الدرس 179: المسكر وما يلحق به

الدرس
التصنيف : تاريخ النشر: السبت 10 ربيع الأول 1435هـ | عدد الزيارات: 1909 القسم: تهذيب فتاوى اللجنة الدائمة -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد

ينبغي أن يعلم أن أمر المسلم أمام أوامر الله سبحانه ونواهيه أمر انقياد وتسليم أدرك حكمة الأمر أو النهي أم لم يدركها مع اعتقاده الجازم أن الله سبحانه وتعالى لا يأمر العباد إلا بما فيه مصلحتهم ولا ينهاهم إلا عما فيه مضرة لهم وما ظهر له من حكمة أمر أو نهي ازداد بها إيمانا وما خفي عليه ازداد كذلك بالتسليم لله والثقة به إيمانا

ثانيا: حرم الله سبحانه الخمر لما فيها من أضرار فتاكة بالعقول فهي تخامرها أي تغطيها وكان تحريمها سنة ست من الهجرة وقيل سنة أربع والله أعلم وكان ذلك قطعا بنزول قول الله تعالى "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ ءامَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنْصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ" إلى قوله سبحانه "فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ" أما أكل لحم الخنزير فقد حرم قبل الهجرة ونزل تحريمه بالآيات المكية وأخبر بأنه رجس قال تعالى "قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ" فهو إذا من الخبائث وقد قال تعالى "وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ" وقد ثبت بالمشاهدة أن غذاءه القاذورات والنجاسات وأنها أشهى طعام إليه يتتبعها ويغشى أماكنها وقد ذكر أهل الخبرة أن أكله يولد الدود في الجوف وأن له تأثيرا في إضعاف الغيرة والقضاء على العفة وأن له مضار أخرى كعسر الهضم ومنع بعض الأجهزة من إفراز عصارتها لتساعد على هضم الطعام فإن صح ما ذكروا فهو من الضرر والخبث الذي حرم من أجله وإن لم يصح فعلى العاقل أن يثق بخبر الله وحكمه فيه بأنه رجس ويؤمن بتحريم أكله ويسلم لحكم الله فإنه سبحانه هو الذي خلقه وهو أعلم بما أودعه فيه: أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ

ومن يشرب الخمر ولا يبالي بالأحكام الشرعية فلا يخلو حال هذا الرجل من أمرين: إما أن يكون تهاون بالأحكام الشرعية على سبيل الاستخفاف بها وعدم الإيمان بمشروعيتها فهذا والعياذ بالله كافر ويفسخ عقد زوجته منه بكفره وارتداده ويكون ذلك عن طريق الحاكم الشرعي وأما إن كان شربه الخمر وتهاونه بالأحكام الشرعية على سبيل التساهل مع إيمانه بمشروعيتها فهذا فاسق لا يخرج به فسقه عن ملة الإسلام والفسق يعتبر عيبا شرعيا يعطي المرأة حق المطالبة بفسخ الزوجية ممن ثبت اتصافه به وأصر عليه ويكون ذلك عن طريق الحاكم الشرعي

ونهى الله عن شرب الخمر وحرمها في محكم كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم قال تعالى "إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ" ونفى صلى الله عليه وسلم كمال الإيمان الواجب ممن شربها فقال "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن" فشارب الخمر مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته وهو تحت مشيئة الله تعالى إن شاء عذبه وإن شاء غفر له قال تعالى: إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ

ويجب على من عرف الحق من المسلمين أن يبلغه قدر طاقته وأن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر حسب استطاعته فإن قبلت نصيحته فالحمد لله وإلا رفع أمر من ارتكب المنكر أو فرط في الواجبات إلى ولي الأمر العام أو الخاص ليأخذ على يد المسيء حتى يرتدع ولا ينتشر الشر ومن رأى من يشرب الخمر علناً فإنه مكلف بالإنكار عليه حسب استطاعته فإن لم يقم بالواجب عليه نحو من يرتكب المنكر عوقب على تفريطه في واجب البلاغ والإنكار فليس شرب إنسان الخمر علنا مما يختص جرمه بالشارب بل يعود ضرره على المجتمع في الدنيا وخطره يوم القيامة على الشارب والمفرط في الإنكار عليه وفي الأخذ على يده وعلى من عرف من المسلمين حال المجرم أن يهجره في المعاملات ولا يخالطه إلا بقدر ما ينصح له وما يضطر إليه فيه وليجتهد ما استطاع في إبلاغ ذلك إلى ولاة الأمور ليقيموا عليه الحد ردعا له ولغيره وقطعا لدابر الشر والفساد وتطهيرا للمجتمع من ذلك الوباء

وشرب الخمر حرام وهو من كبائر الذنوب فعن ابن عمر رضي الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "لعنت الخمر على عشرة أوجه بعينها وعاصرها ومعتصرها وبائعها ومبتاعها وحاملها والمحمولة إليه وآكل ثمنها وشاربها وساقيها" رواه أبو داود وابن ماجه واللفظ لابن ماجه

ولا يباح شرب الخمر بحال أما من اضطر إلى شربها بأن كان مثلا في مهلكة من الأرض أو غص بطعام وخشي على نفسه الهلاك ولم يجد في كل إلا الخمر فإنه يشرب منها بقدر سد ضرورته ولا يزيد

أما استخدامها للدواء فلا يجوز وليس من الضرورة فإن التداوي ليس بواجب كإنقاذ النفس وقد قال صلى الله عليه وسلم "إن الله لم يجعل شفاءكم فيما حرم عليكم" أما المكره على شربها فلا إثم عليه إذا كان صادقا في أنه مكره لقول الله تعالى "مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ" فإذا كان المسلم يعذر في كلمة الكفر إذا كان مكرها عليها فشارب الخمر المكره من باب أولى وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال "إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه" رواه ابن ماجه والبيهقي من حديث ابن عباس رضي الله عنهما

وشرب الخمر لا تبطل صلاة من يشربها ويجب متابعة نصحهم عسى الله أن يتوب عليهم ولا تمنعهم من غشيان المساجد

وشرب الخمر من كبائر الذنوب ويشتد فحشه في الأماكن المقدسة والأزمنة المكرمة كرمضان ولكنه لا يبطل الصوم إلا إذا شرب نهارا من طلوع الفجر إلى غروب الشمس

وليست الخمر كمياه المجاري المتنجسة في حكم إبقائها والانتفاع بها على حالها أو بعد تخليصها مما خالطها من النجاسة فإن الخمر تجب إراقتها لإسكارها لا لنجاستها لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بذلك حينما نزلت الآيتان في تحريم الخمر ويحرم إبقاؤها والانتفاع بها على حالها ويحرم تحويلها عن خمريتها بالتخليل أو بتحليل بعض أجزائها وتخليصها مما بها من الكحول ولا خلطها بغيرها مما يراد الانتفاع به لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن تخليل الخمر سدا للذريعة وقطعا لطريق إعادة تركيبها واستعمالها بخلاف المياه المتنجسة فإن عيبها في تنجسها فيجوز استعمالها على حالتها في سقي زرع وشجر ونحو ذلك ويجوز تخليصها مما نجسها لينتفع بكل من أجزائها فيما يناسبه من تسميد أرض أو رشها أو شرب أو غير ذلك

ولا يجوز خلط الأدوية بالكحول المسكرة لكن لو خلطت بالكحول جاز استعمالها إن كانت نسبة الكحول قليلة لم يظهر أثرها في لون الدواء ولا طعمه ولا ريحه وإلا حرم استعمال ما خلط بها

ويحرم على المسلم أن يقدم خمرا لرفقائه سواء كانوا كفارا أم مسلمين وسواء كان ذلك في مقهى أم في بيته أم مكان آخر ولا يجوز له أن يدفع ثمنها وإن لم يشرب منها لأن الله تعالى لعن الخمر وشاربها وساقيها وبائعها ومشتريها وآكل ثمنها وعليه أن يجتنب رفقاء السوء محافظة على نفسه من الوقوع في المعاصي

ولا يجوز لمسلم نقل الخمر بسيارة وحمله منها وإن كان ذلك لغير المسلمين لعموم النهي عن ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ولعنه من فعله والله يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ

حفظ الله شباب المسلمين من الوقوع في كبيرة شرب الخمر حفاظاً على دينهم وعقولهم

وصل الله على نبينا محمد وعلى آله وأزواجه وأصحابه أجمعين

1435-3-10 هـ

التعليقات : 0 تعليق
إضافة تعليق

9 + 6 =

/500
جديد الدروس الكتابية
الدرس 106 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة لحكام المسلمين وشعوبهم - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 105 الجزء الثالث ‌‌نصيحة عامة حول بعض كبائر الذنوب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 104 ‌‌ الجزء الثالث حكم الإسلام فيمن أنكر تعدد الزوجات - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 103 الجزء الثالث ‌‌الأدلة الكاشفة لأخطاء بعض الكتاب - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 102 الجزء الثالث : ليس الجهادللدفاع فقط - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
الدرس 101 الجزء الثالث ‌‌حكم من مات من أطفال المشركين - تهذيب وتحقيق فتاوى ابن باز -- للشيخ د . مبارك بن ناصر العسكر
روابط ذات صلة