تفسير سورة الطارق

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله .. وبعد

سورة الطارق مكية وآياتها 17 آية

بسم الله الرحمن الرحيم

وَالسَّمَاءِ وَالطَّارِقِ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ * النَّجْمُ الثَّاقِبُ * إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ * فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ * يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ * إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ * يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ * فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ * وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ * وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ * إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ * وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ * إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا * وَأَكِيدُ كَيْدًا * فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا

يقسم تعالى بالسماء وما جعل فيها من الكواكب النيرة ؛ ولهذا قال تعالى "والسماء والطارق" ثم قال "وما أدراك ما الطارق" ثم فسره بقوله "النجم الثاقب" : إنما سمي النجم طارقاً ؛ لأنه لا يرى إلا بالليل ويختفي بالنهار ويؤيده ما جاء في صحيح البخاري عن جابر بن عبد الله ، رضي الله عنه قال : "كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره أن يأتي الرجلُ أهلَه طُرُوقا " ، أي يأتيهم فجأة بالليل .

وقد بينه الله تعالى بقوله وما أدراك ما الطارق النجم الثاقب، وأصل الطرق الدق ، ومنه سميت المطرقة ، فسمي قاصد الليل طارقا ، لاحتياجه في الوصول إلى الدق .

وقوله "وَمَا أَدْرَاكَ مَا الطَّارِقُ" تفخيم لشأن هذا المقسم به ، وكل ما في القرآن وما أدراك ؟ فقد أخبره به وكل شيء قال فيه وما يدريك لم يخبره به .

وقوله "النَّجْمُ الثَّاقِبُ" الثاقب المضيء ومنه شهاب ثاقب يقال ثقب يثقب ثقوبا وثقابة إذا أضاء وثقوبه ضوءه والعرب تقول أثقب نارك أي أضئها .

وقوله "إِن كُلُّ نَفْسٍ لَّمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ" حفظة يحفظون عليك رزقك وعملك وأجلك .

وقوله "فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ" تنبيه للإنسان على ضعف أصله الذي خلق منه وإرشاد له إلى الإعتراف بالمعاد لأن من قدر على البدائة فهو قادر على الإعادة بطريق أولى ، وتوصية له أيضا بالنظر في أول أمره وسنته الأولى حتى يعلم أن من أنشأه قادر على إعادته وجزائه فيعمل ليوم الإعادة والجزاء .
وقوله " مم خلق " ؟ استفهام أي من أي شيء خلق ؟

وقوله "خُلِقَ مِن مَّاءٍ دَافِقٍ" وهو جواب الاستفهام من ماء دافق أي من المني والدفق صب الماء ، دفقت الماء أدفقه دفقا صببته ، فهو ماء دافق ، أي مدفوق ، كما قالوا سر كاتم أي مكتوم ويقال دفق الله روحه إذا دعا عليه بالموت و من ماء دافق أي مصبوب في الرحم ، فالدافق هو المندفق بشدة قوته وأراد ماءين ماء الرجل وماء المرأة لأن الإنسان مخلوق منهما ، لكن جعلهما ماء واحدا لامتزاجهما .

وقوله : يَخْرُجُ مِن بَيْنِ الصُّلْبِ ظهر الرجل وَالتَّرَائِبِ صدر المرأة .وقوله " إِنَّهُ عَلَىٰ رَجْعِهِ لَقَادِرٌ " إنه على رد الإنسان بعد الموت لقادر لقوله تعالى : يوم تبلى السرائرقوله "يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ" أي يوم القيامة تبلى في السرائر أي تظهر وتبدو ويبقى السر علانية والمكنون مشهورا ، وفي الصحيحين عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: " يُنْصَبُ لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَومَ القِيامَةِ " وقوله " فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ" قوله تعالى "فما له " أي للإنسان "من قوة" أي منعة تمنعه "ولا ناصر" ينصره مما نزل به .وقوله "وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الرَّجْعِ" أي ذات المطر ترجع كل سنة بمطر بعد مطر ، وقوله "وَالْأَرْضِ ذَاتِ الصَّدْعِ" هو انصداعها عن النبات .وقوله "إِنَّهُ لَقَوْلٌ فَصْلٌ" حق ، وعلى هذا وقع القسم أي إن القرآن يفصل بين الحق والباطل .وقوله "وَمَا هُوَ بِالْهَزْلِ" ليس القرآن بالباطل واللعب والهزل ضد الجد ، وقد هزل يهزل بل حق جد، ثم أخبر عن الكافرين بأنهم يكذبون ويصدون عن سبيله فقال "إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا" إنهم " أي إن أعداء الله " يكيدون كيدا " أي يمكرون بالناس في دعوتهم إلى خلاف القرآن .وقوله "وَأَكِيدُ كَيْدًا" أي أجازيهم جزاء كيدهم .وقوله "فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا"، "فمهل الكافرين، أي أنظرهم ولا تستعجل لهم "أمهلهم رويداً" أي قليلا أي وترى ماذا أحل بهم من العذاب والنكال والعقوبة والهلاك .

تم تفسير سورة الطارق ولله الحمد والمنة .

10 - 11 - 1436هـ