الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله
وبعد
إن الله تعالى حكيم في قضائه وقدره يرعى مصالح عباده ويكفيهم ما يحتاجونه ، وقد يقدر الله على الصبي ألا يعيش بين والديه بسبب طلاق أمه أو وفاة والده ، فيعيش يتيما كما حصل لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فمن تمام حفظ الله لخلقه ورعايته لهم أن أوجب القيام بحفظ هذا الصغير ونحوه ممن لا يمكنه تدبير أموره بنفسه ، وهذا ما يسمى بالحضانة .
والحضانة لغة : مأخوذة من الِحضْنِ ، وهو الجنب ، لأن المُرَبِّي يضم الطفل إلى حِضْنه .
وشرعا : حفظ صغير ومجنون ومعتوه عما يضرهم ، والقيام بمصالحهم عامة .
والحضانة واجبة ، لأنها إنجاء للمحضون بإذن الله من الهلكة المتحققة بتركها ، فإذا لزمت أحد القرابة أُجْبر عليها إلا لعذر .
وإذا افترق الزوجان ولهما طفل ، أو تُوفي الأبوان عن طفل ، فحضانته تكون على النحو التالي :
1- الأحق بها الأم : لما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن امرأة قالت : يا رسول الله ، ابني هذا كان بطني له وعاء وثديي له سقاء ، وحجري له حِواء ، وإن أباه طلقني فأراد أن ينتزعه مني ، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أنتِ أحق به ما لم تنكحي " رواه أحمد وحسنه الألباني ، فالأم مقدمة على كل الأقارب ، لما فيها من الحنان والشفقة ، لكن إن تزوجت سقط حقها في الأولوية بالحضانة ، وانتقلت إلى مَن بعدها ، لأنها تتفرغ لشؤون الزوج الجديد .
2- ثم أم الأم ، لأنها في معنى الأم .
3- ثم الأب لأنه أصل النسب وفيه شفقة الأبوة .
4- ثم أم الأب لأنها تدلي بعصبة قريبة .
5- ثم الجد لأنه في معنى الأب .
6- ثم أم أبي الأب لأنها بمنزلة الجدة .
7- ثم أخت المحضون الشقيقة لأنها تشاركه في نسبه وهي متقدمة في الميراث .
8- ثم الأخت لأم لأنها تدلي بالأمومة .
9- ثم الأخت لأب .
10- ثم الخالة لأنها بمنزلة الأم .
11- ثم العمة ، وقُدمت الخالة عليها لما روى البراء بن عازب رضي الله عنهما أن ابنة حمزة رضي الله عنهما اختصم فيها علي وجعفر وزيد رضي الله عنهم ، فقال علي : أنا أحق بها وهي ابنة عمي ، وقال جعفر : ابنة عمي وخالتها تحتي ، وقال زيد : ابنة أخي ، فقضى بها رسول الله صلى الله عليه وسلم لخالتها ، وقال " الخالة بمنزلة الأم " رواه البخاري .
12- ثم خالة أم المحضون .
13- ثم خالة أبيه .
14- ثم عمة أبيه .
15- ثم بنت أخيه .
16- ثم بنت أخته .
ثم الأقرب فالأقرب .
فإن لم يوجد نظر القاضي في ذلك لأن ولايته عامة .
فإذا تعذرت حضانة من له الحضانة أو لم يقم بواجب الحضانة ، انتقلت إلى من بعده على الترتيب .
شروط الحاضن :
1- أن يكون مسلما ، فلا حضانة لكافر ، لأن الحضانة ولاية ، والكافر لا ولاية له على مسلم ، لقوله تعالى " ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا " النساء 141 ، ولأنه لا يُوثق به في أداء الواجب من الحضانة ويُخشى أن يربيه على الكفر .
2- أن يكون عدلا ، لأن الفاسق لا يتورع عن ظلم المحضون ، كما أنه قد ينشئه على الفسوق .
زمن الحضانة :
الحضانة مستمرة في حق الصغير حتى يبلغ ويرشد ، وأما المعتوه ونحوه فتستمر حضانته حتى يعقل .
الأحق بحضانة الصغير :
إذا بلغ سبع سنين وليس بمعتوه خُيِّر بين أبويه ، ويكون عند من اختار منهما ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَيَّر غلاما بين أبيه وأمه " رواه أحمد .
فإن اختار أباه كان عنده ليلا ونهارا ، وإن اختار أمه كان عندها ليلا ، وعند أبيه نهارا ليعلمه ويؤدبه ، فإذا بلغ الغلام ورشد كان حيث شاء لقدرته على إصلاح أموره ، فلم يبق عليه ولاية لأحد ، إلا أن خيف عليه من الفتنة فيبقى عند أحد والديه .
وأما الصَّبيَّة إذا بلغت سبع سنين فالأصل أن تكون عند أبيها حتى تتزوج ، لأنه أحفظ لها وأحق بولايتها من غيره ، فإن كانت الأم أحفظ لها كانت عندها .
حق المحضون :
1- أن لا يمنع من زيارة والديه ، فإن كان عند الأم فلا يجوز لها منع الأب من زيارة ولده ، ولا منع الولد من زيارة أبيه ، وكذلك لو كان عند أبيه فيحرم عليه منع أمه من رؤيته وزيارته ، أو زيارته لها .
2- لا يجوز ترك المحضون عند من لا يصونه ويصلحه لفوات المقصود من الحضانة .
3- لا يجوز للحاضن أن يوغر صدر الابن على والده أو والدته ، بل يوصيه بالبر والإحسان وينهاه عن العقوق والقطيعة .
وبالله التوفيق
23 - 6 - 1441هـ