الولاء للإسلام

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 10 رجب 1437هـ | عدد الزيارات: 1594 القسم: خطب الجمعة

الحمدُ لله الذي منَّ على عباده المُؤمنين بالثبات وصدق الولاء، أحمدُه - سبحانه - وأشكرُه في السرَّاء والضرَّاء، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له إلهٌ في الأرض وفي السماء، وأشهدُ أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه خيرُ من صلَّى وصامَ ولهجَ لسانُه بالشكر والثناء، صلَّى الله عليه وعلى آلِه وصحبِه أُولي الفضل والسبق والولاء

أما بعد

أُوصِيكم بتقوى الله، فهي زادٌ في الآخرة، وقوةٌ في الشدة، وحسنٌ في المِحنة، قال الله تعالى:"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا"الأحزاب:70، 71

الولاء هو شعورٌ يدفعُ صاحبَه للارتِقاء، وأجلُّ ولاء هو شرفُ اتصال العبد بالله - جل في عُلاه -، الذي يُفضِي إلى الاطمِئنان والاستِقرار، والسعادة الأبديَّة، قال الله تعالى:"أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ"يونس:62

ومن صُور الولاء: الاستقامة على الإسلام الذي هو أعظمُ نعمةٍ، وإذا حلَّت المِحَن، وتنوَّعَت صُنوف الإغراء، واشتدَّت المصائِب، واشتعلَ أُوارُ الحرب على الإسلام يبقَى الولاء للإسلام قويًّا لا يتزعزَع، وراسِخًا لا يتردَّد، قال الله تعالى"هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ"الحج: 78

نرى عظمةَ الولاء للإسلام في الارتِقاء بكل العلاقات عن لوثات العنصرية، فلا فضلَ لعربيٍّ على أعجميٍّ، ولا لأبيض على أسوَد إلا بالتقوى

يأبَى الإسلامُ كل التقسيمات الحزبيَّة الضيِّقة، والعصبيَّة المقيتة، فضلاً عن الولاء لأهل الباطل، قال الله تعالى"فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ"المؤمنون: 53

ليبقَى حزب الله حزباً واحدًا شامخًا نقيًّا،"أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ"المجادلة:22

الالتزام بالإسلام هو الانقِيادُ والاستِسلام، والتِزامُ الجوارِح طاعة الله، والولاءُ لله ولرسولِه، قال الله تعالى:"إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ"المائدة: 55

ولاؤُنا للإسلام يقتضِي ولائنا للأمة بالشعور بأحوالها، والعمل على نُصرتها، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:"مثلُ المُؤمنين في توادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم مثلُ الجسد إذا اشتكَى منه عضوٌ تداعَى له سائرُ الجسد بالسهر والحُمَّى"رواه مسلم.

كما أننا نفخرٍ بتاريخنا الذي حمل لواءَ الهداية للعالَم، ولغتنا الخالِدة لغة القرآن الكريم، قال الله تعالى"قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ"الزمر:28

وولاء العاطفة هذَّبه الإسلام، ووجَّه مسارَه، قال الله تعالى"لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ"المجادلة:22

وقال - صلى الله عليه وسلم "لا يُؤمنُ أحدُكم حتى أكون أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين"رواه مسلم.

وفي الأخلاق يظهر صدقُ ولاء المُسلم للإسلام في هيئته وكلامه، ولباسِه وسُلوكه، فعن ابن عباس رضي الله عنه قال : " لعنَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - المُتشبِّهين من الرجال بالنساء والمُتشبِّهات من النساء بالرجال " رواه البخاري ، وروى الترمذي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : " ليس المؤمنُ بالطعَّان ولا اللعَّان ولا الفاحِش ولا البذِيء " صححه الحاكم

ولا يخفَى أن انهِيارَ الأخلاق انهِيارٌ لمظاهر الاستقامة

ويقترِنُ مع ضعف الاستقامة ذوَبانُ الشخصية وتميُّعها، وقد يستحِي أن يُظهِر بعضَ شعائر دينِه، فكما اهتمَّ الإسلام بطهارة الباطن اعتنَى بجمال المظهر، لتتميَّز شخصيةُ المُسلم، وتتخلَّص من شوائِب التقليد

والولاء للوطن أمرٌ غريزيٌّ، وحبٌّ فِطريٌّ، وكيف لا يُحبُّ الإنسانُ أرضًا عاشَ في كنَفها، وترعرعَ على ترابها، وارتبطَ بأهلها وتاريخها، قال الله تعالى"وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيَارِكُمْ مَا فَعَلُوهُ إِلَّا قَلِيلٌ مِنْهُمْ"النساء: 66

وقد ابتلَى الله نبيَّه محمدًا - صلى الله عليه وسلم - بفِراق الوطن، فقال: واللهِ إنكِ لخيرُ أرض الله، وأحبُّ أرض الله إلى الله، ولولا أني أُخرِجتُ منكِ ما خرجتُ. رواه الترمذي وصححه الألباني .

ولما علِم أنه سيبقَى مُهاجِرًا دعا بتحبيب المدينة إليه، وكان يدعُو لطيبة وطنه بكل خيرٍ، فكان يقول: اللهم اجعل بالمدينة ضِعْفَي ما جعلتَ بمكة من البركة.رواه البخاري.

من الولاء للوطن: بذلُ المال لفقرائِه، وسخاءُ النفس مع أبنائِه، ودعمُ مشاريعه. فكما تنعَّمتَ من خيرات الوطن، ونهلتَ من معينه، فمن حقِّ الوطن أن ترُدَّ له الجميل، وتُسدِي المعروف بالعطاء في مشاريع النماء،"هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ"الرحمن:60

من الولاء للوطن: الإحسانُ للجيران، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:لا يدخلُ الجنةَ من لا يأمنُ جارُه بوائِقَه.رواه مسلم.

ومن المُقتضيات: حبُّ الخير لأبناء الوطن، والتعاوُن بينهم، قال - صلى الله عليه وسلم -: لا يؤمنُ أحدُكم حتى يحبَّ لأخيه ما يحبُّ لنفسه.رواه البخاري.

بارَك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعَني وإياكم بما فيه من الآيات والذكرِ الحكيم، وأستغفرُ الله العظيمَ لي ولكم ولسائر المُسلمين من كل ذنبٍ، فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم

الخطبة الثانية

الحمدُ لله الذي هدانا للإسلام، وجعلَنا خيرَ أمةٍ بين الأنام، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملكُ العلام، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُه ورسولُه خيرُ من صلَّى وصام، صلَّى الله عليه وعلى آله وصحبِه الأئمة الأعلام

بعد وصيتكم بتقوى الله اعلموا أن الولاء للأسرة هدفٌ أسمَى متين، ولها حقُّ الأولوية في تقديم النفع والخير، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: والرجلُ راعٍ في أهله وهو مسؤولٌ عن رعيَّته، والمرأةُ راعيةٌ في بيت زوجها ومسؤولةٌ عن رعيَّتها.رواه البخاري.

وقوةُ بناء الأسرة وصلاحُها يصُبُّ في منظومة بناء الوطن، كما أن تفكُّك الأسرة يُصدِّعُ بناءَ الوطن، ويعلمُ المُسلم أن نسَبَه لا يُغني عنه من الله شيئًا، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -:من بطَّأ به عملُه لم يُسرع به نسَبُه.رواه مسلم.

كل المُؤسسات مسؤولةٌ عن تحقيق الولاء الصالِح: الأسرة، المدرسة، المربي، المناهج، المسجد، العلماء، الدعاة، الإعلام، قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: كلُّكم راعٍ وكلُّكم مسؤولٌ عن رعيَّته.رواه مسلم.

ألا وصلُّوا على رسولِ الهُدى، فقد أمرَكم الله بذلك في كتابِه، فقال"إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا"الأحزاب: 56

اللهم صلِّ على محمدٍ وأزواجه وذريَّته ، كما صلَّيتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارِك على محمدٍ وأزواجه وذريَّته، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد .

وارضَ اللهم عن الخلفاء الأربعة الراشِدين أبي بكرٍ، وعُمر، وعُثمان، وعليٍّ، وعن الآلِ والصَّحبِ الكِرام، وعنَّا معهُم بعفوِك وكرمِك وإحسانِك يا أرحم الراحمين

اللهم أعزَّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الكفر والكافرين، ودمِّر أعداءَك أعداء الدين، واجعَل اللهم هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا وسائرَ بلاد المُسلمين

اللهم من أرادَنا وأرادَ الإسلام والمسلمين بسُوءٍ فأشغِله بنفسِه، واجعل تدبيرَه تدميرَه يا سميعَ الدعاء

اللهم احفَظ المُسلمين في كل مكان، اللهم كُن للمُسلمين المُستضعَفين في كل مكان، اللهم كُن لهم مُؤيِّدًا ونصيرًا وظهيرًا، اللهم إنهم جِياعٌ فأطعِمهم، وحُفاةٌ فاحمِلهم، وعُراةٌ فاكسُهم، ومظلومون فانتصِر لهم، ومظلومون فانتصِر لهم، ومظلومون فانتصِر لهم، اللهم سدِّد رميَهم، ووحِّد صفَّهم، واجمَع كلمتَهم على الحقِّ يا رب العالمين

اللهم إنا نسألُك الجنةَ وما قرَّب إليها من قولٍ وعمل، ونعوذُ بك من النار وما قرَّب إليها من قولٍ أو عمل

اللهم أصلِح لنا دينَنا الذي هو عصمةُ أمرِنا، وأصلِح لنا دُنيانا التي فيها معاشُنا، وأصلِح لنا آخرتَنا التي فيها معادُنا، واجعَل الحياةَ زيادةً لنا في كل خير، والموتَ راحةً لنا من كل شرٍّ يا رب العالمين

اللهم إنا نسألُك فواتِح الخير وخواتِمه وجوامِعه، وأوله وآخره، وظاهره وباطنَه، ونسألُك الدرجات العُلى من الجنة يا رب العالمين، اللهم إنا نسألُك الهُدى والتُّقَى والعفافَ والغِنى

اللهم أعِنَّا ولا تُعِن علينا، وانصُرنا ولا تنصُر علينا، واهدِنا ويسِّر الهُدى لنا، وانصُرنا على من بغَى علينا

اللهم اجعَلنا لك ذاكرين، شاكِرين، مُخبتين، أوَّاهين مُنيبين

اللهم تقبَّل توبتنَا، واغسِل حوبَتَنا، وثبِّت حُجَّتنا، وسدِّد ألسِنَتنا، واسلُل سخيمةَ قُلوبنا

اللهم اشفِ مرضانا، وارحم موتانا، ويسِّر أمورَنا، وفرِّج همومَنا يا رب العالمين

اللهم وفِّق إمامَنا لما تحبُّ وترضى، اللهم وفِّقه لهُداك، واجعَل عملَه في رِضاك يا رب العالمين، اللهم وفِّق جميع ولاة أمور المُسلمين للعمل بكتابِك وتحكيم شرعِك يا أرحم الراحمين

وأقم الصلاة

1437-7-10 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

7 + 5 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي