الدرس 131: الشروط في البيع 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 23 رجب 1438هـ | عدد الزيارات: 1408 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

قوله (إلا إذا شرط العتق) فيستثنى فإذا باع العبد على شخص وقال بشرط أن تعتقه فوافق فإن البيع والشرط صحيح لأن الشارع له تشوف إلى العتق ورغب فيه ولأن الشراء يراد للعتق فمن عليه كفارة يشتري عبداً ليعتقه فلا يكون ذلك مخالفاً لمقصود العقد

والذي جعل البائع يشترط إعتاقه ولا يعتقه بنفسه الحاجة لقيمته من الدراهم

وإذا اشتراه المشتري وقد شُرط عليه العتق لكنه صار يماطل وفي النهاية أبى فإنه يجبر على أن يعتقه لأنه مشروط عليه

قوله (وبعتك على أن تنقدني الثمن إلى ثلاث وإلا فلا بيع بيننا صحيح) أي على أن تعطيني الثمن في مهلة لا تزيد على ثلاثة أيام وإلا فلا بيع بيننا فالشرط صحيح لأن التعليق هنا تعليق للفسخ وليس تعليقاً للعقد فجاز التعليق لأن الفسخ أوسع من العقد ولأن فيه مصلحة للبائع إذا خشي المماطلة ولا يخالف شرعاً

قوله (وبعتك إن جئتني بكذا أو رضي زيد) قال بع علي هذا البيت فقلت بعتك إن أحضرت لي كذا وكذا غير الثمن فهنا لا يصح لأنه بيع معلق ومن شرط البيع التنجيز فالبيع المعلق لا يصح هذا هو قول المؤلف وكذلك إذا قال إن رضي زيد فإنه لا يصح على قول المؤلف

مثاله قال بعتك هذه السيارة إن رضي أبي فقال اشتريت فالبيع هنا غير صحيح على حد قول المؤلف لأنه بيع معلق والبيع من شرطه أن يكون منجزاً

والصحيح أن البيع المعلق جائز وأنه لا بأس أن يقول بعتك إن جئتني بكذا لكن يجب أن يحدد أجلاً أعلى فيقول إن جئتني بكذا في خلال خمسة أيام مثلاً لئلا يبقى البيع معلقاً دائماً إذ قد لا يتيسر أن يأتي بذلك في خمسة أيام فإذا حُدد أجل فالصحيح أن البيع جائز لأنه قد تمت فيه الشروط وانتفت الموانع

قوله (أو رضي زيد) الصحيح أيضاً أنه جائز بشرط تحديد المدة لئلا يماطل المشتري فيتضرر البائع فيثبت الملك بالعقد الأول لأن هذا عقد تام. لكن لزومه معلق على شرط فإذا حصل الشرط تبين صحة العقد

قوله (أو يقول للمرتهن إن جئتك بحقك) أي في وقت الحلول

قوله (وإلا فالرهن لك) فإنه (لا يصح البيع) على قول المؤلف

فقوله (فالرهن لك) هذا بيع لأنه لا يشترط صيغة معينة للإيجاب بل ما دل على الإيجاب تم به البيع

مثال ذلك شخص اشترى من آخر مائة صاع بر وأعطاه ساعة تساوي مائة ريال فقال إن جئتك بحقك في الوقت الذي حددناه وإلا فالساعة لك أو إن جئتك بحقك في خلال يومين وإلا فالساعة لك ولم يأت بحقه في هذه المدة فتكون الساعة للبائع وهذا بيع معلق لا يصح والبيع المعلق لا يصح هذا على قول المؤلف

لكن الأصل في المعاملات الحل والقول الراجح أنه يصح أن يعطي البائع رهناً وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية إذا كان المعلق عليه أمراً ممكنا معلوماً وقولنا ممكنا يعني شرعاً وقدراً لأن ذلك فيه مصلحة

والأصل أنه إذا جاز تعليق الفسخ جاز تعليق العقد إلا أنهم استثنوا من هذه القاعدة مسألتين

الأولى أن يعلقه بالمشيئة فيقول بعتك هذا بكذا إن شاء الله فالبيع صحيح وذلك لأن تعليقه بالمشيئة ثم وقوعه يدل على أن الله شاءه لأن الله لو لم يشأ لم يقع

الثانية بيع العربون وهو أن يعطي المشتري البائع شيئاً من الثمن ويقول إن تم البيع فهذا أول الثمن وإن لم يتم فالعربون لك

وهذا باختيار المشتري وفيه أيضاً مقابلاً لأن السلعة إذا رُدت نقصت قيمتها في أعين الناس فمثلاً إذا قيل هذا الرجل اشترى هذه السيارة بخمسين ألفاً وأعطاه خمسمائة ريال عربوناً ثم جاء للبائع وقال أنا لا أريدها فإن الناس سيقولون لولا أن فيها عيباً ما ردها فتنقص القيمة وقد روي عن عمر رضي الله عنه. أخرجه البخاري معلقاً في الخصومات ووصله عبد الرزاق

قوله (وإن باعه وشرط البراءة من كل عيب مجهول لم يبرأ) أي باع عليه شيئاً وقال بشرط أن أبرأ من كل عيب مجهول فقال المشتري نعم أنت بريء فإن هذا الشرط لا يصح فإذا وجد المشتري به عيباً فله الرد

