الدرس 102 النفقات

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 21 جمادى الآخرة 1441هـ | عدد الزيارات: 1125 القسم: الفوائد الكتابية

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله

وبعد

من رحمة الله تعالى بعباده أن يسر لهم أرزاقهم وتكفل بها ، ووكل القيام بها إلى بعض خلقه رعاية لهذه الكفالة لئلا يفقد غير القادر على التكسب العيش كالصغير واليتيم والمرأة والبهيمة ، وهذا هو ما يسمى عند العلماء بالنفقات .

والنفقات لغة : جمع نفقة وهي الدراهم ونحوها من الأموال .

وشرعا : كفاية من يمونه بالمعروف ، من الطعام والكسوة والسُكنى وما يتبع ذلك .

حكم الإنفاق :

يجب على الشخص أن ينفق على من تلزمه نفقته ، دلَّ على ذلك الكتاب والسنة والإجماع .

فمن الكتاب قولُه تعالى " لينفقْ ذو سَعةٍ من سَعته ومن قُدِر عليه رزقه فلينفق مما ءاتاه الله " الطلاق 7 ، وقولُه تعالى " وعلى المولود له رزقُهن وكسوتُهن بالمعروف " البقرة 233 .

ومن السنة قولُه صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته " رواه مسلم .

وأما الإجماع فقد أجمع العلماء على وجوب النفقة .

وتكون النفقة على :

1- الزوج لزوجته .

2- الأب لأولاده الصغار .

3- الابن لوالديه .

4- الوارث لكل من يرثه .

5- صاحب البهائم لبهائمه .

وإليك إيضاح ذلك بالتفصيل :

أولا : النفقة على الزوجة :-

تجب النفقة على الزوج لزوجته غنيةً كانت أو فقيرة وإن كانت مطلقة طلاقا رجعيا ، لأنها زوجة ، ودليل ذلك قُوله تعالى " لينفقْ ذو سَعةٍ من سَعته ومن قُدِر عليه رزقه فلينفق مما ءاتاه الله " الطلاق 7 .

وما رواه جابر بن عبد الله رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " ولهن عليكم رزقهن وكسوتهن بالمعروف " رواه مسلم .

وأما البائن بطلاق أو خُلع أو فسخ أو نحوه فلا تجب لها نفقة ولا سكنى ، لما جاء في حديث فاطمة بنت قيس رضي الله عنها - وكان زوجها طلقها ألبتَّة - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها " لا نفقة لكِ ولا سكنى " رواه البخاري ومسلم .

فإن كانت حاملا فتجب لها النفقة من أجل حملها ، لقوله تعالى " وإن كنَّ أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهنَّ " الطلاق 6 .

وأما المتوفَّى عنها فلا نفقة لها مطلقا لأن مال الزوج انتقل إلى ورثته .

مقدار النفقة :

تجب لها النفقة من الطعام والكسوة والسكنى بقدر ما يكفيها عرفا من غير إسراف ولا تقتير وينبغي على المرأة أن تراعي حال زوجها ، فلا تطلب منه ما لا يطيقه كما قال سبحانه " لينفقْ ذو سَعةٍ من سَعته ومن قُدِر عليه رزقه فلينفق مما ءاتاه الله " الطلاق 7 ، وينبغي على الزوج كذلك أن يوفر لها ما يكفيها ويصلح حالها من طعام وكسوة وسكنى وأثاث ونحو ذلك ، كما ينبغي أن يُؤمِّن لها ما تحتاجه من أنواع الزينة ويدفع نفقة علاجها عند المرض لأن ذلك من العشرة الزوجية التي تدعو إلى الألفة والمودة وتقطع النزاع .

وإذا كان الزوج بخيلا غير منفق فلا مانع أن تأخذ من ماله - دون علمه - ما يكفيها وولدها بالمعروف لقوله صلى الله عليه وسلم لهند بنت عتبة زوجة أبي سفيان رضي الله عنهما لما شكته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " رواه البخاري ، فإن لم يمكن ذلك رفعت أمرها إلى القاضي ليفرض لها على زوجها كفايتها ، أما إذا كان زوجها ينفق عليها بالمعروف فلا يجوز أن تأخذ من ماله إلا بإذنه .

ومتى كانت الزوجة ناشزا فإنها لا تستحق النفقة في قول جمهور أهل العلم .

ثانيا : النفقة على الأولاد وإن نزلوا .

تجب النفقة على الأب لأولاده كما قال سبحانه " وعلى المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف " البقرة 233 ، ولما جاء في حديث هند بنت عتبة رضي الله عنها " خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف " رواه البخاري .

وعلى الأب أن يزوج ابنه إذا احتاج إلى النكاح وكان فقيرا لأن فيه إعفافا له وهذا من توابع النفقة وقد قال صلى الله عليه وسلم " كفى بالمرء إثما أن يحبس عمن يملك قوته " رواه مسلم .

ثالثا : النفقة على الوالدين :

تجب النفقة للوالدين وإن عَلوا - إذا كانا محتاجين - على أولادهم ، لقوله تعالى " وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا " والنفقة من أبرز صور الإحسان .

قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على أن نفقة الوالدين الفقيرين اللذين لا كسب لهما ولا مال واجبة في مال الولد .

وإذا احتاج الأب إلى زواج فينبغي للولد أن يزوجه ويلزمه ذلك إذا كان الأب فقيرا وخشي العنت بتركه .

رابعا : النفقة على الأقارب المحتاجين :

يجب على كل قادر أن ينفق على كل فقير من أقربائه الذين لو ماتوا ورثهم بالفرض أو بالتعصيب وذلك لأنه وارث لهم والله تعالى يقول " وعلى الوارث مثلُ ذلك " البقرة 233 ، أي : مثل ما يجب على الأب للمُرْضَع ، ولأن بين المتوارثين قرابة تقتضي كون الوارث أحق بمال الموروث من سائر الناس ، فينبغي أن يختص بوجوب صلته بالنفقة دونهم .

وتجب هذه النفقة بثلاثة شروط :

1- أن يكون المنفِق وارثا للمُنفَق عليه إذا مات .

2- أن يكون المنفَق عليه فقيرا ليس عنده مال ولا مهنة يتكسب منها أو عنده مال لا يكفيه وفي هذه الحالة يكمل له ما يحتاجه من النفقة .

3- أن يكون المنفِق غنيا عنده ما يكفيه ويكفي أولاده وزيادة .

الحكمة في النفقة على الأقارب :

المتأمل في أحكام النفقات يستطيع التوصل إلى بعض هذه الحكم ومنها :

1- الإنفاق على الأقارب يساعد في تقليل الجرائم في المجتمع فالفقير عندما لا يجد ما يكفيه ولا يريد أن يتكفف الناس فإنه قد يتجه إلى السرقة والخطف وغيرها من الجرائم للحصول على المال .

2- إذا نظر القريب الفقير إلى قريبه الغني الذي يتمتع بالمال وهو معدم فقير يؤدي هذا إلى أن يحقد عليه ويحسده ، بل قد يرتكب جريمة في حقه من أجل أن يشفي غليله خاصة إذا كان يرث هذا الغني فإنه قد يطمع في الحصول على هذا الميراث .

3- إلزام الغني بالنفقة يساعد في إيجاد فرص عمل للعاطلين ، لأن الغني إذا كان يعلم أن قريبه الذي تجب عليه نفقته إذا لم يجد عملا فإنه ملزم بالنفقة عليه فإنه سيحاول أن يحصل له عملا وهو في الغالب قادر على ذلك بحكم علاقاته ومعارفه .

الصدقة على الأقارب :

صدقة الإنسان على قريبه الفقير الذي لا تجب عليه نفقته أفضل من الصدقة على البعيد ، لقوله صلى الله عليه وسلم " ابدأ بنفسك فتصدق عليها ، فإن فَضَلَ شيء فلأهلك ، فإن فَضَلَ عن أهلك شيء فلذي قرابتك ، فإن فَضَلَ عن ذي قرابتك شيء فهكذا وهكذا " رواه مسلم .

وعندما حث النبي صلى الله عليه وسلم على الصدقة فسألت امرأة ابن مسعود عن الصدقة على الزوج وأيتام في حجْرها قال النبي صلى الله عليه وسلم " لها أجران : أجر القرابة ، وأجر الصدقة " رواه البخاري ومسلم .

خامسا : النفقة على البهائم .

يجب على الإنسان أن يعلف بهائمه ويسقيها ، ويعمل على ما فيه صلاحها ، لقوله صلى الله عليه وسلم " عُذِّبت امرأة في هرة حبستها حتى ماتت ، فلا هي أطعمتها ولا هي أرسلتها تأكل من خشاش الأرض " رواه البخاري ومسلم .

ولا يجوز أن يضربها أو يحمِّلها ما لا تطيق ، فعن سهل بن الحنظلية رضي الله عنه قال : مرَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ببعير قد لحق ظهره ببطنه ، فقال : " اتقوا الله في هذه البهائم المعجمة ، فاركبوها صالحة واتركوها صالحة " رواه أبو داود وصححه الألباني .

النفقة من مظاهر التكافل الاجتماعي :

إن المجتمع الإسلامي كما وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم " كالجسد الواحد ، إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى " رواه البخاري ومسلم ، فالمجتمع مترابط متعاون متكافل ، يتفاعل مع أفراده فيفرح لفرحهم ويتألم لألمهم ، ذلك أن الإسلام شرع من الوسائل والأحكام التكافلية ما يسعد هذا المجتمع في دينه ودنياه .

وأنواع هذه النفقات التي ذكرناها من أبرز صور التكافل والتعاون في المجتمع الإسلامي فإذا كانت الأسرة قد كفل لها الإسلام كفايتها ، وكذلك الأقارب المتوارثون قد كفل لهم الكفاية فذلك يعني أنه قد تحققت الكفالة لنسبة كبيرة من المجتمع لأن الناس في جملتهم هم عبارة عن مجموعات أسرية متكافلة .

وإذا قدِّر أن هناك من لم تشملهم هذه الرعاية والكفاية فالدولة الإسلامية تضمن لهم ما يكفيهم ويسد حاجتهم ويحقق سعادتهم ، لما روى أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم فمن توفي من المؤمنين فترك دَيناً فعليَّ قضاؤه ، ومن ترك مالاً فلورثته " رواه البخاري ومسلم .

وبالله التوفيق

21 - 6 - 1441هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 2 =

/500