الجنائز

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الخميس 6 صفر 1439هـ | عدد الزيارات: 1382 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله القائل(كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *وَيَبْقَىٰ وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) الرحمن:26-27

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الكبير المتعال، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أرسله بالهدى ودين الحق، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما

أما بعد، عباد الله

اتقوا الله تعالى، وتذكروا الموت، وقرب نزوله، واستعدوا له بالأعمال الصالحة، والتوبة من الذنوب والسيئات، فإن نسيان الموت يقسي القلب، ويرغب في الدنيا، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (أكثروا من ذكر هاذم اللذات) . رواه الترمذي وحسنه الألباني

وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال (أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنكبي، فقال: كن في الدنيا كأنك غريب، أو عابر سبيل) صححه الألباني.، وكان ابن عمر يقول (إذا أمسيت فلا تنتظر الصباح، وإذا أصبحت فلا تنتظر المساء، وخذ من صحتك لمرضك، ومن حياتك لموتك) رواه البخاري

وعن عبد الله بن مسعود عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله، والنار مثل ذلك) رواه البخاري

أيها الإخوة: إن تذكر الموت، يزهد في الدنيا، ويحفز على العمل الصالح، وعلى التوبة من الذنوب، والتخلص من مظالم العباد، وإعطاء الناس حقوقهم، ولما كان الموت نهاية حياة الإنسان في هذه الدنيا، فقد شرع الله سبحانه للأموات أحكاما تجب معرفتها وتنفيذها:

وأول هذه الأحكام: أنه يستحب تلقين المحتضر: لا إله إلا الله، لقوله صلى الله عليه وسلم (لقنوا موتاكم لا إله إلا الله) رواه مسلم، وذلك لتكون هذه الكلمة الطيبة آخر كلامه، ويختم له بها، فقد جاء في الحديث الذي رواه الإمام أحمد مرفوعا (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله، دخل الجنة) صححه الألباني

ومن هذه الأحكام: أنه إذا مات يُسَرَّعُ في تجهيزه: من تغسيله وتكفينه، والصلاة عليه، ونقله إلى قبره.

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم الإسراع بتجهيز الميت إلى الله، وتطهيره، وتنظيفه، وتطييبه، قال: وكان يأمر بغسل الميت ثلاثا أو خمسا أو أكثر بحسب ما يراه الغاسل، ويأمر بالكافور في الغسلة الأخيرة، وكان يأمر من ولي الميت أن يحسن كفنه، ويكفنه بالبياض، وينهى عن المغالات في الكفن

والرجل يتولى تغسيله الرجال، والمرأة يتولى تغسيلها النساء، ويجوز للرجل أن يغسل زوجته، وللمرأة أن تغسل زوجها، ومن تعذر غسله لعدم الماء، أو لكون جسمه محترقا، أو متقطعا، لا يتحمل الماء، فإنه ييمم بالتراب، وإن تعذر غَسل بعضه غُسل ما أمكن غسله منه، ويُمِمَ عن الباقي

والسقط إذا كان له أربعة أشهر غسل، وصلي عليه، لقوله صلى الله عليه وسلم (والسقط يصلى عليه، ويدعى لوالديه، بالمغفرة والرحمة) رواه أبو داود وصححه الألباني، وأيضا يسمى ويعق عنه

فإذا غسل الميت وكفن، فإنه يصلى عليه، والصلاة عليه جماعة أفضل لفعله صلى الله عليه وسلم، وفعل أصحابه

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ومقصود الصلاة على الجنازة هو الدعاء للميت

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله على قوله تعالى (وَلَا تُصَلِّ عَلَىٰ أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَىٰ قَبْرِهِ ۖ) التوبة:84

لمَّا نهى الله نبيه عن الصلاة على المنافقين كان دليلا على أن المؤمن يصلى عليه قبل الدفن، ويقام على قبره بعده، ودلت الآية أيضا على أن الصلاة على المسلمين من أكبر القربات، وأفضل الطاعات، ورتب الشارع عليها الجزاء الجزيل، كما في الصحاح، وغيرها، ودلت الآية على أن الصلاة عليه كانت عادة النبي صلى الله عليه وسلم في المسلمين، وأمرا متقررا عند المسلمين، وكلما كثر المصلون كان أفضل، لما روى مسلم في صحيحه (ما من ميت يصلي عليه أمة من المسلمين يبلغون مئة، كلهم يشفعون له، إلا شفعوا فيه) وله من حديث ابن عباس (وما من مسلم يموت، فيقوم على قبره أربعون رجلا لا يشركون بالله شيئا إلا شفعوا فيه)صححه الألباني.

ومن فاتته الصلاة على الميت قبل دفنه، صلى على قبره، لما في الصحيحين من حديث أبي هريرة وابن عباس: أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى على قبر، وذلك أن امرأة سوداء كانت تقم المسجد، ففقدها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأل عنها، فقالوا: ماتت، فقال: أفلا كنتم آذنتموني؟، قال: فكأنهم صغروا أمرها، فقال: دلوني على قبرها، فدلوه، فصلى عليها

ثم بعد الصلاة على الميت يبادر بحمله إلى قبره، ويستحب للمسلم حضور الصلاة على أخيه المسلم، وتشييع جنازته إلى قبره، بسكينة وأدب، وعدم رفع صوت، لا بقراءة ولا ذكر، ولا غير ذلك، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (من شهد الجنازة حتى يصلى عليها فله قيراط، ومن شهدها حتى تدفن فله قيراطان)رواه مسلم. قيل: وما القيراطان؟ قال (مثل الجبلين العظيمين) متفق عليه

ويسن توسيع القبر وتعميقه، ويوضع الميت فيه موجها إلى القبلة على جنبه الأيمن، ويسد اللحد عليه سدا محكما، ثم يهال عليه التراب، ويرفع القبر عن الأرض قدر شبر، ويكون مسنما، أي: محدبا، وذلك ليرى فيعرف أنه قبر فلا يوطأ، ولا بأس أن يجعل علامة عليه، بأن يوضع عليه حجر ونحوه، ليعرفه من يريد زيارته للسلام عليه، والدعاء له

ولا تجوز الكتابة على القبر، لا كتابة اسم الميت، ولا غيرها، ولا يجوز تجصيصه، ولا البناء عليه، ولا تجوز إضاءة المقابر بالأنوار الكهربائية، ولا غيرها، لحديث جابر قال (نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجصص القبر، وأن يعقد عليه، وأن يبنى عليه) رواه مسلم

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: ولم يكن من هديه صلى الله عليه وسلم تعلية القبور، ولا بناؤها بآجر، ولا بحجر ولا لبن، ولا تشييدها، ولا تطيينها، ولا القباب عليها، فكل هذا بدعة مكروهة مخالفة لهديه صلى الله عليه وسلم، وقد بعث علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى اليمن أن لا يدع تمثالا إلا طمسه، ولا قبرا مشرفا إلا سواه

فسنته تسوية هذه القبور المشرفة كلها، ونهى أن يجصص القبر، وأن يبنى عليه، وأن يكتب عليه، وكانت قبور أصحابه لا مشْرفة ولا لاطئة، أي: وسط بين ذلك لا مرتفعة ولا لازقة بالأرض

ونهى صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ القبور مساجد، وإيقاد السرج عليها، واشتد نهيه في ذلك، حتى لعن فاعله

وكان إذا زار قبور أصحابه يزورها للدعاء لهم، والترحم عليهم، والاستغفار لهم، وهذه هي الزيارة التي سنها لأمته، وشرعها لهم وأمرهم أن يقولوا إذا زاروها (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية)رواه مسلم. وكان هديه: أن يقول ويفعل عند زيارتها من جنس ما يقوله عند الصلاة على الميت من الدعاء، والترحم والاستغفار، فأبى المبتدعة إلا دعاء الميت، والإشراك بالله

ومن البدع المحدثة: قراءة الفاتحة أو شيء من القرآن عند الجنائز، يزعمون أن ذلك ينفع الميت، وهذا بدعة، لأنه لم يكن من سنة الرسول صلى الله عليه وسلم

ومما يجب أن يعلم: أنه يحرم على النساء اتباع الجنائز، وزيارة القبور، لحديث أم عطية رضي الله عنها قالت (نهينا عن اتباع الجنائز) رواه مسلم .

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، هذا وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله، القائل (الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) الملك:2

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، وسلم تسليما.

أما بعد، أيها الناس

اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله شرع الصبر عند المصائب، ووعد الصابرين بجزيل الثواب، ونهى عن التسخط والجزع، وتوعد على ذلك بأليم العقاب، فنهى سبحانه عن عادة الأمم التي لا تؤمن بالبعث والنشور، من لطم الخدود، وشق الجيوب، وحلق الرؤوس، ورفع الصوت بالندب، والنياحة، وتوابع ذلك

أما البكاء الذي لا صوت معه، وحزن القلب، فلا بأس بهما، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم (إن العين تدمع، والقلب يحزن، ولا نقول إلا ما يرضي الرب) رواه البخاري

وتستحب تعزية المصاب بالميت، وحثه على الصبر والاحتساب، ولفظ التعزية أن يقول: أعظم الله أجرك، وأحسن عزاءك، وغفر لميتك، ولا ينبغي الجلوس للعزاء، والإعلان عن مكان الجلوس للعزاء

قال الإمام ابن القيم رحمه الله: وكان من هديه صلى الله عليه وسلم: تعزية أهل الميت، ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء، ويقرأ له القرآن، لا عند قبره ولا غيره، وكل هذا بدعة حادثة مكروهة، وكان من هديه السكون والرضا بقضاء الله، والحمد لله، والاسترجاع، ويبرأ ممن خرق لأجل المصيبة ثيابه، أو رفع صوته بالندب والنياحة، أو حلق لها شعره

وكان من هديه: أن أهل الميت لا يكلفون الطعام للناس، بل أمر أن يصنع الناس لهم طعاما يرسلونه إليهم، وهذا من أعظم مكارم الأخلاق، والشيم، والتحمل عن أهل الميت، فإنهم في شغل بمصابهم عن إطعام الناس" . وكثيرٌ من الناس اليوم يجتمعون للعزاء، ويعلنون عن مكانه في الصحف، وبعضهم يهيئون مكانا لاجتماع الناس، ويصنعون الطعام، ويستأجرون المقرئين، وقد روى الإمام أحمد عن جرير بن عبد الله قال (كنا نعد الاجتماع إلى أهل الميت، وصنعة الطعام بعد دفنه من النياحة) ورجال إسناده ثقات

هذا، وصلوا وسلموا رحمكم الله على قائد الغر المحجلين محمد بن عبد الله، كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) الأحزاب:56 ، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد، كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد، كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين، أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وعنا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك .، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداء الدين، وانصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم. اللهم فرج هم المهمومين، ونفس كرب المكروبين، واقضِ الدينَ عن المدينين، واشفِ مرضانا ومرضى المسلمين ، اللهم أمِّنَا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك، واتبع رضاك، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وأعنه على البر والتقوى، ومن العمل ما ترضى، وارزقه البطانة الصالحة، اللهم وفق جميع ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك، واتباع سنة نبيك محمد صلى الله عليه وسلم واجعلهم رحمة على عبادك المؤمنين، اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها، اللهم أصلح ذات بيننا، وألف بين قلوبنا، واهدنا سبل السلام، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا أبدا ما أحييتنا، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا، وما أسررنا وما أعلنا، وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا، أنت المقدم وأنت المؤخر لا إله إلا أنت، اللهم اغفر ذنوب المذنبين وتب على التائبين، اللهم اغفر لنا ولوالدينا، وللمسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات "رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ " البقرة 201

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

1439-2-6 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي