الاعتناء بالأبناء

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 6 محرم 1439هـ | عدد الزيارات: 1213 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي خلقنا في أحسن تقويم، وربَّانا على موائد بره وخيره العميم، أحمده سبحانه، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين .

أما بعد، عباد الله

يقول الله جل وعلا " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ " (التحريم:6)

عباد الله

إن علينا مسؤولية كبرى، وأمانة عظمى، سنسأل عنها يوم القيامة، فإن الله تعالى سائل كل راع عما استرعاه، حَفِظَ أم ضيع، فعن عبد الله بن عمر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( كُلُّكُمْ رَاعٍ ومَسْئُولٌ عن رَعِيَّتِهِ، ) رواه البخاري ، إنهم أبناؤنا فلذات أكبادنا، فمن العقوق للأبناء أن يُتركوا بدون أدب وتوجيه وإرشاد، ومن الإثم والضلال أن يهمل الوالد تربية أبنائه، فينشأ الأبناء نشأة لا ترضي الله ، وذلك بسبب تركهم للصلاة وتمردهم على الخلق الكريم، لا يعبئون بأدب ولا يكترثون بخلق، بلا توقير للكبير، ولا رحمة للصغير.

لذا يجب علينا أيها الأحبة أن نتقي الله تعالى في أهلينا وأبنائنا، الذين اؤتمنا عليهم، فقد ألقيت علينا مقاليدهم، فعلينا أن نوجههم إلى الخير، ونرشدهم إلى تعاليم الدين، والمثل العليا، والأخلاق الفاضلة الكريمة، والصفات الحميدة، وأن نكون لهم القدوة الحسنة قولاً وفعلاً، فلا نسمعهم سباً، ولا كذباً، ولا يروا خلقاً ذميماً، فإنهم ولدوا على الفطرة، وسينشؤون على ما نُشئوا عليه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما مِن مَوْلُودٍ إلَّا يُولَدُ علَى الفِطْرَةِ، فأبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ أوْ يُنَصِّرَانِهِ، أوْ يُمَجِّسَانِهِ، " متفق عليه .

فاحرصوا يا رعاكم الله على تهذيب أخلاقهم، وتثقيف عقولهم وغرس حب الدين وآدابه في نفوسهم، لتروا منهم كل خير وبركة في الدنيا والآخرة، وذلك امتثالاً لقوله جل وعلا "وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْزُقُكَ ۗ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ" (طه: 132) ، ويقول تعالى حكاية عن لقمان "يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ* وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا ۖ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ" (لقمان: 17-18)

وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال : قال صلى الله عليه وسلم: " مُرُوا أولادَكم بالصلاةِ وهم أبناءُ سَبْعِ سِنينَ ، واضْرِبوهم عليها وهم أبناءُ عَشْرِ سِنينَ ، وفَرِّقوا بينهم في المَضاجِعِ ".أخرجه أبو داود وصححه الألباني

فيا أيها الآباء : إن في هذه الآيات الكريمة، والأحاديث الشريفة لتوجيهاتٍ عظيمةً، تكفل سعادةَ المسلم في الدنيا والآخرة حينما يطبقها، ويعمل بمضمونها، لأنها من توجيهات العزيز الحكيم على لسان سيد المرسلين نبينا محمد صلى الله عليه وسلم ، فاعملوا بها يصلح الله بها أبناءكم، وتعاونوا على البر والتقوى، وتواصوا فيما بينكم بالصبر والحق لتفلحوا في الدنيا والآخرة، وليكن الآمر منَّا بالمعروف قدوةً حسنةً ، والدَّالُّ على الخير كفاعله.

أما مجرد التوجيه بأقوالٍ لا تصدقها الأعمال ، فذلك مما يمقته الله تعالى قال جل وعلا "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ كَبُرَ مَقْتًا عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ " (الصف: 2-3)

فتعاونوا رحمكم الله تعالى على البر والتقوى، ووجهوا أبناءكم التوجيه الصالح الرشيد، وأرشدوهم إلى الخير والفلاح، وكونوا لهم قدوة في توجيهكم، وإرشادكم، لتسعدوا بهم في الدنيا والآخرة

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه، وسنة نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين

أما بعد، عباد الله

اتقوا الله واعلموا أن من أعظم المعونة، اللجوء إلى الله بالدعاء، فإن الأمر كله بيد الله، والتوفيق بيده وحده لا شريك له، فلن يصلح الأبناء إلا إذا أصلحهما الله جل وعلا، ولهذا يجب على الأبوين أن يعتنيا عنايةً دقيقة بأمر الدعاء للأبناء والاجتهاد في هذا الأمر والإلحاح على الله تبارك وتعالى. ومن دعاء خليل الرحمن " رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ دُعَاءِ" (إبراهيم: 40) ، ومن دعاء زكريا عليه السلام في قوله تعالى "رَبِّ هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعَاءِ" (آل عمران: 38)، ومن دعاء عباد الرحمن ما جاء في قوله تعالى : " رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا " (الفرقان: 74)

فالدعاء مفتاح كل خير، وأساس كل فضيلة في الدنيا والآخرة، فلنكثر من الالتجاء إلى الله عز وجل بأن يصلح أبناءنا، وأن يهديهم صراطه المستقيم، وأن يجعلهم من المقيمين الصلاة، وأن يعيذهم من الفتن ما ظهر منها وما بطن

هذا وصلُّوا على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً) الأحزاب:٥٦، وقال صلى الله عليه وسلم (مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى الله عَلَيْهِ بِهَا عَشْراً)رواه مسلم. اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنَّك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهمَّ عن الخلفاء الراشدين الأئمة المهديين، أبى بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارضَ اللهمَّ عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بمنِّك وكرمك وإحسانك يا أكرم الأكرمين

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم انصر من نصر دينك وكتابك وسنة نبيك محمدٍ صلى الله عليه وسلم، اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرا ومُعِينا وحافظا ومؤيِّدا، اللهم عليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم

اللهم آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك يا رب العالمين

اللهم وفِّق ولي أمرنا لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال

اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها

اللهم إنَّا نسألك الهدى والتقى والعفة والغنى، اللهم أصلح لنا شأننا كله ولا تكلنا إلى أنفسنا طرفة عين

اللهم أصلح ذات بيننا، وألِّف بين قلوبنا واهدنا سبل السلام، وأخرجنا من الظلمات إلى النور، وبارك لنا في أسماعنا وأبصارنا وقواتنا وأزواجنا وذرياتنا وأموالنا وأوقاتنا، اللهم أصلح لنا شأننا كله

اللهم اغفر لنا ولوالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات

" رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ" .(البقرة:201).

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

1439-01-06 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 3 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي