الطموحات العالية

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 17 ذو القعدة 1437هـ | عدد الزيارات: 1745 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله خلق الخلقَ، وقدَّر لأوليائِه الخيرةَ ليكونوا للعالمين في شُمِّ الذُّرَى، ويَظهروا بدينهم على كل القُرى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه خيرُ من وطِئَ الثَّرَى، صلَّى الله وسلَّم وبارَك عليه، وعلى آله وأصحابِه أُسود الشَّرَى، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين

أما بعد

اتقوا الله واعتصِموا بأوثقِ العُرى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) آل عمران: 102

عباد الله: الطموحات العاليةُ شرفٌ ومقصدٌ، الطموحات تعلُو بالأمم إلى أعالِي القِمَم، وتُوصِلُ إلى معالي الأمور ومحاسن الشِّيَم، والرِّفعةُ منحةٌ إلهية (يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) المجادلة: 11

أثنَى الله تعالى على أصحاب الطموحات الكبرى والهمم العالية من الأنبياء والمُرسَلين، وأوصَى نبيَّه بالاقتِداء بهم، فقال له (فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ) الأحقاف: 35

كما أثنَى على أوليائه الذين كبُرت طموحاتهم وتطلعاتهم وهمتهم في مواطن البأس والجلَد، والعزيمة والثبات، والقوة في دين الله (مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا) الأحزاب: 23

وأمرَ الله -سبحانه- بالتنافُس في المعالِي، فقال (فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ) البقرة: 148

وعلَّم النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- أمتَه علوَّ المقصد، فقال (إن في الجنةِ مائة درجة، أعدَّها الله للمُجاهِدين في سبيلِه، كل درجتين ما بين السماء والأرض، فإذا سألتُم اللهَ فاسألُوه الفِردوس؛ فإنه أوسطُ الجنة، وأعلى الجنة، وفوقَه عرشُ الرحمن، ومنه تفجَّرُ أنهارُ الجنة) أخرجه البخاري

ورُوي عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أنه قال: لا تُصَغِرنَّ همَّتُكم؛ فإني لم أرَ أقعدَ عن المكرُمات من صغر الهِمَم. كتاب أدب الدنيا والدين للماوردي.

وذمَّ الله المهازيلَ الهابِطين إلى الأهواء (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ * وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الأعراف: 175، 176

عباد الله: إن دينًا هذا شأنُه لا يقبلُ من أتباعه الكسلَ والخُمولَ والعجزَ والسكونَ والاستِرخاءَ، وضعفَ الهمَّة والطموحات والتطلعات والفتور (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ) الشرح: 7، 8

ولِأن طلبَ الراحة في الدنيا لا يصِحُّ لأهل المُروءات فقد كان من أوائل ما أُمِر به نبيُّنا محمدٌ -صلى الله عليه وسلم (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا) المزمل: 1، 2

فضحَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابُه، وهجَروا الأوطان، وتربوا لأجل الله، وبالتضحيات الجِسام انتصَروا في بدرٍ، وبالصبر واليقين نجَوا من الأحزاب، ونفَروا في أحلَك الظروف إلى تبوك، وتبِعوا نبيَّهم في ساعة العُسرة، ولما قيل لهم (إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) آل عمران: 173، زادَهم ذلك إيمانًا وثباتًا، وقالوا (حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) آل عمران: 173

وبعد وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- لم يكسَل الصحبُ الكِرامُ؛ بل علَت هِمَمهم وتطلعاتهم إلى طموحاتهم العالية حتى غلَبوا أعظمَ حضارتَين، وخفَقَت راياتُهم في روابِي المشرقَيْن، وملؤوا الدنيا حضارةً وعلمًا وهُدًى في أخبارٍ وسِيرٍ تأسِرُ القلوبَ، وتأخذُ بالألباب، ولولا التاريخُ لقيل ضربٌ من الخيال والأوهام

ولقد كانوا بشرًا من البشر، لكنَّ قلوبَهم صاغَها الوحيُ، فتعلَّقَت بالسماء، اصطفاهم الله وامتحَنَهم، فصدَقوا ونجَحوا في الوصول إلى تطلعاتهم العالية

وهكذا ربَّى النبي -صلى الله عليه وسلم- الصحابةَ، حتى صاروا قادةَ الأمة في العلم والجهاد والقيادة وغير ذلك

