التقليد والتبعية

الخطب
التصنيف : تاريخ النشر: الأحد 25 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 2971 القسم: خطب الجمعة

الحمد لله الذي أنار الطريق لعباده المؤمنين فقال "وأنَّ هذا صراطي مستقيماً فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون"الأنعام:153. وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله أوصى أمته باتباع سبيل الله وحذرها من اتباعها السبل الأخرى فقال "لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكُمْ شِبْرًا بشِبْرٍ، وَذِرَاعًا بذِرَاعٍ، حتَّى لو سَلَكُوا جُحْرَ ضَبٍّ لَسَلَكْتُمُوهُ، قُلْنَا يا رَسُولَ اللَّهِ: اليَهُودَ، وَالنَّصَارَى قالَ: فَمَنْ " رواه البخاري

صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم

أما بعد

عباد الله: إن أمتنا الإسلامية قد حل بها من الأدواء والمصائب ما أثقل كاهلها ونأت به حيث أعرضت عن دين الله واتبعت غير سبيله فولاها الله ما تولت ووصلت إلى ما وصلت إليه وما وصلت إليه الأمة الإسلامية من الضعف إلا بسبب تقليد المسلمين للغرب الكافر

والتقليد بدأ في القرن الحادي عشر الهجري حينما بدأت أوروبا النصرانية تخطوا خطوات حثيثة في ميادين الاختراعات والاكتشافات العلمية والصناعات متأثرة بآخر حلقات المدنية الإسلامية في الأندلس والشرق الإسلامي وبادئة من نهاية الحضارة الإسلامية وفي هذه الآونة كان العالم الإسلامي يغط في سبات عميق تحت وطأة الجهل والركود فبدأت موجة التقليد جلية حين دب الضعف في الخلافة العثمانية

ولن نشير إلى مراحل التقليد بقدر ما نشير إلى آراء العلماء حول التقليد

يقول الاستاذ مصطفى صادق الرافعي: إني أرى أنه لا ينبغي لأهل الأقطار العربية أن يقتبسوا من عناصر المدنية الغربية اقتباس التقليد بل اقتباس التحقيق بعد أن يعطوا كل شيء حقه من التمحيص

ويقول الاستاذ المودودي رحمه الله: إن أي أمة في الأرض إذا كان في تاريخها درس نافع فمن الواجب أن نأخذه منها

ولكن إذا أعرضنا عن هذه الأمور الجوهرية وذهبنا نأخذ من أمم الغرب ملابسها وطرقها للمعيشة وعاداتها للأكل والشرب، بزعم أن فيها السر لنجاح تلك الأمم فلا يكون ذلك إلا دليلاً على غباوتنا

والقرآن ينهى عن تقلييد الكفرة قال تعالى "فلا تطع الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيرا"الفرقان:52. والسنة تنهي عن ذلك

كما أُمِرَ المسلمون بمخالفة أهل الكتاب في القبلة وجعلت قبلتهم شطر المسجد الحرام بعد أن كانت إلى بيت المقدس قبلة أهل الكتاب ،قال تعالى :" قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ ۖ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا ۚ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ ۗ (البقرة : 144)، وفي هذا التشريع إشارة واضحة إلى وجوب التميز عند المسلم وتحريم التقليد والتبعية والتشبه بالكفار

وكذلك نهى صلى الله عليه وسلم عن ترك الصلاة بالخفاف والنعال فعن شداد بن أوس رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "خالفو اليهود فإنهم لا يصلون في نعالهم ولا خفافهم" أخرجه أبو داود وصححه الألباني . وكان من سننه صلى الله عليه وسلم مخالفة أهل الكتاب والمشركين في كثير من أحكام الصيام فكان من عادة أهل الكتاب أنهم لا يتسحرون للصيام يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم "فصل ما بين صيامنا وصيام أهل الكتاب أكلة السحور" رواه النسائي وصححه الألباني. ومن عاداتهم أيضاً تأخير الفطور يقول الرسول صلى الله عليه وسلم "لا يزال الدين ظاهراً ما عجل الناس الفطر"رواه أبو داود وحسنه الألباني. لأن اليهود والنصارى يؤخرون ومن عادات اليهود تركهم الشيب دون صبغ وتغيير قال صلى الله عليه وسلم: إن اليهود والنصارى لا يصبغون فخالفوهم.رواه البخاري.

وكذلك حلق اللحى وإعفاء الشوارب من أبرز سمات الشخصية عند أهل الكتاب والمشركين والمجوس قال صلى الله عليه وسلم: خَالِفُوا المُشْرِكِينَ: وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ " رواه البخاري ومسلم

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم

الخطبة الثانية

الحمد لله وكفى والصلاة على المصطفى

أما بعد

عباد الله: إعلموا أن التقليد يكون كفراً إذا كان في أصول الإيمان وأسس العقيدة كتقليد النصارى في عقيدة التثليث وتقليد الملاحدة في انكار النبوات والأديان وتقليد الدول الكافرة في تعطيل حدود الله واعتقادهم عدم صلاحية الشريعة الإسلامية للتطبيق ويكون التقليد فسقاً حين يكون في الأخلاق الفاسدة وارتكاب المنكرات والمعاصي كشرب الخمر والمسكرات

ويكون حراماً مطلقاً كموافقة الكفار في أعيادهم واحتفالاتهم ويكون خطأ مكروهاً كالتقليد غير المقصود في أمور الحياة العامة إذا لم يمس العقيدة ويكون التقليد مباحاً بشروط وقيود كالتقليد في الإنتاج المادي والعلوم الإنسانية والتجارب العسكرية وذلك بعد صياغتها صياغة إسلامية وتنقيتها من شوائب الجاهلية وتجريدها من مصالح الكفار وبألا تتعارض مع مصلحة من المصالح الإسلامية الشرعية

اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان واجعلنا من الراشدين ، اللهم وفق وليَّ أمرنا لما تحب وترضى ، واحفظ جنودنا على ثغورنا

وصلوا على نبيكم صلى الله عليه وسلم ، وقوموا إلى صلاتكم.

ملحوظة : في عام 1402هـ كان إلقاء هذه الخطبة للمرة الأولى .

1435-3-25هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

1 + 9 =

/500
جديد الخطب الكتابية
روابط ذات صلة
الخطب السابق
الخطب الكتابية المتشابهة الخطب التالي