الدرس 73 التأويل في الصفات

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 26 جمادى الآخرة 1442هـ | عدد الزيارات: 505 القسم: تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

التأويل في الصفات منكر ، ولا يجوز تأويل الصفات بل يجب إمرارُها كما جاءت على ظاهرها اللائق بالله سبحانه وتعالى بغير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل ، فالله جل وعلا أخبرنا عن صفاته وعن أسمائه فقال " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " الشورى 11 ، فعلينا أن نمررها كما جاءت ، وهكذا قال أهل السنة والجماعة ، أمروها كما جاءت بلا كيف ، أي أقروها كما جاءت بغير تحريف لها ولا تأويل ولا تكييف بل تقر على ظاهرها على الوجه الذي يليق بالله من دون تكييف ولا تمثيل ، فيقال في قوله تعالى "الرَّحْمَٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَىٰ " طه 5 ، وأمثالِها من الآيات إنه استواء يليق بجلال الله وعظمته لا يشبه استواء المخلوق ، ومعناه عند أهل الحق : العلو والارتفاع ، وهكذا يقال في العين والسمع والبصر واليد والقدم ، وغير ذلك من الصفات الواردة في النصوص ، وكلها صفات تليق بالله لا يشابهه فيها الخلق ، جل وعلا .

وعلى هذا سار أهل العلم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ومن بعدهم من أئمة السنة كالأوزاعي والثوري ومالك وأبي حنيفة وأحمد وإسحاق وغيرهم من أئمة المسلمين رحمهم الله جميعاً ، ومن ذلك قوله تعالى في قصة نوح " وَحَمَلْنَاهُ عَلَىٰ ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ * تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا " القمر 13 ، 14 ، وقوله سبحانه وتعالى في قصة موسى " وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي " طه 39 ، فسرهما أهل السنة بأن المراد بقوله سبحانه وتعالى " تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا " أنه سبحانه سيَّرها برعايته سبحانه حتى استوت على الجودي ، وهكذا قوله سبحانه في قصة موسى " وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِي " أي على رعايته سبحانه وتوفيقه للقائمين على تربيته عليه الصلاة والسلام ، وهكذا قوله سبحانه للنبي صلى الله عليه وسلم " وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا ۖ " الطور 48 ، أي إنك تحت كلاءتنا وعنايتنا وحفظنا ، وليس هذا كله من التأويل بل ذلك من التفسير المعروف في لغة العرب وأساليبها .
ومن ذلك الحديث القدسي وهو قول الله سبحانه " من تقرب إليّ شبراً تقربت إليه ذراعاً ومن تقرب إليّ ذراعاً تقربت إليه باعاً ومن أتاني يمشي أتيته هرولة " ، قلت :هذا الحديث القدسي ورد في صحيحي البخاري ومسلم ، وهذه الرواية التي ذكرها الشيخ هي الأقرب لرواية مسلم التي جاءت بهذا اللفظ "مَنْ تقرَّبَ إليَّ شبرًا تقربْتُ منه ذراعًا ومن تقرَّبَ إلي ذراعًا تقربتُ منه باعًا ، وإنْ أتاني يَمْشي أتيتُه هرولةً " يمر كما جاء عن الله سبحانه وتعالى من غير تكييف ولا تحريف ولا تمثيل بل على الوجه الذي أراده الله سبحانه وتعالى ، وهكذا نزوله سبحانه في آخر الليل ، وهكذا السمع والبصر والغضب والرضا والضحك والفرح وغير ذلك من الصفات الثابتة كلها تمر كما جاءت على الوجه الذي يليق بالله من غير تكييف ولا تحريف ولا تعطيل ولا تمثيل عملا بقوله سبحانه " لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ " ، وما جاء في معناها من الآيات.

أما التأويل للصفات وصرفها عن ظاهرها فهو مذهب أهل البدع من الجهمية والمعتزلة ومن سار في ركابهم ، وهو مذهب باطل أنكره أهل السنة وتبرؤوا منه وحذروا من أهله.