أيها المسلمون إن الأمةَ اليوم بحاجةٍ إلى من يشُد على قلوبِ أبنائِها، ليُصبِحوا رجالاً، فقد أصبحَ البعض يعدُّون أنفسَهم من أهل الجنة بمجرَّد عملٍ يسيرٍ أو طاعةٍ محدودةٍ، دون تضحيةٍ وفداءٍ، وكأنَّ الله لم يتَّخِذَ منا شهداء، حتى لقد أصبحَ الإسلام عند البعض مُجرَّد سُلُوكٍ اجتماعيٍّ ربما يُشارِكُهم فيه غيرُهم، ويتفوَّقُ عليهم آخرون

ألم يعلَموا أنه تكاليف شاقَّة، وعملٌ وامتحانٌ؟! (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ) البقرة: 214

إذا كان البعض ينامُ حتى يملَّ الفراشُ، ويبسُطُ ألوانَ الطعام كلما اشتهَى، ويصرِفُ الأوقات الطويلة للتسوُّق والمُسامَرة، ولا يرعوِي عن صرفِ جُلِّ يومِه وغالبِ ساعاته في تصفُّح الأجهزة الإلكترونية، أو مُتابعة المُلهِيات، ويركُضُ وراءَ الدنيا ركضَ الوحوش في البَرِّيَّة، فمتى يُنتِجُ؟ أو يصلُح لردِّ عدوانٍ أو نهوضٍ بأمَّةٍ؟

إن معالِيَ الأمور والطُموحات الكُبرى لا تأتي إلا بالكدِّ والتعَب

والناظرُ في حال الأُمم يجِدُ أنه ما من أمةٍ ترقَّت في مراتبِ المجدِ وسطَّرَت اسمَها على صفحات التاريخ إلا كان وراءَ ذلك عملٌ كبيرٌ وتضحِياتٌ جِسامٌ، وبذلٌ للجُهد في كل الميادين

إن الأُمم لا تكونُ كذلك بغير تحمُّل أبنائِها لمسؤولياتِهم، واستِعداد الشباب والناشِئة للبَذلِ والتضحِيةِ والعطاء، ما يجعلُنا نتبيَّنُ خطورةَ إهمالِ الناشِئة، وعدم تربيتهم على الجِدِّ واستِشعار المسؤولية

قال الغزاليُّ -رحمه الله-: والصبيُّ أمانةٌ عند والدَيْه، وقلبُه الطاهرُ جوهرةٌ نفيسةٌ؛ فإن عُوِّدَ الخيرَ وعُلِّمَه نشأَ عليه، وسعِدَ في الدنيا والآخرة، وإن عُوِّد الشرَّ وأُهمِلَ إهمالَ البهائِم شقِيَ وهلَك وصيانتُه بأن يُؤدِّبَه ويُهذِّبَه ويُعلِّمَه محاسِنَ الأخلاق

وإذا نظرنا إلى أحوال السابقين من أمَّتنا نجِدُ أنهم أعطَوا هذا الأمرَ ما يستحقُّه من العناية؛ بحيث نشأَ أبناؤُهم نشأةً سويَّةً، تحمَّلُوا المشاقَّ والصِّعابَ دون كلَلٍ أو ملَلٍ، وباعوا أنفسهم وأموالهم لهذا الدين ولرِفعة الأمة دون مَنٍّ

عباد الله إن الوهنَ والضعفَ الذي تُعاني منه أمَّتُنا اليوم سببُه حبُّ الدنيا والرُّكونُ إليها، والجُبنُ عن الإقدام خشيةَ التلَف

عن ثوبان -رضي الله عنه- قال قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "يُوشِكُ الأُمم أن تتداعَى عليكم كما تتداعَى الأكلَةُ إلى قصعَتها" فقال قائلٌ ومن قِلَّة نحن يومئذٍ؟! قال "بل أنتم يومئذٍ كثيرٌ، ولكنكم غُثاءٌ كغُثاء السَّيْل، ولينزعنَّ اللهُ من صُدور عدوِّكم المهابةَ منكم، وليقذِفنَّ الله في قلوبِكم الوهنَ" فقال قائلٌ يا رسول الله وما الوهنُ؟! قال "حبُّ الدنيا وكراهيةُ الموت" رواه الإمام أحمد وأبو داود بسندٍ صحيحٍ

وقال -صلى الله عليه وسلم- (إذا تبايعتُم بالعِينَة، وأخذتُم أذنابَ البقر، ورضِيتُم بالزَّرع؛ سلَّط الله عليكم ذُلاًّ لا ينزِعُه عنكم حتى تُراجِعوا دينَكم) رواه أبو داود بإسنادٍ صحيحٍ

إن الإغراقَ في الشَّهَوات والملذَّات والفنِّ الرخيصِ والمُلهِيات لهِيَ المُخدِّرات المُقعِدات التي تُعيقُ مسيرةَ الأمة نحو مراقِي العزَّة والكرامة، واقرأوا التاريخ ثم اعتبِروا يا أولي العقول لقد طالَ التِّيهُ الذي تعيشُه الأمة، وامتدَّت مأساتُها، وزادَ قتامُ ليلها

إن الأمةَ لا تُصابُ من الخارج إلا بعد أن تُصابَ من الداخل، وليس لنا أن نُسيءَ وننتظر من الله الإحسان (تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) القصص: 83، (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ)الأنبياء: 105

إن الإنسانَ الصالحَ لعمارة الأرض ووراثتِها أن يكون ذا قلبٍ سليمٍ، وضميرٍ حيٍّ، وتقوَى تكبحُ جماحَ الهوى والنَّزَوات، يُغذِّي ذلك نورُ التوحيد، والعالَمُ كلُّه بحاجةٍ إلى هذه القيادة الروحيَّة الفاضِلة

عباد الله: إن أمَّتَنا الكبيرة تنتشِرُ فوقَ بِساطٍ من الأرض التقَت فوقَه مقاليدُ الدنيا، ومفاتيحُ العِمران، وفي قبضَةِ يدها رخاءُ العالَم وشرفُه، ولو أحسنَت استِغلالَ ما تملِك فإن سائرَ الأُمم تحتاجُ إليها، ولا تحتاجُ هي إلى أحدٍ (إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ) يوسف: 90

ألا فتيمَّموا شطرَ الفلاح، وتسربَلوا بطُهر الصلاح، وخُذوا من مِشكاة (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) الشمس:9، ثم أتبِعوا سببًا، واسترِدُّوا كرامتَكم، وقولوا لا للشهوات والنَّزَوات، والرَّغَبات والرَّهَبات، لا للنَّعَرات والخِلافات

شُدُّوا عزائِمَكم، واجتازُوا المسالِك، وتخطُّوا المهالِك، وإن السُّمُوقَ إلى القِمَم والذُّرَى لا يكونُ بوثبةٍ واحدةٍ؛ بل لا بُدَّ من تدرُّجٍ على سُنن الله في الحياة

إن عالِيَ الهِمَّة يحمِلُ همَّ أمتِه ويجودُ بالنفسِ والنَّفيسِ في سبيل تحصيلِ غايتِها، وتحقيق رِفعَتها، ويعلم أن المكارِمَ منوطةٌ بالمكارِه، وأن المصالِحَ والخيرات واللَّذَّات والكمالات لا تُنالُ إلا بحظٍّ من المشقَّة، ولا يُعبَرُ إليها إلا على جسرٍ من التَّعَب، ومن أراد العلوَّ لأمته لم يلتفِت إلى لومِ لائِمٍ، ولا عذلِ عاذِل (وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) الإسراء:19

قال النبي -صلى الله عليه وسلم: من خافَ أدلَجَ، ومن أدلَجَ بلغَ المنزِلَ، ألا إن سِلعةَ الله غالية، ألا إن سِلعةَ الله الجنة.صححه الألباني والسيوطي.

إن طريقَ النجاح ليس مفروشًا بالورد والرَّياحين، بل يحتاجُ إلى تعبٍ وإلى بذلٍ لإدراكِه، وإذا ذاقَ الإنسانُ طعمَ النجاح هانَت عليه كلُّ لحظةِ تعبٍ أمضاهَا في طريقِه، حتى يكون ذلك التعبُ أشهَى من النفس، وألذَّ من طعم الدَّعَة والسُّكون وهذه سُنَّةُ الله في الحياة (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ) العنكبوت:69

وتربيةُ الأمة على ذلك مسؤوليةُ الأولياء والمُربِّين، ووسائلِ الإعلام والمسؤولين، أما التخديرُ وزرعُ الوهْنِ بالمُلهِيات فلا يُنتِجُ إلا أمَّةً داجِنةً، لا تبنِي في الرَّخاءِ، ولا تصمُدُ في البلاء

إن على أمة الإسلام -وهي تمرُّ بأحلَك ظروفِها، وأخطَر مُنعطفَاتِ تاريخها- أن تعلُو همَّتُها عن اللَّهْوِ والعبَثِ، والفُرقة والخِلاف، والغفلةِ والشُّرود، وأن تُربِّيَ جيلَها على الجِدِّ والطُّموح والهِمَم العالِية، وقد قال الله لنبيِّه (يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ)مريم:12، وقال لموسى عن الألواح (فَخُذْهَا بِقُوَّةٍ) الأعراف:145

وإن سُنن الله في الانتِصار والانكِسار ليست حظوظًا عمياء، لكنَّ الأمورَ تتدافَعُ إلى نهايتِها وفقَ سُنن كونيَّة دقيقة، ومُقدِّماتٍ مُنتظمةٍ كانتِظام النتائِج بعد الأسباب (إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ) الرعد: 11

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَنا بسُنَّة سيِّد المُرسلين، وأستغفر الله تعالى لي ولكم

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى الله وسلَّم وبارَكَ عليه، وعلى آله وصحبِه أجمعين

وبعد

في أرض المُسلمين، وفي ثَرَى سوريا، وعلى مسامِع العالَم وتحت بصرِه تتلُو المجزرةُ المجزرةَ، ويسيرُ الدمُ على إثر الدماء، ويُطفِئُ النظامُ المُجرِمُ شموعَ الحياة في أجساد عشرات الألوف من السُّوريِّين، ويُشرِّدُ الملايين، ويُرهِبُ الشعبَ، فلا الدينُ يَعنيهِ، ولا الحضارةُ تستهوِيه، ولا تُراثُ الإنسانيَّة أو صُراخ الأطفال يُحرِّكُ ساكِنًا فيه

لم يزَلْ النظامُ الجاثِمُ على أرض سُوريا، الدَّخيلُ والمُتسرطِنُ في جسدِها يرتكِبُ القبائِحَ، ويتفنَّنُ في ارتِكاب المذابِح ونشر الإرهاب، يُعاوِنُه في ذلك إخوةُ المُعتقَد من الرافضة المنافقين، ورِفاقُ العِداء للمُسلمين من المشركين، قلَّةٌ يُبيدون كثرةً، وشِرذِمةٌ مُتسلِّطون على أمَّةٍ (وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) الحج 18

أن دافِعَه الحقيقيَّ هو خشيةُ كَدَر العدوِّ الرافضي من وجود السِّلاح بأيدٍ مُتوضِّئة، فأُهدِرَت دماءُ السوريِّين، وأزهِقَت نفوسُهم بين عدوَّيْن مُعتدٍ داخليٍّ نصيري ومُحتلٍّ خارجيٍّ رافضي

وتتساقَطُ قِيمُ المُنظَّمات والأمم التي تُقدِّمُ نفسَها بأنها حامِية للإنسان، أو ناصِرة للضعيف، وهي ترى هذه المشاهِد المُروِّعة، والأخبارَ المُفزِعة تَتْرَى من أرض سُوريا ثم لا تُحرِّكُ ساكِنًا

عباد الله

اعلموا أن الله أمرَكم بأمرٍ بدأ فيه بنفسِه وثنى فيه بملائكته فقال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) الأحزاب: 56

اللهم صلِّ وسلِّم وبارِك على عبدك ورسولِك محمدٍ، وعلى آله الطيبين الطاهرين، وارضَ اللهم عن صحابةِ رسولِك أجمعين، ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، واخذُل الطغاةَ والملاحِدةَ والمُفسِدين من الرافضة والنصيرية والمنافقين وغيرهم، اللهم انصُر دينكَ وكتابَك وسنةَ نبيك وعبادكَ المُؤمنين

اللهم الطُف بإخواننا في سُوريا، اللهم ارفَع عنهم البلاءَ، وعجِّل لهم بالفرَج، اللهم ارحَم ضعفَهم، واجبُر كسرَهم، وتولَّ أمرَهم، اللهم ارحم موتاهم، وعافِ جرحاهم، يا راحِمَ المُستضعَفين، ويا ناصِرَ المظلومين

اللهم أبرِم لهذه الأمة أمرَ رُشدٍ يُعزُّ فيه أهلُ طاعتك، ويُهدَى فيه أهلُ معصيتِك، ويُؤمَرُ فيه بالمعروف، ويُنهَى فيه عن المُنكر يا رب العالمين

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخر حسنة وقنا عذاب النار.البقرة:201.

وقوموا إلى صلاتكم

1437-11-17 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي