ﺟﺪﻳﺪ اﻟﻤﻮﻗﻊ

الدرس 123: شروط البيع 4

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: الأربعاء 12 جمادى الأولى 1438هـ | عدد الزيارات: 1679 القسم: شرح زاد المستقنع -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

الشرط السادس من شروط البيع

استكمالاً للدرس الماضي قوله (ولا يباع حمل في بطن ولبن في ضرع منفردين) وذلك للجهالة فإن باع ذات لبن أو حمل دخلاً تبعا

فالحمل في البطن لا يصح بيعه إذا بيع منفرداً؛ لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم نهى عن بيع الغرر. رواه مسلم، وهذا غرر فإن الحمل قد يكون واحداً أو أكثر، وقد يكون ذكراً أو أنثى، وقد يخرج حياً وقد يخرج ميتاً، فالجهالة فيه كبيرة، كما ورد نهيه صلّى الله عليه وسلّم عن بيع حَبَل الحُبلة. أخرجه البخاري ومسلم

وكذلك اللبن في الضرع لا يصح بيعه؛ لأنه مجهول، ولأن الدابة قد توافق على حلبها وتدر، وقد لا توافق فلا تدر، فهناك بعض البقر إذا أرادوا أن يحلبوها منعت إما برفسها برجلها، وإما أن تنطح بقرنها، وكذا الإبل بعضها لا تدر مع الخوف وبعضها لا تدر إلا إذا سمحوا لرضيعها في البداية بالرضاعة وبعضها تمنع اللبن فلا تحلب أبداً فلذلك يكون مجهولاً، ثم إذا قدر أنه انتفت هذه الموانع فكم مقداره فيكون مجهولاً، فالأسلم أن يشتريه بعد الحلب

وقوله (منفردين) أي: إذا بيعا مع الأم في الحمل، ومع ذات اللبن، فالبيع صحيح بشرط ألا يفردا بعقد، فيجوز إذا كان تبعاً للأم، وكذلك يقال في اللبن، وقد أخذ الفقهاء هذا من قاعدة، وهي (أنه يثبت تبعاً ما لا يثبت استقلالاً)

قوله (ولا مسك في فأرته) أي الوعاء الذي يكون فيه للجهالة، فالفأرة وعاء المسك

والمسك هو عطر ويقال بالعربية طيب وهو من مصدر حيواني. وأما عن طريقة تكونه فإنه يتكون في غدة كيسية في داخل بطن نوع مميز من الظباء ويدعى غزال المسك، ومن الغريب أن هذه الغدة المسؤولة عن تكوين المسك توجد عند الذكور دون الإناث

وحدث الشيخ عبد الرحمن السعدي رحمه الله، أن هذه الغزلان تُركض ومع شدة ركضها وشدة تعبها ينزل من بطنها صرة من الدم، ثم تُربط هذه الصرة برباط قوي جداً بحيث لا يصل إليها الدم الذي هو دم الغذاء، وإذا مر عدة أيام انفصلت من الجلد فأخذوها، فإذا هذا الدم الذي احتقن في هذه الصرة هو المسك، وفي ذلك يقول المتنبي

فإن تفق الأنام وأنت منهم *** فإن المسك بعض دم الغزال
هذا ما ذهب إليه المؤلف أنه لا يصح بيع المسك في فأرته، وهو مذهب أحمد بن حنبل؛ لأنه مجهول، والمسك غال إن قدرته بالوزن فقد تكون الفأرة سميكة، وإن قدرته بالحجم فكذلك

القول الثاني: أنه يصح بيعه في فأرته؛ لأن هذه الفأرة وعاء طبيعي فهي كقشرة الرمانة، ومن المعلوم أن الرمانة يصح بيعها ووعاؤها قشرها، فقد يكون فيه شيء من الشحم كثير، وقد يكون فيه شيء قليل، ثم إن أهل الخبرة في هذا يعرفونه إما باللمس والضغط عليه، أو بأي شيء، وهم يقولون: إن هذا مستتر بأصل الخلقة، وقد تبايعه الناس في كل عصر ومصر من غير نكير، وهذا الذي ذهب إليه ابن القيم، فهو مستتر بأصل الخلقة كالبطيخ والرمان وما أشبه ذلك، وهو الصحيح

قوله (ولا نوى في تمرة) للجهالة، فلو أن إنساناً عنده تمر في وعاء، وقال له آخر: بعني نوى هذا التمر، وقال: نعم أبيعك النوى، فإن البيع لا يصح؛ لأنه كالحمل في البطن. ويصح بيع التمر بنواه، كما يصح بيع الحامل بحملها، فلا يصح بيع النوى في التمر؛ لأنه مجهول فيكون داخلاً في بيع الغرر، والنوى يختلف حتى في النوع الواحد، ربما تأكل تمرة فتجد فيها نواة كبيرة، وتأكل أخرى من هذا النوع فتجد نواة صغيرة؛ لذلك لا يصح بيع النوى في التمر، لكن لو أخرج النوى من التمر ثم باعه فالبيع صحيح؛ لأنه معلوم

قوله (وصوف على ظهر) فلا يصح بيع الصوف وهو على ظهر الحيوان لنهيه صلى الله عليه وسلم عنه في حديث ابن عباس ذكره الهيثمي في المجمع، وقال رواه الطبراني في الأوسط ورجاله ثقات، لأنه متصل بالحيوان، فلم يجز إفراده بالعقد كأعضائه كما لو باعه يداً، أو رجلاً، ولأنه يزيد فتكون الزيادة مجهولة

مثاله: إنسان عنده شاة فجاءه شخص يغزل الصوف، فقال: بعني ما على شاتك من الصوف فباعه عليه فلا يجوز. وهو رأي المذهب الحنبلي