قد أوضح العلماء معنى قوله تعالى " وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُم بِاللَّهِ إِلَّا وَهُم مُّشْرِكُونَ " يوسف 106 ، أن المشركين إذا سُئلوا عمَّن خلق السماوات والأرض ومن خلقهم يقولون الله ، وهم مع هذا يعبدون الأصنام والأوثان كاللات والعزى ونحوهما ويستغيثون بها وينذرون ويذبحون لها ، فإيمانهم هذا هو توحيد الربوبية ويبطل ويفسد بشركهم بالله تعالى ولا ينفعهم ، فأبو جهل وأشباهه يؤمنون بأن الله خالقهم ورازقهم وخالق السماوات والأرض ولكن لم ينفعهم هذا لأنهم أشركوا بالله بعبادة الأصنام والأوثان ، هذا هو معنى الآية عند أهل العلم .
* تصوير المحاضرات بجهاز الفيديو للاستفادة منها في أماكن أخرى لتعم الفائدة محل نظر ، وتسجيلها بالأشرطة أمر مطلوب ولا يحتاج معها إلى الصورة ، ولكن الصورة قد يحتاج إليها بعض الأحيان حتى يعرف ويتحقق أن المتكلم فلان ، فالصورة توضح المتكلم ، وقد يكون ذلك لأسباب أخرى ، فأنا عندي في هذا توقف ، من أجل ما ورد من الأحاديث في حكم التصوير لذوات الأرواح وشدة الوعيد في ذلك ، وإن كان جماعة من إخواني أهل العلم رأوا أنه لا بأس بذلك للمصلحة العامة ، ولكن أنا عندي بعض التوقف في مثل هذا لعظم الخطر في التصوير ولما جاء فيه من الأحاديث الثابتة في الصحيحين وغيرهما في بيان أن أشد الناس عذاباً يوم القيامة المصورون ، وأحاديث لعن المصورين إلى غير ذلك من الأحاديث.
* الأعمال التي جاءت النصوص ببيان فضلها قسمان : قسم واجب ، فعلى المرء المسلم سواء كان عالماً أو غير عالم أن يعتني به وأن يتقي الله في ذلك وأن يحافظ عليه كالصلوات الخمس وأداء الزكاة وغيرهما من الفرائض ، وقسم مستحب كالتهجد بالليل وصلاة الضحى ونحو ذلك ، فالمشروع للمؤمن أن يجتهد في ذلك ويحرص عليه ، ولا سيما أهل العلم لأنهم قدوة ، ولو شُغل عن ذلك أو تركه بعض الأحيان لم يضره ذلك لأنه نافلة ، لكن من صفات أهل العلم والأخيار العناية بهذا الأمر والمحافظة عليه كالتهجد بالليل وصلاة الضحى والرواتب إلى غير هذا من وجوه الخير .

* اقتناء الطيور والحيوانات المحنطة سواء ما يحرم اقتناؤه حياً أو ما جاز اقتناؤه حياً فيه إضاعة للمال وإسراف وتبذير في نفقات التحنيط ، وقد نهى الله عن الإسراف والتبذير ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال ولأن ذلك وسيلة إلى تصوير الطيور وغيرها من ذوات الأرواح ، وتعليقها ونصبها في البيوت والمكاتب وغيرها وذلك محرم فلا يجوز بيعها ولا اقتناؤها .

وعلى المحتسب أن يبين للناس أنها محرمة وأن يمنع ظاهرة تداولها في الأسواق وقد وقع الشرك في قوم نوح بسبب تصوير ود وسواع ويغوث ويعوق ونسر وكانوا رجالاً صالحين في قوم نوح ماتوا في زمن متقارب فزيَّن الشيطان لقومهم أن يصوروا صورهم وينصبوها في مجالسهم ففعلوا فوقع الشرك في قوم نوح بسبب ذلك ، كما ذكر ذلك البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنهما وذكر ذلك غيره من المفسرين والمحدثين والمؤرخين .
* تكتب الوصية حسب الصيغة التالية : (أنا فلان بن فلان أو فلانة بنت فلان أوصي بأنني أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأن محمداً عبدُه ورسولُه وأن عيسى عبدُ الله ورسولُه وكلمته ألقاها إلى مريم وروحٌ منه وأن الجنة حق والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ، وأوصي من تركت من أهلي وذريتي وسائر أقاربي بتقوى الله وإصلاح ذات البين وطاعة الله ورسوله والتواصي بالحق والصبر عليه ، وأوصيهم بمثل ما أوصى به إبراهيم عليه السلام بنيه ويعقوب " يَا بَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَىٰ لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ " البقرة 132 ، ثم يذكر ما يرغب أن يوصي به من ثلث ماله أو أقل من ذلك أو مال معين لا يزيد على الثلث ويبين مصارفه الشرعية ويذكر الوكيل على ذلك).

والوصية ليست واجبة بل مستحبة إذا أحب أن يوصي بشيء لما ثبت في الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما حَقُّ امرئٍ مسلمٍ له شيءٌ يريدُ أن يُوصيَ فيه يبيتُ ليلتينِ إلَّا ووصيتُه مكتوبةٌ عندَهُ " قلت : هذه رواية مسلم ، وروايةُ البخاري دون لفظ " يريد أن "، لكن إذا كانت عليه ديون أو حقوق ليس عليها وثائق تثبتها لأهلها وجب عليه أن يُوصيَ بها حتى لا تضيع حقوق الناس وينبغي أن يشهد على وصيته شاهدين عدلين وأن يحررها لدى من يوثق بتحريره من أهل العلم حتى يعتمد عليها ولا ينبغي أن يكتفي بخطه فقط لأنه قد يشتبه خطه على الناس وقد لا يتيسر من يعرفه من الثقات .
* ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال " ما أسفلَ من الكعبينِ من الإزارِ فهو في النَّارِ " رواه البخاري في صحيحه ، قلت : رواه البخاري عن أبي هريرة بلفظ "ما أسفلَ من الكعبين من الإزارِ ففي النَّارِ" وقال عليه الصلاة والسلام " ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ، المسبل إزاره والمنان في ما أعطى والمنفق سلعته بالحلف الكاذب " أخرجه مسلم في صحيحه ، قلت : ورد الحديث في مسلم بأكثر من رواية أقربها ما جاء بهذا اللفظ من رواية أبي ذر رضي الله عنه " ثَلاثَةٌ لا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ يوم القيامة ولا يَنْظُرُ إليهِم ولا يُزَكِّيهِمْ ولَهُمْ عَذابٌ ألِيمٌ... المسبل والمنان والمنفقُ سلعتَه بالحلف الكاذبِ " ، والأحاديث في هذا المعنى كثيرة ، وهي تدل على تحريم الإسبال مطلقاً ، ولو زعم صاحبه أنه لم يرد التكبر والخيلاء ، لأن ذلك وسيلة للتكبر ، ولما في ذلك من الإسراف وتعريض الملابس للنجاسات والأوساخ ، أما إن قصد بذلك التكبر فالأمر أشد والإثم أكبر لقول النبي صلى الله عليه وسلم " من جرَّ ثوبَه خيلاء لم ينظر اللهُ إليه يوم القيامة " ، قلت : رواه البخاري عن عبد الله بن عمر ، والحد في ذلك هو الكعبان فلا يجوز للمسلم الذكر أن تنزل ملابسه عن الكعبين للأحاديث المذكورة ، أما الأنثى فيشرع لها أن تكون ملابسها ضافية تغطي قدميها .

وأما ما ثبت عن الصديق رضي الله عنه أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم " إن إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : إنك لست ممن يفعله خيلاء " قلت : ورد الحديث في البخاري بلفظ "إنَّ أحَدَ شِقَّيْ ثَوْبِي يَسْتَرْخِي، إلَّا أنْ أتَعاهَدَ ذلكَ منه؟ فقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّكَ لَسْتَ تَصْنَعُ ذلكَ خُيَلاءَ "، فالمراد بذلك أن من استرخى إزاره بغير قصد وتعاهده وحرص على رفعه لم يدخل في الوعيد لكونه لم يتعمد ذلك ولم يقصد الخيلاء ولم يترك ذلك بل تعاهد رفعه وكفه .

وهذا بخلاف من تعمد إرخاءه فإنه متهم بقصد الخيلاء وعمله وسيلة إلى ذلك والله سبحانه هو الذي يعلم ما في القلوب ، والنبي صلى الله عليه وسلم أطلق الأحاديث في التحذير من الإسبال وشدد في ذلك ولم يقل فيها إلا من أرخاها بغير خيلاء ، فالواجب على المسلم أن يحذر ما حرَّم الله عليه وأن يبتعد عن أسباب غضب الله وأن يقف عند حدود الله يرجو ثوابه ويخشى عقابه عملاً بقول الله سبحانه وتعالى " وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ " الحشر 7 ، وقولِه عز وجل " تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ۚ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ وَذَٰلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ * وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُّهِينٌ " النساء 13 ، 14 .
وفق اللهُ المسلمين لكل ما فيه رضاه وصلاحُ أمرهم في دينهم ودنياهم إنه خيرُ مسئول .

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

26 - 6 - 1442هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

3 + 3 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر