الدرس 149: ربا النسيئة 2

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 28 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 1368 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قوله (ولا يجوز بيع الدَّين بالدَّين) وهذا ليس على إطلاقه، وله صور

الأولى: بيع الدين على الغير، فلا يجوز أن يباع بالدين ولا بالعين على المذهب

مثال ذلك: إنسان في ذمته لشخص مائة صاع بر، فجعل هذا الرجل يطلبه، وهو يماطل به، فقيل للرجل الذي له الحق: نعطيك عنها مائة درهم، ونحن نأخذها من المطلوب فلا يجوز، حتى ولو كان بعين لأنه يشبه أن يكون غير مقدور على تسليمه، وإذا كان كذلك فإنه يكون فيه غرر، إذ إن المطلوب قد يوفي كاملاً وقد لا يوفي، وقد يوفي ناقصاً، فلا يصح

لكن لو كان الذي اشترى دين فلان قادراً على أخذه منه، كرجل له سلطة يستطيع أن يأخذ هذا المال الذي في ذمة الرجل، فالصحيح أنه يجوز وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، لأن العلة في النهي عن بيع ما في الذمم إنما هي الخوف من الغرر، وعدم الاستلام فإذا زالت العلة زال المعلول وزال الحكم، ثم إن عجز عن أخذه فله الفسخ، وبشرط ألا يربح فيه البائع بمعنى ألا يبيعه بأكثر من ثمنه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن ربح ما لم يضمن. أخرجه ابن حبان وصححه عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما

وبشرط ألا يكون بينهما ربا نسيئة مثل أن أبيع عليه مائة صاع من التمر في ذمة إنسان بمائة صاع من الشعير فهذا لا يجوز، لأنه يجري فيه ربا النسيئة وأنا لم أقبض العوض

الثانية: بيع الدين على من هو في ذمته

مثاله: أطلب شخصاً مائة صاع بر، فجاء إلي وقال: ليس عندي بر، لكن أعطيك عن مائة صاع بر مائتي ريال، فهنا بيع دين بدين وهذا فيه تفصيل

إن كان باعه بسعر وقته فلا بأس، وإن باعه بأكثر فإنه لا يجوز، والدليل: حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال (كنا نبيع الإبل بالدراهم فنأخذ عنها الدنانير ونبيع بالدنانير فنأخذ عنها الدراهم، فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك فقال: لا بأس أن تأخذها بسعر يومها ما لم تتفرقا وبينكما شيء) رواه الحاكم وصححه على شرط مسلم

فاشترط النبي صلى الله عليه وسلم شرطين

الأول: أن تأخذها بسعر يومها

الثاني: ألا يتفرقا وبينهما شيء

ووجه ذلك أنه إذا أخذها بأكثر فقد ربح فيما لم يدخل في ضمانه، مثلاً الدينار يساوي عشرة دراهم فقال: أنا آخذ منك بأحد عشر، فهذا لا يجوز، لأن الذي أخذ أحد عشر بدل الدينار ربح درهماً فربح في شيء لم يدخل في ضمانه، لأن الدينار في ضمان من هي في ذمته، ولم تدخل عليه إلى الآن، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن ربح ما لم يضمن

فالعلة ظاهرة أنه سيأخذ عن الدنانير دراهم، وبيع الدنانير بالدراهم لا بد فيها من القبض في مجلس العقد، وحينئذ لو لم يقبض لبطل العقد، كما لو باع دنانير بدراهم ولم يقبض فإنه يبطل العقد، فتبين أن حديث عبد الله بن عمر رضي الله عنهما متمشٍ على القواعد العامة في الشريعة، والمعروفة في أبواب الربا

ويشترط أيضاً ألا يتخذ حيلة على الربا، عندها يكون حرام، مثل أن يبيع الدين الذي حل بدين أكثر مؤجلاً، فيقول: عندك الآن مائة صاع من البر وقد حل، وليس عندك الآن، أبيعه عليك بمائة صاع من التمر مؤجلاً، ومائة الصاع من التمر أكثر قيمة من مائة الصاع من البر، فهذا لا يجوز لئلا يتخذ حيلة إلى قلب الدين

إذاً بيع الدين بالدين إذا باع ما في ذمة الغير لنفسه وهو مما يشترط فيه التقابض وجب القبض، وإذا كان لا يجب فيه التقابض فلا بأس أن يتأخر القبض بشرط ألا تزيد القيمة لتأخر القبض

مثاله: هذا الرجل في ذمته لفلان مائة ريال فجاء المطلوب وقال: ليس عندي مائة ريال، بل عندي عشرة دنانير، والدينار يساوي عشرة ريالات، قال: أعطني عشرة دنانير عن المائة، فهذا يجوز بشرط التقابض، لأنه بيع دراهم بدنانير، أما لو قال: أنا ليس عندي مائة ريال، وليس عندي دنانير لكن عندي بر، والصاع منه يساوي درهماً، فيكون عوض مائة الدرهم مائة صاع، قال: أنا أعطيك مائة صاع عن مائة درهم فوافق فلا يشترط التقابض، لأن بيع البر بالدراهم لا يشترط فيه التقابض، لعدم اتفاقهما في علة ربا الفضل

قوله (فصل: ومتى افترق المتصارفان قبل قبض الكل أو البعض بطل العقد فيما لم يقبض)

قوله (فصل) هذا الفصل ذكر فيه المؤلف حكم الصرف وهو بيع النقد بالنقد، وهذا لا يخرج عن ما سبق من القواعد في الربا، لكن خصوه بفصل لطول فروعه والكلام عليه

قوله (ومتى افترق المتصارفان) المتصارفان هما المتبايعان بالصرف، والصرف في اللغة الصوت، ومنه ما جاء في حديث المعراج (حتى بلغ مكاناً سمع فيه صريف الأقلام) أخرجه البخاري ومسلم، يعني صوتها، والصرف بيع نقد بنقد، تبيع مثلاً ذهباً بفضة أو فضة بفضة يعني دراهم بدراهم أو دراهم بدنانير، وسمي صرفاً لأنهم كانوا يزنون الدراهم والدنانير، يتبايعون بالوزن، حينما نضعها في الميزان يكون لها صريف، أي: صوت ولهذا سمي صرفاً

قوله (قبل قبض الكل أو البعض بطل العقد فيما لم يقبض) أي: وصح فيما قبض

مثال ذلك: اشترى مائة درهم بعشرة دنانير فهذا صرف، فإذا استلم كل واحد منهما ما آل إليه صح العقد، وإذا سلمه خمسين درهماً فقط وتفرقا، صح العقد في خمسين الدرهم ويقابلها خمسة دنانير والباقي لا يصح، وهذا بناء على تفريق الصفقة وأنه يمكن أن يصح بعضها دون بعض، لأن الحكم يدور مع علته، فما وجد فيه شرط الصحة فهو صحيح، وما لم يوجد فيه شرط الصحة فليس بصحيح

مثال آخر: أعطاه ديناراً يصرفه بعشرة دراهم فلم يجد إلا خمسة دراهم، فيصح العقد فيما قبض، ولا يصح فيما لم يقبض، فيصح العقد في نصف الدينار، ويبقى نصفه أمانة عند البائع

وفائدة ذلك أنه لو زاد سعر الذهب فيما بين هذه الصفقة، وبين استلام حقه إذا وجد الآخر بقية الدراهم، فإذا تغير السعر فهو على حساب صاحبه، فمثلاً لو كان حين صرف الدينار بالدراهم يساوي الدينار عشرة دراهم، ثم صار يساوي عشرين درهماً فإنه يبقى نصف الدينار بعشرة دراهم، لأن ما بقي من الدينار بقي عند الآخر وديعة، ولا يصح العقد فيه

فإن لم يسلم شيئاً إطلاقاً بطل العقد في الجميع، وهذه المسألة نظيرها إذا اشترى الإنسان حلياً من شخص بعشرة آلاف ريال وسلمه خمسة آلاف ريال فقط، والباقي قال: أحضره لك غداً فإنه يصح في النصف، والباقي لم يدخل في ملكه ولا يصح فيه العقد، فإن لم يعطه شيئاً بأن قال: سآتيك بالدراهم بعد العصر وأعطني الحلي الآن، بطل العقد في الجميع، فإن قال المشتري: أنا ليس عندي دراهم وأريد أن أشتري منك حلياً، فقال البائع: أنا أسلفك، فسلفه عشرة آلاف ريال ثم ردها على البائع فهذا حيلة بلا شك، فلا يجوز، لأن مفاسد المحرمات لا تزول بالحيل عليها، بل إن الحيل لا تزيد المفاسد إلا مفاسد

أما لو سلفه آخر فلا بأس

قوله (بطل العقد فيما لم يقبض) وجه ذلك أن القبض شرط لصحة العقد، لقول النبي صلى الله عليه وسلم (بيعوا كيف شئتم إذا كان يداً بيد) أخرجه مسلم عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

28-01-1439 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

2 + 4 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 130 الجزء الثالث ‌‌طائفة الصوفية المتسولة: - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 129 الجزء الثالث الغزو الفكري . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 128 الجزء الثالث ‌‌ تحريم الأغاني  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 127 الجزء الثالث ‌‌مضاعفة الحسنات ومضاعفة السيئات  - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة