أخطار المخدرات

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 4 ربيع الثاني 1441هـ | عدد الزيارات: 937 القسم: خطب الجمعة

الحمدُ لله أحلَّ الحلالَ وحرَّمَ الحرامَ، ابتلى العبادَ فأسعد قومًا سلكوا الصراط المستقيم فاتقوا المُحرمات والشُبهات، وأشقى آخرين تجاوزوا الحدود وانتهكوا الحرمات، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ربُ الأرضين والسماوات غافرُ الذنب وقابلُ التوب ومقيلُ العثرات وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أعفُ الناس عن الحرام حذر أمتهُ مما يضر الأديان والعقول والأبدان صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله الأخيار وأصحابه الأبرار ومن تبعهم بإحسان إلى يوم القرار.

أما بعد عباد الله: اتقوا الله فإنه أمركم بتقواه ووعدكم على التقوى خيرا عظيما وأجرا جزيلا ورتَّبَ على تقواه -جلَّ في علاه- فوزَ الدُّنيا والآخرة، قال تعالى "وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ" (الزمر61)

عبادَ اللهِ نعمُ الله لا تحصى وأعظمها تكريمُ بني آدم حيث قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَىٰ كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا)الإسراء70 وأعظمُ تكريم لنا هذا العقلُ الرشيدُ الذي به نُميزُ بين الخير والشر والضار والنافع قال الإمامُ القرطبيُ رحمه الله: (التفضيلُ إنما كان بالعقل الذي هو عُمدةُ التكليف) .

العقلُ جوهرةُ ثمينةٌ يَحوطُها العقلاءُ بالرعاية والحماية اعترافًا بفضله وخوفًا من ضياعه وفقده ومع ذلك فقد أبى بعضُ التائهين إلا الانحطاطَ إلى درك الذلةِ والانحدارِ إلى المهانة فوضعوا العقل تحت أقدامهم واتبعوا شهواتهم، وأعموا أبصارَهم، فأزالوا عقولَهم في كأسة خمر أو جُرعة مخدر أو استنشاق مُسكر ومفتر، فانسلخوا من عالم الإنسانية ولبسوا ثوب الإجرام والبهيمية.

ايُها المسلمون: إن آفةُ مجتمعاتِ اليوم هي المُسكراتُ، والمخدراتُ أمُ الخبائث وأصلُ الشرور والمصائب، شَتَّتتْ الأُسرَ وهتكتْ الأعراضَ وسبَّبَتْ السرقاتِ وجرَّأتْ على القتل وأدَّت إلى الانتحار نسي السكرانُ والمخدرُ ربه فظلم نفسه ومزق حياءه وأيتم أطفاله وأرمل زوجته لغياب عقله، وفضح أهله، عربدَ ولهى وطغى ولغا.

والخمرُ هي كلُ ما خامر العقلَ مهما كان نوعُه وأيًّا كان اسمُه وجنسه، فقد قال رسول الله ﷺ (كلُ مسكر خمرُ وكلُ مسكر حرامُ) رواه مسلم عن ابن عمر وقال أيضا: (كلُ شراب أسكر فهو حرامُ) رواه البخاري، وقال أيضا: كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، إنَّ علَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَهْدًا لِمَن يَشْرَبُ المُسْكِرَ أَنْ يَسْقِيَهُ مِن طِينَةِ الخَبَالِ، قالوا: يا رَسولَ اللهِ، وَما طِينَةُ الخَبَالِ؟ قالَ: عَرَقُ أَهْلِ النَّارِ، أَوْ عُصَارَةُ أَهْلِ النَّارِ. رواه مسلم . إنها نصوصُ زجر ووعيد وتخويف وتهديد يقفُ عند حدها من يعلم أنه محاسبٌ غدا أمام الله العظيم المجيد . (ذَٰلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِّلْعَبِيد) آل عمران182 والمخدرات بأنواعها شرُ من الخمر فهي تفسد العقل وتدمر الجسد وتُذهب المال وتقتُل الغيرة فهي تشارك الخمر في الإسكار وتزيد عليها في كثرة الأضرار.

عباد الله

إن المخدرات والمسكرات آفةُ خبيثةُ لم تفشُ في عصر من العصور كما فشت في عصرنا الحاضر، فها هي وسائل الإعلام تطالعنا أحيانا مُظهرة جهود رجال الأمن ورجال الهيئات وفقهم الله وأعانهم عارضة كميات مخيفة إنهم عصابات مجرمة من جنسيات متنوعة ، الأمرُ الذي يجعلُنا في قلق وخوف من تلك السمُوم القاتلة. لأن ضحاياها مع الأسف الشديد شبابُ في سن الزهور

عباد الله: نتحدث عن المسكرات والمخدرات في وقت ضجت بالشكوى منه بيوتُ واصطلى بنارها من عاشها فوالدُ يشكي ،وأمُ تبكي، وزوجةُ حيرى ، وأولادُ تائهون في ضيعة كُبرى،ومن عوفي فليحمد المولى . المخدراتُ تفسد العقل وتقطع النسل وتورث الجنون وتجلب الوساوس والهموم وأمراضا عقلية وعضوية مستعصية وتجعل صاحبها حيوانا هائجا ليس له صاحب ، وتُرديه في أسوأ المهالك مع ما تورثه من قلة الغيرة وزوال الحمية . وكثيرا ما تفككت أسرُ من أثرها وتفشت الجرائم بسببها "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ90 إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلَاةِ ۖ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ (91) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا ۚ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ " (92 المائدة)

هذا، وأستغفر الله لي ولكم .

الخطبة الثانية:

الحمد لله أحل لنا الطيبات وحرم علينا الخبائث ، نحمده سبحانه ونشكره ، ونتوب إليه ونستغفره ، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وأشهد أن محمدا عبدُه ورسوله ، صلى الله عليه وسلم وعلى آله واصحابه ومن تبعهُم بإحسان

أمَّا بعدُ: عبادَ الله إنَّ الله توعَّدَ متعاطيَ الخمورِ والمخدرات عقوبات دنيوية وأخروية أشدها اللعنُ والطردُ من رحمة الله ، فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله ﷺ يقولُ : ( لعن الله الخمر و شاربها وساقيها وبائعها ومبتعاها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه ) صححه الألباني وقال أيضا :( من شرب الخمر في الدنيا ثم لم يتب منها حُرمها في الأخرة ) رواه البخاري ومسلم .

عباد الله: لانتشار هذا الوباء أسبابُ وبواعثُ، منها ضعفُ الوازع الديني؛ بسبب كثرة المعاصي ، ووسائلُ الإلهاء ، التي أبعدت النَّاس عن هدي الله وذكره ، وهَوَّنَتْ عليهم إرتكابَ أي محظور وأنتجت قلة الخوف من الله ، فلا يفكر أحدهم في عذاب الآخرة ولا عقاب الدنيا ، وكذلك من أسباب انتشارها الفراغُ القاتل ، و خاصة عند الشباب ، عند مصاحبتهم أصدقاء السوء . ولمخططات الأعداء دور كبير في انتشارها وذلك لاستلاب العقول والأموال والبعض يبدأ في مستنقع الخمور والمخدرات بتشجيع من رفقاء السوء أو حب الاستطلاع فإذا وقع في هذا المستنقع صعب عليه الخروج فبعضهم يدمن من أول مرة ويصبح أسيرا لهذه السموم ، والمتعاطي لهذه السموم تصبح شغله الشاغل وينسى ما عداها من أمور دنياه وآخرته ، وهذه الآفة شاملة للصغار والكبار ، والرجال والنساء . وما يجري في بعض الأماكن الموبوءَةِ من الترويج للمخدرات ، والتسهيل لتعاطيها ، من وسائل تقريب الشر من التدخين والشيش وما أشبه ذلك ، كل ذلك مقدمات وخطوات في طريق الهاوية، اللهم اكفنا شر كل ذي شر أنت آخذ بناصيته ، اللهم احفظ علينا ديننا وعقولنا وأنفسنا وأموالنا وأهلينا وبلادنا.

هذا وصلوا وسلموا على إمام المُرسلين، وقائد الغُر المُحجلين ، فقد أمركم اللهُ تعالى بالصلاة والسلام عليه في محكم التنزيل ، فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب56

اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين ، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين ، وعن بقية صحابة رسولك أجمعين ، وعن التابعين وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين ، وعنا معهم برحمتك، اللهم أعز الإسلام وانصر المسلمين ، وأذل الشرك والمُشركين، ودمِّر أعداءَك أعداءَ الدين، واجعل اللهم هذا البلد آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم إنا نسألك أن تحفظ بلادنا وسائر بلاد المسلمين، اللهم ثبتنا على الإسلام والسنة وجنبنا مسالك الضلال والبدعة، اللهم ادفع عنا الفتن ما ظهر منها وما بطن ، عن بلادنا وعن سائر بلاد المسلمين ، اللهم وفق إمامنا وولي عهده لما تحبُ وترضى وخُذ بنواصيهما للبر والتقوى، اللهم ارزقهُما البطانة الصالحة الناصحة التي تدُلهما على الخير وتُعينهما عليه ، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وتحكيم شرعك ، اللهم احفظ جنودنا المرابطين على حدودنا اللهم سدد سهامهم وأراءهم ، وثبت أقدامهم ، وانصرهم على عدوك وعدوهم ، اللهم اشف مرضاهم ، وداوِ جرحاهم ، اللهم تقبل موتاهم في الشهداء اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولجميع المسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات، (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) البقرة201

عباد الله "إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَىٰ وَيَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ ۚ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ" النحل90

فاذكروا الله العظيم الجليل يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم ، (ولذكرُ الله أكبرُ واللهُ يعلمُ ما تصنعون)العنكبوت45

1441-4-4هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

4 + 7 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي