الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين
وبعد
قول المصنف:" باب ما جاء في كثرة الحلف "
أراد المؤلف في هذا الباب بيان أن كثرة الحلف نقص في الإيمان والتوحيد؛ لأن كثرة الحلف تفضي إلى التساهل والكذب، فإنَّ مَن كثُرتْ أيمانُه وقع في الكذب، فيجب عدم الإكثار من الأيمان. وفي هذا الباب الوعيد في حق من كثر حلفه، والحلف هو تأكيد شيء بذكر معظم بأحد حروف القسم التي هي (الواو، الباء، التاء) مثل قولك في الجميع : واللهِ ، وباللهِ، وتالله. والأصل ألا يحلف المسلم بالله تعالى في كل صغيرة وكبيرة، لأنه ينبغي على المسلم أن يعظم الله تعالى في كل أموره،ولقد ذم الله تعالى أناسا يحلفون في كل شيء فقال تعالى:{وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ}[القلم: 10]، والحلاَّف صيغة مبالغة أي كثير الحلف، وقال تعالى:{وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 224] .
والحكمة في الأمر بتقليل الأيمان أن من حلف في كل قليل وكثير بالله انطلق لسانه بذلك ولا يبقى لليمين في قلبه وقع، فلا يؤمن إقدامه على اليمين الكاذبة، فيختل ما هو الغرض الأصلي في اليمين، وأيضا كلما كان الإنسان أكثر تعظيما لله تعالى كان أكمل في العبودية ومن كمال التعظيم أن يكون ذكر الله تعالى أجلَّ وأعلى عنده من أن يستشهد به في غرض من الأغراض الدنيوية.
قول المصنف: "وقول الله تعالى: وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ "(المائدة 89).
لما ذكر الله كفارة الأيمان في سورة المائدة في قوله تعالى:" لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَٰكِن يُؤَاخِذُكُم بِمَا عَقَّدتُّمُ الْأَيْمَانَ ۖ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ ۖ فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ۚ ذَٰلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ ۚ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (89)"، جعل في اليمين الكفارة إذا حنث فيها وخالفها مما يدل على عظمتها؛ لأن الكفارة لا تكون إلا من ذنب وقع فيه الإنسان، فنقض اليمين يحتاج إلى كفارة، مما يدل على عظم اليمين، ثم قال : وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ ۚ ، فهذا الأمر للوجوب ، فيجب حفظ اليمين، فالمؤمن يحفظها ويصونها إلا من حاجة ومصلحة شرعية ، فلا يكثر منها حتى لا يظن به الكذب
وبالله التوفيق
1435/4/26هـ