراط أو المؤمنين فيخرجهم الله من النار بشفاعة هؤلاء بعد أن يمضوا فيها ما كتب الله عليهم من العذاب ويبقى في النار أقوام من أهل التوحيد لم تشملهم شفاعة الشفعاء فيخرجهم الله سبحانه وتعالى برحمته بدون شفاعة أحد لأنهم ماتوا على التوحيد والإيمان لكنهم لهم أعمال خبيثة ومعاص دخلوا بها النار ، فإذا طهروا منها ومضت المدة التي كتب الله عليهم البقاء فيها أخرجهم سبحانه من النار رحمة منه عز وجل ، ويلقون في نهر الحياة من أنهار الجنة فينبتون فيه كما تنبت الحبة في حميل السيل فإذا تم خلقهم أدخلهم الله الجنة كما صحت بذلك الأحاديث المتواترة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
ومن هذا يُعلم أن العاصي كالقاتل والزاني لا يخلد في النار خلود الكفار بل خلوداً خاصاً له نهاية ، لقوله سبحانه وتعالى " ويخلد فيه مهاناً " وهذا خلود مؤقت ليس كخلود المشركين ، ومثل ذلك ما ورد في وعيد القاتل لنفسه ، نسأل الله السلامة من ذلك.

* إحضار كتب عن الإنس والجن والقراءةُ فيها وكتابة ورقة للعروسين لكي يرضى كلٌّ منهما عن الآخر والمسحُ على رأس العروسين بزيت وحبر أحمر ، هذا العمل منكرٌ وخطأٌ وغلطٌ وتلبيسٌ على الناس لا وجهَ له ولا أساسَ له من الصحة بل الواجب على من أحس بشيء من غضب أن يتعوذ بالله من الشيطان حتى يهدأ غضبه ويشرع له الوضوء كما أمر بذلك النبي صلى الله عليه وسلم لأن الشيطان خلق من النار والنار تطفأ بالماء ، والغضب من الشيطان فالمؤمن يفعل الأشياء الشرعية من التعوذ بالله من الشيطان الرجيم ويتوضأ ، كذلك من أسباب إطفاء الغضب أن يجلس إن كان قائماً أو يضطجع إن كان قاعداً أو يخرج من المحل حتى يهدأ الغضب .

أما ما يعمله هذا الشيخ من تلطيخ رؤوسهم بالزيت أو بالدم أو بدم الدجاجة فهذا لا أصل له وكله غلط وتلبيس وخداع ، وإن كان قصده بذبح الدجاجة التقرب للجن فذلك شرك أكبر ، ففي الحديث الصحيح " لعن الله من ذبح لغير الله " ، قلت : رواه مسلم ، والله يقول سبحانه " قل إن صلاتي ونسكي(يعني ذبحي) ومحياي ومماتي لله رب العالمين * لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين " الأنعام 162 ، 163 ، ويقول تعالى " إنا أعطيناك الكوثر * فصل لربك وانحر " الكوثر 1 ، 2 ، والنحر هو الذبح .

فالواجب أن يعرضوا عن هذا الرجل ويبتعدوا عنه وينصحوه ، فإن لم ينتصح ويتب إلى الله سبحانه وتعالى رُفع أمره إلى المحكمة الشرعية ، أو إلى هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، أو إلى الجهة المختصة إن لم يكن في البلد محكمة شرعية أو هيئة الأمر بالمعروف ليحضروه ويخبروه بخطئه ويمنعوه من العلاج المخالف للشرع المطهر.
أما الإمامة فلا ينبغي أن يبقى فيها ، بل يجب عزله لأنه متهم بالشرك ، مع ما يتعاطاه من الأعمال التي لا أساس لها في الشرع المطهر ، أما العروسان فيعالجان بالطرق الشرعية .
* إذا حلف الإنسان على شيء يفعله فلم يفعله لزمته كفارة اليمين ، مثل أن يقول : والله لأكلمنَّ فلاناً ، أو : والله لأزورنه ، أو : والله لأصلين كذا وكذا ، وما أشبه ذلك فلم يفعل ما حلف عليه فإنه يلزمه كفارة اليمين إذا كان عاقلاً ويعلم ما يقول ، أما إذا كان قد اشتد به الغضب وليس في وعيه فاليمين لا تنعقد ، لأن الوعي لما يقول لا بد منه ، فإذا اشتد به الغضب حتى جعله لا يعقل ما يقول ولا يضبط ما يقول فمثل هذا لا كفارة عليه كالمجنون والمعتوه والنائم .
يجب التماس عشرة مساكين في كفارة اليمين ، فإذا أطعمت واحداً وكررت ذلك لا يكفي ، فلا بد من عشرة كما قال الله عز وجل في كتابه الكريم في سورة المائدة " لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مساكين من أوسط ما تطعمون أهليكم أو كسوتهم أو تحرير رقبة " المائدة 89 ، فلا بد من التماس العشرة ولو تعددت الأيام ، لكن تجب المبادرة حسب الإمكان ، ولو كان إطعامهم متفرقاً في أيام فلا بأس ، ولكن عليك أن تجتهد وتلتمس عشرة وتبادر بإخراج الكفارة أو تكسوهم كسوة تجزئهم في الصلاة ، تغديهم أو تعشيهم ، فإن هذا يكفي للآية السابقة .
* الرسول صلى الله عليه وسلم فسر قوله تعالى " يوم يُكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون " القلم 42 ، بأن المراد : يوم يجيء الرب يوم القيامة ويكشف لعباده المؤمنين عن ساقه ، وهي العلامة التي بينه وبينهم سبحانه وتعالى ، فإذا كشف عن ساقه عرفوه . ، وهذه من الصفات التي تليق بالله لا يشابهه فيها أحد جل وعلا ، وهكذا سائر الصفات كالوجه واليدين والقدم والعين وغير ذلك من الصفات الثابتة بالنصوص ، ومن ذلك الغضب والمحبة والكراهة وسائر ما وصف به نفسه سبحانه في الكتاب العزيز وفي ما أخبر به عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى " ليس كمثله شيء وهو السميع البصير " الشورى 11 ، وقال تعالى " قل هو الله أحد * الله الصمد * لم يلد ولم يولد * ولم يكن له كفواً أحد " الإخلاص ، وهذا هو قول أهل السنة والجماعة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن تبعهم بإحسان من أئمة العلم والهدى.

والله ولي التوفيق.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

24 - 6 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر