الدرس 286 في وجوب شكر الله على نزول الغيث

المقال
التصنيف : تاريخ النشر: الثلاثاء 3 جمادى الأولى 1435هـ | عدد الزيارات: 1670 القسم: الفوائد الكتابية

الغيث نعمة فاحمدوا الله واشكروه على هذه النعمة العظيمة قال تعالى "وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجاً لِنُخْرِجَ بِهِ حَبّاً وَنَبَاتاً وَجَنَّاتٍ أَلْفَافاً" (النبأ 14)وقال تعالى "أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ أَأَنْتُمْ أَنْزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنْزِلُونَ لَوْ نَشَاءُ جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلا تَشْكُرُونَ" (الواقعة 68- 70)

قال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى: ثم تأمل الحكمة البالغة في نزول المطر على الأرض من علو ليعم بسقيه وهادها وتلولها وظرابها وآكامها ومنخفضها ومرتفعها ولو كان ربها تعالى إنما يسقيها من ناحية من نواحيها لما أتى الماء على الناحية المرتفعة إلا إذا اجتمع في السفلى وكثر، وفي ذلك فساد، فاقتضت حكمته أن سقاها من فوقها، فينشئ سبحانه السحاب وهي روايا الأرض، ثم يرسل الرياح فتلقحها كما يلقح الفحل الأنثى، ثم ينزل منه على الأرض ثم تأمل الحكمة البالغة في إنزاله بقدر الحاجة حتى إذا أخذت الأرض حاجتها وكان تتابعه عليها بعد ذلك يضرها، أقلع عنها وأعقبه بالصحو

اشكروا الله على هذه النعمة العظيمة بالتحدث بها، وإضافتها إليه، والثناء على الله، واعتقاد أنها منه وحده، والاستعانة بها على طاعته؛ فإن كثيراً من الناس لا يشكرون الله على هذه النعمة كما أنهم لا يشكرونه على غيرها من النعم فبعضهم لا ينسب نزول المطر إلى الله، وإنما ينسبه إلى الطبيعة ويقول هذا يرجع إلى المناخ فبلاد أوروبا مثلاً كثيرة الأمطار؛ نظراً لمناخها وموقعها الجغرافي، وبلادنا قليلة الأمطار؛ نظراً لمناخها وموقعها الجغرافي، فينسى هذا الجاهل أو الملحد أن هذا راجع إلى قدرة الله وحكمته، وأنه هو الذي ينزله ويحبسه كما يشاء ولم ير هذا الجاهل أن كثيراً من بلاد أوروبا وأفريقيا الآن تشكو من الجفاف وقلة الأمطار، ولم ينفعها مناخها وموقعها الجغرافي؛ لأن الله حبس المطر عنها؛ قال تعالى "وَلَقَدْ صَرَّفْنَاهُ بَيْنَهُمْ لِيَذَّكَّرُوا" (الفرقان 50) وبعض الناس ينسب نزول المطر إلى النجوم والطوالع أو الانخفاض الجوي كما يسمونه، وينشرون في بعض الصحف أن هذا العام ستكثر الأمطار أو تقل؛ نظراً لكذا وكذا، وهذا من الجرأة على الله وادعاء علم الغيب والتشويش على العوام الذين لا يعرفون كذبهم وتخرصهم وفي مثل هؤلاء يقول الله تعالى "وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ" (الواقعة 82)أي بدل أن تشكروا الله تعالى على إنزاله المطر عليكم "تُكَذِّبُونَ" فتنسبون ذلك إلى غيره من الكواكب والمخلوقات.

وفي الصحيحين عن زيد بن خالد الجهني قال "صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الصبح بالحديبية على أثر سماء" أي نزول مطر "كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس قال "أتدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال مطرنا بفضل الله ورحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا؛ فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب" ومعنى الحديث أن من نسب المطر إلى الله واعتقد أنه أنزله بفضله ورحمته من غير استحقاق من العبد على ربه وأثنى على الله بذلك فقال مطرنا بفضل الله ورحمته فهذا مؤمن بالله شاكراً لنعمته كافر بما سواه، وأما من نسب نزول المطر إلى غير الله من الكواكب أو الطبيعة وتغير المناخ؛ فذلك كافر بالله تعالى مؤمن بغيره

فإذا اعتقد أن لغير الله تأثيراً في إنزال المطر فهذا كفر أكبر؛ لأنه شرك في الربوبية والمشرك كافر، وإن لم يعتقد ذلك وأضاف المطر إلى السبب فهو من الشرك الأصغر والكفر الأصغر؛ لأنه نسب نعمة الله إلى غيره حيث نسب المطر إلى السبب، فالواجب أن ينسب نزول المطر وجميع النعم إلى الله تعالى، قال تعالى "وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ" (النحل 53) وإنزال الغيث من أعظم نعم الله وإحسانه إلى عباده؛ لِما اشتمل عليه من منافعهم، فلا يستغنون عنه أبداً

فيجب عليهم أن يشكروه عليه؛ ومن شكره أن يضيفوه إليه وحده ويحمدوه عليه؛ فإن النفوس مجبولة على حب من أحسن إليها، والله جل وعلا هو المحسن المطلق الذي يجب أن تضاف إليه النعم كلها ويشكر عليها وحده لا شريك له في ذلك

اللهم كما أنزلت الغيث فأنبت الكلأ وكما أغثت الأرض أغث القلوب

وصل اللهم على نبينا محمد

1435-5-3 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

8 + 8 =

/500
روابط ذات صلة
المقال السابق
الفوائد الكتابية المتشابهة المقال التالي