فإن قال البائع هذا شرط عليك أن تصبر على كل عيب فيها فإن هذا شرط غير صحيح لأن الرد بالعيب لا يثبت إلا بعد العقد وهذا شرطَه مع العقد فلا يصح

مثاله باع عليه سيارة بشرط أن يُبرئه من كل عيب قال المشتري أبرأتك فالشرط هنا غير صحيح فإذا وجد المشتري بها عيباً ردها لأنه أبرأه قبل أن يثبت له حق الرد لأن حق الرد إنما يثبت بعد العقد فهي لم تدخل ملك المشتري

فإن كان بعد العقد فالبراءة صحيحة

مثاله اشتراها ثم أبرأه المشتري من كل عيب فتصح البراءة لأنه الآن ملكها وملك ردها وعليه فإن باعها وبعد البيع قال البائع أنا أخشى أن يكون فيها عيوب قال المشتري أبرأتك من كل عيب فالإبراء صحيح لأنه الآن ملكها وملك الرد بالعيب فإن كان فيها عيب فقد أسقطه

هذا هو التفصيل في هذه المسألة على المشهور من المذهب وعلى هذا فالذين يبيعون في معارض السيارات ويصوت ويقول لا أبيع عليك إلا الكبوت بعشرين ألفاً وهو لا يساوي هذا الثمن لكن من أجل أن يبرأ ويقول ما تطالبني بشيء فاشترى على هذا الشرط فالشرط ملغى غير صحيح فإذا وجد فيها عيباً فليردها

أما لو كان الشرط بعد أن تمت البيعة قال أنا أخشى غداً أن تجد فيها عيباً ثم تأتيني تقول إن السيارة معيبة فقال أبرأتك لأن المشتري الآن مقبل لا يهمه ثم ذهب بها وإذا فيها كل شيء غير سليم فلا يردها لأنه أبرأه بعد العقد

ولكن الصحيح في هذه المسألة ما اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله وهو إن كان البائع عالماً بالعيب فللمشتري الرد بكل حال سواء شرط مع العقد أو قبل العقد أو بعد العقد

وما ذهب إليه شيخ الإسلام هو الصحيح وهو المروي عن الصحابة رضي الله عنهم كعثمان وابن عمر رضي الله عنهم لأنه إذا كان عالماً بالعيب فهو غاش خادع فيعامل بنقيض قصده بخلاف ما إذا كان جاهلاً كما لو ملك السيارة قريباً ولا يدري بالعيوب التي فيها وباعها واشترط البراءة فالشرط صحيح

قوله (وإن باعه داراً) أو نحوها مما يذرع كالأرض

قوله (على أنها عشرة أذرع فبانت أكثر) فالبيع صحيح

قوله (أو أقل صح) أي وإن بانت أقل فالبيع أيضاً صحيح لكن إذا بانت أكثر فالزيادة تكون للبائع لأنه باعها على صفة معينة وهي أنها عشرة أذرع فبانت خمسة عشر ذراعاً فنقول الزيادة للبائع فخذ من الخمسة عشر ذراعاً عشرة وأعط البائع خمسة

وكذلك إذا بانت أقل بأن باعها على أنها عشرون ذراعاً فبانت خمسة عشر فالبيع صحيح والنقص على البائع فيسقط من الثمن بمقدار ما نقص من الأذرع والذي نقص إذا باعها على أنها عشرون فبانت خمسة عشر هو ربع الثمن فالزيادة للبائع والنقص على البائع

قوله (ولمن جهله وفات غرضه الخيار) أي جهل المقدار وفات غرضه له الخيار فاشترط المؤلف شرطين في ثبوت الخيار للمغبون

مثال ذلك اشترى إنسان هذه الأرض على أنها مائة متر فتبين أنها تسعون متراً فالبيع صحيح لأنه وقع على شيء معين معلوم بالمشاهدة والتقدير اختلف والتقدير يحاسب من عليه النقص بقدره فإذا كان باعها بمائة ألف فينقص من الثمن عشرة آلاف لكن إذا قال المشتري أنا كنت أظن أن هذا التقدير صحيح وقد خططت بأن أعمرها عمارة على هذه المساحة والآن لما نقصت لا أريدها فله الخيار لأنه فات غرضه فلما فات غرضه قلنا لك الخيار فإن كان المشتري يعلم أنها تسعون متراً فإنه لا خيار له لأنه دخل على بصيرة وكان عليه أن يقول للبائع حين قال إنها مائة متر إن هذا غلط بل هي تسعون متراً

إذاً شرط ملك الفسخ اثنان

الأول الجهل

الثاني فوات الغرض

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

22-07-1438 هــ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

5 + 9 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 126 ‌‌بيان حرمة مكة ومكانة البيت العتيق - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 125 ‌‌حكم إعفاء اللحية - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 124 الجزء الثالث ‌‌أهمية الغطاء على وجه المرأة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 123 الجزء الثالث ‌‌حكم قيادة المرأة للسيارة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 122 ‌‌مكانة المرأة في الإسلام - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 121 الجزء الثالث عوامل النصر  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر