واقعة التفجير في جامع علي بن أبي طالب

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الإثنين 14 شعبان 1436هـ | عدد الزيارات: 1953 القسم: خطب الجمعة

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله

ياأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ.آل عمران:102.

ياَيُّهَا ٱلنَّاسُ ٱتَّقُواْ رَبَّكُمُ ٱلَّذِى خَلَقَكُمْ مّن نَّفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ ٱلَّذِى تَسَاءلُونَ بِهِ وَٱلأَرْحَامَ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً.النساء:1.

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزا عظيما.الأحزاب:70-71.

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله, وخير الهدي هدي نبينا محمد صلى الله عليه وسلم, وشر الأمور محدثاتها, وكل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة

عباد الله: سمعنا نبأ التفجير الذي حصل في جامع علي بن أبي طالب في بلدة القديح بمحافظة القطيف في أول شهر شعبان، والذي وقع في مسجد من مساجد الرافضة ولنا مع هذا الحادث عدة وقفات

الوقفة الأولى: هذا الحادث منكر عظيم, فإن من أهم أهداف المسلم الذي يرجو رضا الله تعالى في هذه الحياة هو تعبيد الخلق لله تعالى، والأخذ بأيديهم إلى سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، فهذا الدينُ مَتينٌ مُحكَم، يجب أن يُوغِل المسلم فيهِ برِفقٍ، ومن تأمل في شريعة الله، يجد أنها تريد سَوْق الناس إلى ربهم برفق، ولذلك حذر الله تعالى من التهاون في الدماء, فقال سبحانه: مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا. المائدة:32

وقال صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح: لا يَزَالُ العبدُ في فَسْحَةٍ من دِينِه ما لم يُصِبْ دَمًا حرامًا.رواه البخاري.

وجاء في الحديث: "المؤمِن مَن أمِنَه النّاس على دمائهم وأموالهم"رواه النسائي وصححه الألباني., وقال عليه الصلاة والسلام: "من خرَج على أمتي بسيفِه يضرِب برَّها وفاجرها فليس منّي ولست منه"رواه مسلم.، وهو الذي قال: مَن رفَع علينا السلاح فليسَ منّا.رواه مسلم.

وقد فهم الصحابة هذه النصوص، وقَدَروها حق قدرها، فعن عبدِ اللهِ بنِ عمرَ رضي الله عنهما أنه قال: "إن مِن وَرَطاتِ الأمورِ، التي لا مَخْرَجَ لمَن أَوقعَ نفسَه فيها، سَفْكَ الدمِ الحرامِ بغيرِ حلِّه.رواه البخاري.

إن كل هذه الآيات والأحاديث مجتمعة تشير إشارة قاطعة إلى خطورة التساهل في الدماء, وأنه ليس من دين الإسلام في شيء, وأن المتساهل فيه على خطر عظيم

الوقفة الثانية: إن منهج أهل السنة والجماعة براء من مثل هذه التصرفات, ولذلك فإن هذا التصرف ينبغي أن لا يُنسب إلا لمن صدر منه فقط, ولا يتحمل جريرته إلا من صدر عنه, فلا يجوز أن يلقى كلام عمومي على عواهنه بنسبة هذه الجريمة وهذا الفكر إلى عموم أهل السنة والجماعة فإن هذا جور وظلم, والله تعالى يقول:وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا.الأنعام:152، فمقتضى العدل أن لا يتجاوز الإنسان في نسبة الأمر لغير من صدر منه، تخيل مثلاً أن رجلاً من أهل منطقة معينة قتل شخصًا آخر هل يصح أن يقال إن جميع أهل تلك المنطقة قتلة فشاهد القول أن الفعل الخاطئ ينسب لمن صدر عنه ولا يتعداه إلى غيره.

الوقفة الثالثة: السّعيد من أدركته منيّتُه وهو ثابتٌ على شهادةِ التّوحيد، ليس في رقَبَته شيءٌ من حقوقِ العباد، ملازِمٌ لجماعة المسلِمين، متّقٍ للفِتَن، يحذَر فِتنًا لا تصيبُ الذين ظلَموا خاصّة

وإن من المشاكل العظام التي ابتليت بها أمة الإسلام هي ما يعتنقه بعض أبنائها من فكر الغلو والتكفير, وقد بدأت هذه النابتة منذ عهد النبي صلى الله عليه وسلم, ففي صحيح البخاري " أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أُتيَ بقطعة من الذهب فقسمها بين أربعة نفر, فَغَضِبَتْ قُرَيْشٌ، وَالأَنْصَارُ، وقَالُوا: يُعْطِي صَنَادِيدَ أَهْلِ نَجْدٍ وَيَدَعُنَا، فقَالَ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا أَتَأَلَّفُهُمْ» كان هذا هو موقف الصحابة لما جهلوا شيئًا بين لهم النبي صلى الله عليه وسلم حكمه لكن انظر إلى الجانب الآخر، قال راوي الحديث أبو سعيد الخدري رضي الله عنه: فَأَقْبَلَ رَجُلٌ غَائِرُ العَيْنَيْنِ، مُشْرِفُ الوَجْنَتَيْنِ، نَاتِئُ الجَبِينِ، كَثُّ اللِّحْيَةِ مَحْلُوقٌ، فَقَالَ: اتَّقِ اللَّهَ يَا مُحَمَّدُ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: «مَنْ يُطِعِ اللَّهَ إِذَا عَصَيْتُ؟ أَيَأْمَنُنِي اللَّهُ عَلَى أَهْلِ الأَرْضِ فَلاَ تَأْمَنُونِي، قال أبو سعيد: فَسَأَلَهُ رَجُلٌ قَتْلَهُ، - أَحْسِبُهُ خَالِدَ بْنَ الوَلِيدِ - فَمَنَعَهُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ: " إِنَّ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا، أَوْ قال: فِي عَقِبِ هَذَا قَوْمًا يَقْرَءُونَ القُرْآنَ لاَ يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ مُرُوقَ السَّهْمِ مِنَ الرَّمِيَّةِ، يَقْتُلُونَ أَهْلَ الإِسْلاَمِ وَيَدَعُونَ أَهْلَ الأَوْثَانِ، لَئِنْ أَنَا أَدْرَكْتُهُمْ لَأَقْتُلَنَّهُمْ قَتْلَ عَادٍ", وجاء في رواية عند مسلم: إِنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ ضِئْضِئِ هَذَا قَوْمٌ يَتْلُونَ كِتَابَ اللهِ، رَطْبًا لَا يُجَاوِزُ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ

وروى ابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:" يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِيَّاكُمْ وَالْغُلُوَّ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ أَهْلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمُ الْغُلُوُّ فِي الدِّينِ " صححه الألباني

فالحاصل أنه ينبغي للإنسان الحرص على دينه, والحذر من فكر الغلو كما يحذر من فكر التساهل والتهاون, فإن أمة الإسلام أمة وسط وكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا

الوقفة الرابعة: ينبغي أن لا تتخذ هذه الأحداث مجالاً للمزايدة على أمن هذه البلاد, فأمن هذه البلاد بلاد الحرمين خط أحمر

فالمزايدة على الأمن والتهديد بالحماية الذاتية أو الحشود الشعبية أمر لا يقره جميع مواطني هذه البلاد المخلصين, وهو إنما يخدم أعداء هذه البلاد الذين لا يريدون لها استقراراً ولا اتحاداً ولا أمنًا، فنقف جميعًا صفًا واحدًا ويدًا واحدة مع دولتنا ورجال أمننا في مواجهة الأعمال التخريبية.

بارك الله لي ولكم بالقرآن والسنة، ونفعنا بما فيهما من الآيات والحكمة، وأستغفر الله لي ولكم إنه هو الغفور الرحيم.

الخطبة الثانية

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

أما بعد: فاتقوا الله عباد الله ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

الوقفة الخامسة مع الأحداث: إن علاج مشكلة الغلو في الدين ينبغي أن يوكل إلى العلماء, فإنهم أقدر بإذن الله على حل شبهات الغلاة أو المتأثرين بهم, ولا ينبغي أن يترك حل هذه المشكلة إلى العلمانيين أو المنحرفين وأعداء الدين، وإنما يقاوم بالحجة والبيان بل إن إطلاق هؤلاء العلمانيين لحل مشكلة الغلاة له آثار عكسية سيئة لا تخفى على عاقل، ومن هنا ينبغي أن يوكل الأمر لأهل العلم الشرعي, وينبغي أيضًا أن يتولى أهل العلم زمام المبادرة لحل هذه النابتة.

إذا تبيَّنَ ذلك فإنه لا يجوز أن توجه التهمة في مثل هذه الأحداث إلى علماء الأمة ودعاتها المعتدلين لا يجوز أن تنسب هذه الأفعال والتصرفات إلى دروسهم ومؤلفاتهم فكم من شخص سمع أو قرأ منهم ولم يخرج بهذا الفكر

بل على العكس فتجد هؤلاء الغلاة لهم شيوخهم وعلماؤهم من حملة نفس الفكر

إذا تبيَّن ذلك فإن علينا جميعًا دورًا عظيمًا في مواجهة هذا الفكر ألا وهو ربط الناس بالعلماء, وتقديرُهم وتوقيرُهم, وعدم إسقاط قدرهم من النفوس, فإن قدر أهل العلم إذا سقط من النفوس لم يبق للناس كبير واتخذ الناس رؤوسًا جهالاً فسُئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا.

اللهم آمنا في أوطاننا واحفظ علينا أمننا واستقرارنا واكفنا شر الأشرار، وكيد الفجار اللهم أعز الإسلام والمسلمين وأذل الشرك والمشركين ودمر أعداء الدين اللهم أبرم لهذه الأمة أمر رشد يعز فيه أهل طاعتك ويذل فيه أهل معصيتك ويؤمر فيه بالمعروف وينهى فيه عن المنكر اللهم اغفر للمؤمنين والمؤمنات والمسلمين والمسلمات الأحياء منهم والأموات

عباد الله إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي يعظكم لعلكم تذكرون.النحل:90 فاذكروا الله يذكركم, واشكروه على نعمه يزدكم, ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.العنكبوت:45.

1436-8-14 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 2 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي