الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد
قول السائل إن ابن حزم يقول إن مرتكب الكبيرة يأخذ كتابه من وراء ظهره والكفار بشمائلهم والمؤمنون بأيمانهم
ج: مذهب أهل السنة والجماعة أنه من مات على الإيمان يتناول كتابه بيمينه ولو كان مرتكبا للكبائر وأن من مات على الكفر والعياذ بالله يتناول كتابه بشماله من وراء ظهره وهو بذلك يمثل هيئة الفاتر المتألم الكاره لما يتناوله ولكن لا بد من تناوله وهذا هو الذي دلت عليه النصوص فإنها لم يذكر فيها بالنسبة لتناول الكتاب إلا مؤمن ولو مطلق الإيمان وكافر وإن اختلف نوع كفره أو تفاوتت درجته وقوله تعالى "وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا"(الإنشقاق 10) الآيات هي في الكافر كفرا يخرج عن ملة الإسلام ولا منافاة بين خبر الله تعالى عن الكافر مرة بأنه يؤتى كتابه من وراء ظهره وأخرى بأنه يؤتى كتابه بشماله لإمكان الجمع بينهما بأخذه كتاب عمله بشماله من وراء ظهره كما تقدم فإحدى الآيتين في بيان العضو الذي يتناول صحيفة العمل والأخرى في صفة التناول وهيئته لكن قول ابن حزم رحمه الله في ذلك غير صحيح
فعقيدة أهل السنة والجماعة أن من مات من المسلمين مصرا على كبيرة من كبائر الذنوب كالزنى والقذف والسرقة يكون تحت مشيئة الله سبحانه إن شاء الله غفر له وإن شاء الله عذبه على الكبيرة التي مات مصرا عليها ومآله إلى الجنة لقوله سبحانه وتعالى "إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ" (النساء 48)
ولا يقال لمن زنى أو شرب الخمر أنت كافر عند أهل السنة والجماعة بل يقال فيه إنه مؤمن بقدر ما فيه من إيمان فاسق بقدر ما فيه من معصية وما ورد من قول النبي صلى الله عليه وسلم "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" رواه البخاري ومسلم. الحديث فمحمول على نفي كمال الإيمان الواجب لا على نفي أصل الإيمان لكن من استحل الزنا أو السرقة أو شرب الخمر وغيرها من المحرمات المجمع على تحريمها كفر عند أهل السنة والجماعة
ومن مات على الإسلام وقد قتل نفسا أو نفوسا عمدا فهو ممن ارتكب كبائر غير الشرك وهو في مشيئة الله ثم تكون المقاصة بينه وبين قتيله في الحسنات والسيئات وهو على خطر كبير
إذا كان البنك ربويا فما يأخده الموظف من مرتب أو مكافأة أجرا على عمله به حرام لتعاونه مع أصحاب البنك الربوي على الإثم والعدوان وقد قال الله تعالى "وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ"(المائدة 2) ولأن النبي صلى الله عليه وسلم" لعن آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه وقال هم سواء" رواه مسلم
من أصيب من المؤمنين بمصيبة مرض أو غيره حط عنه بذلك من خطاياه لقوله صلى الله عليه وسلم "ما من مصيبة تصيب المسلم إلا كفر الله بها عنه حتى الشوكة يشاكها" رواه البخاري ومسلم. وروي عنه أنه قال "إن عظم الجزاء مع عظم البلاء وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط" رواه الترمذي وهذا في المؤمنين أما الكافر فمن عقابه العاجل وتارك الصلاه يعتبر كافرا في أصح قولي العلماء
وحلق اللحية وإسبال الملابس حرام ومرتكب ذلك عاص وفاسق وإذا مات المسلم مصرا على ذلك ولم يتب إلى الله جل وعلا فأمره إلى الله إن شاء عذبه بقدر معصيته ثم يدخله الجنة وإن شاء عفا عنه ولم يعذبه فضلا منه وكرما
الشرك الأكبر أن يجعل الإنسان لله ندا إما في أسمائه وصفاته فيسميه بأسماء الله ويصفه بصفاته قال الله تعالى "وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ" (الأعراف 180)ومن الإلحاد في أسمائه تسمية غيره باسمه المختص به أو وصفه بصفته كذلك
وإما أن يجعل له ندا في العبادة بأن يضرع إلى غيره تعالى من شمس أو قمر أو نبي أو ملك أو ولي مثلا بقربة من القرب صلاة أو استغاثة به في شدة أو مكروه أو استعانة به في جلب مصلحة أو دعاء ميت أو غائب لتفريج كربة أو تحقيق مطلوب أو نحو ذلك هو من اختصاص الله سبحانه فكل هذا وأمثاله عبادة لغير الله واتخاذ لشريك مع الله قال الله تعالى "قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا"(الكهف110)
وإما أن يجعل لله ندا في التشريع بأن يتخذ مشرعا له سوى الله أو شريكا لله في التشريع يرتضي حكمه ويدين به في التحليل والتحريم عبادة وتقربا وقضاء وفصلا في الخصومات أو يستحله وإن لم يره دينا وفي هذا يقول تعالى في اليهود والنصارى "اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ" (التوبة 31) وأمثال هذا من الآيات والأحاديث التي جاءت في الرضا بحكم سوى حكم الله أو الإعراض عن التحاكم إلى حكم الله والعدول عنه إلى التحاكم إلى قوانين وضعية أو عادات قبلية أو نحو ذلك فهذه الأنواع الثلاثة هي الشرك الأكبر الذي يرتد به فاعله أو معتقده عن ملة الإسلام فلا يصلى عليه إذا مات ولا يقبر في مقابر المسلمين ولا يورث عنه ماله بل يكون لبيت مال المسلمين ولا تؤكل ذبيحته ويحكم بوجوب قتله ويتولى ذلك ولي أمر المسلمين إلا أنه يستتاب قبل قتله فإن تاب قبلت توبته ولم يقتل وعومل معاملة المسلمين
أما الشرك الأصغر فكل ما نهى عنه الشرع مما هو ذريعة إلى الشرك الأكبر ووسيلة للوقوع فيه وجاء في النصوص تسميته شركا كالحلف بغير الله فإنه مظنة للانحدار إلى الشرك الأكبر ولهذا نهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم فقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال "ألا إن الله ينهاكم أن تحلفوا بآبائكم ومن كان حالفا فليحلف بالله أو ليصمت" بل سماه مشركا روى ابن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "من حلف بغير الله فقد أشرك" رواه أحمد لأن الحلف بغير الله فيه غلو في تعظيم غير الله وقد ينتهي ذلك التعظيم بمن حلف بغير الله إلى الشرك الأكبر ومن أمثلة الشرك الأصغر أيضا ما يجري على ألسنة كثير من المسلمين من قولهم ما شاء الله وشئت ولولا الله وأنت ونحو ذلك وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم وأرشد من قاله إلى أن يقول "ما شاء الله وحده أو ما شاء الله ثم شئت" سدا لذريعة الشرك الأكبر من اعتقاد شريك لله في إرادة حدوث الكونيات ووقوعها وفي معنى ذلك قولهم "توكلت على الله وعليك وقولهم "لولا صياح الديك أو البط لسرق المتاع" ومن أمثلة ذلك: الرياء اليسير في أفعال العبادات وأقوالها كأن يطيل الصلاة أحيانا ليراه الناس أو يرفع صوته بالقراءة أو الذكر أحيانا ليسمعه الناس فيحمدوه روى الإمام أحمد بإسناد حسن عن محمود بن لبيد رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغرالرياء
والشرك الأصغر لا يخرج من ارتكس فيه من ملة الإسلام ولكنه أكبر الكبائر بعد الشرك الأكبر ولذا قال عبد الله بن مسعود "لأن أحلف بالله كاذبا أحب إلي من أن أحلف بغيره صادقا"
ليس كل من عبد من دون الله يعتبر طاغوتا إنما يعتبر طاغوتا من عبد من دون الله وهو راض أو دعا إلى عبادة نفسه وعيسى ابن مريم عليه السلام لم يرض أن يكون معبودا بل أنكر ذلك ودعا إلى عبادة الله وحده
لا يجوز للمسلم أن يتحاكم إلى حكومة غير مسلمة قال تعالى "وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ" (المائدة 44)فيجب على المسلمين أن يتحاكموا إلى الشريعة الإسلامية لا إلى الأحكام العرفية ولا إلى القوانين الوضعية والحاكم الذي لا يحكم بما أنزل الله تدعو له بالهداية والتوفيق وأن يجعل الله على يده إصلاح رعيته فيحكم بينهم بشريعة الله
وبالله التوفيق
وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين
1436-02-03هـ