القول الثاني: أنه يصح بيع الصوف على الظهر بشرط الجز في الحال وألا تتضرر به البهيمة؛ ولأن العلة في منع النبي صلى الله عليه وسلم بيع الصوف على ظهر لأنه قد يتأذى الحيوان بجزه، ولا سيما إذا جزه في أيام الشتاء فالنهي ليس لعلة الجهالة ولكن لعلة الأذى، وهذا القول هو الصحيح، لأنه إذا بيع بشرط الجز في الحال فهو كما لو بيع الزرع بشرط الجز في الحال، ولا نسلم منع بيع الجزء المعلوم المشاهد كبيع الرأس أو الرقبة إذ ليس فيه غرر ولا جهالة

قوله (ولا بيع فجل ونحوه قبل قلعه) للجهالة، والمراد المستتر منه بالأرض

والفجل معروف، فلا يصح بيعه حتى يقلع من الأرض ويشاهد؛ لأنه مدفون في الأرض فقد يكون كبيراً أو متوسطاً أو صغيراً

وقوله (ونحوه) مثل البصل والجزر، فكل ما المقصود منه في الأرض فإنه مجهول لا يصح بيعه حتى يقلع، فإذا قلع وصار بارزاً ظاهراً على الأرض فإنه يباع

القول الثاني: أنه يصح بيعه؛ لأنه وإن كان المقصود منه مستتراً فإنه يكون معلوماً عند ذوي الخبرة فيعرفونه، فيمكن أن تأتي للفلاح وتقول: بعني هذه القطعة من الأرض التي فيها البصل أو الثوم أو الفجل أو الجزر بكذا وكذا، وذلك بعد تكامل النماء، فيصح بيعه، وهذا القول أصح من سابقه، وهو الذي عليه العمل من زمن قديم، ولا يرون في هذا جهالة، ثم إذا قدر أن هناك جهالة فهي جهالة يسيرة لا تكون غرراً، واختار هذا القول شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله

قوله (ولا يصح بيع الملامسة) الملامسة مفاعلة، والمفاعلة تكون غالباً من طرفين، وهي مأخوذة من اللمس، مثل أن يقول البائع بعتك ثوبي هذا على أنك متى لمسته فهو عليك بكذا، أو يقول: أي ثوب لمسته فهو لك بكذا، فلا يصح البيع؛ لأن المشتري قد يلمس ثوباً يساوي مئة أو يلمس ثوباً لا يساوي إلا عشرة ففيه جهل وغرر، وهو يشبه القمار إن لم يكن منه

قوله (ولا بيع المنابذة) والمنابذة مأخوذة من النبذ وهو الطرح، مثل أن يقول المشتري للبائع: أي ثوب تنبذه علي فهو بعشرة، فالذي يختاره البائع في هذه الحال أقل ما يمكن، فيكون مجهولاً، وربما ينبذ إليه ثوباً يساوي عشرة ويظن أنه ينبذ إليه ثوباً يساوي مائة

والدليل العام على عدم الصحة بيع المنابذة، حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلّى الله عليه وسلّم: نهى عن بيع الغرر. أخرجه مسلم، وهذا الحديث قاعدة عظيمة

والدليل الخاص على تحريم المنابذة: حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن الرسول صلّى الله عليه وسلّم نهى عن بيع الملامسة والمنابذة. أخرجه البخاري ومسلم

وبيع الحصاة مثله لا يصح، وله صورتان

الصورة الأولى: أن يقول: احذف حصاة فعلى أي شيء تقع فهو بعشرة فحذف الحصاة، فوقعت على علبة كبريت فارغة فيكون بعشرة، وحذف حصاة أخرى، فوقعت على حلي مرصع بالجواهر يساوي مئة ألف، ففيه جهالة

الصورة الثانية: أن يقول: احذف هذه الحصاة فأي مدى بلغته من الأرض فهو لك بكذا وهذا مجهول؛ لأنه يختلف الحاذف، فرجل نشيط وقوي إذا رمى أبعد، ورجل آخر دونه، فتختلف الحال والأحوال باعتبار الريح فقد تكون مقابلة، وقد تكون على جنب وقد تكون مدابرة فتختلف، فبيع الحصاة منهي عنه ولا يصح؛ لأنه غرر وقد نهى النبي صلّى الله عليه وسلّم عن بيع الغرر. وسبق تخريجه

مسألة: لو أتى إنسان بكرتون فيه ثياب وعبايات ونعال كلها مخلوطة، فقال: بعت عليك هذا الكرتون كل فرد منها بدرهم، فلا يصح؛ لأنه مجهول، لكن لو قال: فيه عشر من الثياب، وعشر من النعال، وعشر من العبايات، وكل واحد بكذا فهذا صحيح؛ لأنه معلوم لكنه يحتاج إلى حساب، أما إذا كان لا يعلم قدر كل شيء فهذا لا يصح

اللهم ألهمنا الصواب في أقوالنا وأفعالنا، واجعل عملنا خالصاً لوجهه، وفقهنا في أمور ديننا وثبتنا على قولك الثابت يا أرحم الراحمين ويا مغيث المستغيثين

وبالله التوفيق

وصل اللهم على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين

11-05-1438 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 7 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 118 الجزء الثالث ‌‌هل الرسول أوصى بالخلافة لعلي رضي الله عنه ؟ - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 116 الجزء الثالث حكم التوسل بالموتى وزيارة القبور - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 115 الجزء الثالث ‌‌حكم ما يسمى بعلم تحضير الأرواح  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 114 الجزء الثالث ‌‌إيضاح الحق في دخول الجني في الإنسي والرد على من أنكر ذلك  . - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 113 الجزء الثالث : تابع الدروس المهمة لعامة الأمة - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة
الدرس السابق
الدروس الكتابية المتشابهة الدرس التالي